مقالاتمقالات مختارة

ملامح وبنود صفقة القرن الأميركية

ملامح وبنود صفقة القرن الأميركية

بقلم منصور أبو كريم

كثيرة هي الأخبار المتداولة عن ملامح وبنود صفقة القرن الأميركية أو التي يطلق عليها أميركيا ultimate deal أي الصفقة النهائية، وهي الصفقة التي يراد منها إيجاد حل للقضية الفلسطينية، سواء كان هذا الحل بتوافق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أو حلاً يفرض على الطرف الفلسطيني كما تحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب تصور أن الأمور بهذه البساطة عبر البحث عن شركاء إقليميين.

في سياق التحضير لعرض الصفقة أختتم الوفد الأميركي برئاسة جاريد كوشنير، صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره، وجيسون غرينبلات، المبعوث الأميركي للسلام لمنطقة الشرق الأوسط، ودينا باول نائبة مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، وتيم ليندركينغ مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج. جولة دبلوماسية شملت أربع دول عربية هي الأردن، والسعودية، ومصر، وقطر إضافة إلى إسرائيل. وكان الهدف الأساسي لهذه الجولة هو تسويق خطة الإدارة الأميركية المنتظرة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي باتت تُعرف إعلاميًا باسم “صفقة القرن”، وهي تسمية مقصودة لتسويق قناعات وأفكار إسرائيلية قديمة بوصفها اقتراحًا جديدًا لصفقة تاريخية.

رغم أن الإدارة الأميركية لم تكشف رسميًا عن تفاصيل الخطة التي تروّج لها، فإن التسريبات التي بلغت العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية تعطي صورة تقريبية عن ماهية الطرح الأميركي والغايات التي يسعى لتحقيقها. تقوم الخطة على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية شرطًا لتهميش القضية الفلسطينية، وليس حلها بوصفها قضية سياسية، ويأتي كل ذلك من خلال إنشاء مناخ سياسي إقليمي ملائم لعلاقات عربية -إسرائيلية، يستوعب الجانب الفلسطيني، ويمارس الضغط اللازم عليه لقبول الطرح الأميركي الذي يركز على التعاون والتكامل الاقتصادي عبر حزمة من المزايا الاقتصادية والاستثمارات الأميركية والخليجية، مع تجاهل أركان القضية الفلسطينية في العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.

النقطة الأهم في نظر الادارة الأميركية الآن حل مشكلة الكهرباء في قطاع غزة، عبر إقامة محطة توليد طاقة كبيرة في منطقة العريش تخدم قطاع غزة بهدف تحسين وضع الكهرباء

بدأ تنفيذ الخطة التي تقوم على التخلي عن قضايا الوضع النهائي، وهي القدس، والمستوطنات، والحدود، واللاجئين، والمياه، مسبقًا ومن دون مفاوضات بإخراج القدس من دائرة التفاوض؛ وذلك عندما اعترف ترامب، في 6 كانون الأول ديسمبر 2017، بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها. مسئول كبير في السلطة الفلسطينية أكد إن البيت الأبيض سيقدم خطة التسوية المعروفة باسم “صفقة القرن” خلال الأسابيع المُقبلة بعد ضغوط من نتنياهو.

ونقلت صحيفة “هآرتس”، عن المسؤول الفلسطيني قوله إن السلطات الفلسطينية حصلت على معلومات عن قرب الإفراج عن “صفقة القرن” خلال الأسابيع المقبلة، عبر إعلان إدارة ترامب موافقتها على ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وفيما يطرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ضم 15 في المائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، يقترح ترامب ضم 10 في المائة من مساحة الضفة. وستخترع إدارة ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس، وستعلن بعدها مفهوما أمنيا مشتركا لدولتي إسرائيل وفلسطين كشريكين في سلام يشمل دولة فلسطين منزوعة السلاح مع قوة شرطة قوية، وتعاونا أمنيا ثنائيا وإقليميا ودوليا.

ويشمل المفهوم الأمني أيضاً، وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى من الضفة الغربية لحماية الدولتين، فيما تبقي إسرائيل صلاحيات الأمن القصوى بيدها لحالات الطوارئ”، وفق التقرير. وتتضمن “صفقة القرن” أن تنسحب القوات الإسرائيلية وتعيد تموضعها تدريجياً خارج المناطق A وB وفق تصنيف اتفاق أوسلو، مع إضافة أراضٍ جديدة من المنطقة C، وذلك وفق الأداء الفلسطيني (لم تحدد مهلة زمنية)، وتعلن دولة فلسطين في هذه الحدود، على أن تعترف دول العالم بـدولة إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، وتضمن إسرائيل حرية العبادة في الأماكن المقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم فيها.

وحول الوضع في قطاع غزة كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الادارة الأميركية تعمل الآن على تجنيد مبلغ قدره نصف مليار دولار حتى مليار دولار، من أجل بناء مشاريع لسكان قطاع غزة، ومن بين المشاريع التي يتم دراستها اقامة محطة لتوليد الكهرباء وميناء بحري ومشروع للطاقة الشمسية تقام على أرض سيناء المصرية.

ووفقًا للصحيفة الإسرائيلية فإن أمريكا تسعي لتجنيد هذا المبلغ من دول الخليج العربي، ومن المتوقع أن تطرح مشاريع غزة خلال المحادثات التي سيجريها الوفد الأميركي مع قادة دول المنطقة”. ووفقا للصحيفة فالإدارة الأميركية تأمل أن تساهم تلك المشاريع بتهدئة الوضع بين غزة و”إسرائيل”، وتكون تلك المشاريع خطوة تمهيدية لتعرض الادارة الأميركية خطة صفة القرن.

ووفقا للتقرير، فالنقطة الأهم في نظر الادارة الأميركية الآن حل مشكلة الكهرباء في قطاع غزة، عبر إقامة محطة توليد طاقة كبيرة في منطقة العريش تخدم قطاع غزة بهدف تحسين وضع الكهرباء في القطاع، كما يتم دراسة بناء ميناء بحري أمام شاطئ سيناء واقامة منطقة صناعية لتصنيع مواد البناء لتوفير الاف أماكن العمل لسكان القطاع، لتحسين الوضع الاقتصادي في غزة والوضع الامني في سيناء.

وكان عُقد في البيت الأبيض في الثالث عشر من شهر مارس 2018م، مؤتمر برعاية مبعوث الرئيس الأميركي عملية السلام جيسون غرينبلات، بحث الوضع الإنساني في قطاع غزة بمشاركة 13 دولة أجنبية وعربية، وقاطعته السلطة الفلسطينية. وفي أعقاب المؤتمر، حذر الدكتور صائب عريقات من وجود مساع لإعلان دولة فلسطينية في قطاع غزة فقط، ومن مساع أمريكية لفرض حلول اقليمية وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إغاثية.

القضية الجوهرية الأخرى التي تسعى إدارة ترامب شطبها هي قضية اللاجئين، عبر تقديم المساعدات مباشرة للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، وليس من خلال وكالة الغوث كما هو علية الوضع حتى الآن، يضاف لذلك سعي إدارة ترامب الى الحصول على مساعده مالية لقطاع غزة حجمها مليار دولار من أجل اقامة مشاريع اقتصاديه دون الرجوع أو حتى استشارة وكالة غوث بهدف شطب قضية اللاجئين من على الطاولة كما اعتقدت أنها شطبت قضية القدس.

خطة ترامب لن تقترح انسحاب إسرائيلي من المستوطنات القائمة أو إخلاء المستوطنات التي توصف بأنها معزولة، ولا أي انسحاب من الكتل الاستيطانية الكبيرة مثل كتلة مستوطنات أريئيل، جنوب نابلس

بشكل عام لن تشمل الصفقة بالضرورة انسحاباً إسرائيلياً من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وفي محيط القدس. وقد أبرزت صحيفة هآرتس ما اعتبرت أنه ملامح شبه نهائية لصفقة القرن التي تتحدث في واقع الحال عن تبنٍّ مطلق للموقف الإسرائيلي العام بمنح الفلسطينيين كياناً “دون الدولة”. وهو الموقف الذي كان قد عبّر عنه في أكتوبر/ تشرين الأول 1995، رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، في آخر خطاب له أمام الكنيست، عند عرض اتفاق أوسلو الثاني على الكنيست، وأكد فيه أيضاً أنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي من الأغوار الفلسطينية.

ووفقاً لما نشرته “هآرتس” أن إدارة الرئيس ترامب، تعتزم فعلاً عرض إعلان قرية أبو ديس شرقي القدس المحتلة باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية المنتظرة، مقابل انسحاب إسرائيلي من 3 أو 5 من القرى العربية المحيطة بالقدس، التي ضمتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ بلدية القدس بعد عام 1967. وستبقى البلدة القديمة من القدس تحت السيطرة والحكم الإسرائيليين. بحسب الكاتب في جريدة هآرتس الإسرائيلية عاموس أرئيل، أن خطة ترامب لن تقترح انسحاب إسرائيلي من المستوطنات القائمة أو إخلاء المستوطنات التي توصف بأنها معزولة، ولا أي انسحاب من الكتل الاستيطانية الكبيرة مثل كتلة مستوطنات أريئيل، جنوب نابلس، ومستوطنات غوش عتيون قرب بيت لحم، ولا مستوطنات معاليه أدوميم. كذلك تنصّ خطة ترامب على إبقاء الأغوار الفلسطينية تحت سيطرة حكومة الاحتلال، مع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومن دون جيش أو أسلحة ثقيلة.

خلاصة القول إن الخطة التي تعتزم إدارة الرئيس دونالد ترامب طرحها على الأطراف لكي تكون قاعدة للتفاوض المباشر والسريع بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية وعربية حيوية لا تستقيم عملياً مع منطق حل الدولتين أو أسس عملية السلام ولا قرارات الشرعية الدولية لأنها تؤدي عمليًا إلى احتفاظ إسرائيل بأكثر مساحة الضفة الغربية المحتلة، وإعلان القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل بعد نزع صفة الاحتلال عن شطرها الشرقي، ومن ثمّ لا يتبقى للفلسطينيين سوى كيان مقطع الأوصال كنتونات يضم التجمعات السكانية الفلسطينية الكبرى، وبذلك تتخلص إسرائيل من مراكز الكثافة السكانية الفلسطينية العالية في مقابل احتفاظها بأكبر جزء من الأرض.

أمّا غزة، فيجري تحويل قضيتها إلى قضية خدمات، والتعامل معها على أنها قضية إنسانية وإغاثية وليست جزء من الأرض الفلسطينية عبر التركيز على البعد الإنساني كأساس في التعامل مع قضايا غزة، عبر البحث عن مشاريع استثمارية في سيناء تمهيد لتوسيع قطاع غزة باتجاه الجنوب في إطار ما يعرف بالحل الإقليمي، لكن التحديات التي واجهت الوفد الأميركي خلال جولته في المنطقة كفيلة بتأجيل طرحها على أقل تقدير.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى