مقالاتمقالات مختارة

وسيم يوسف وأدهم الشرقاوي والإلحاد

وسيم يوسف وأدهم الشرقاوي والإلحاد

بقلم محمد قادري

بعضُ المنافقينَ يأبى اللهُ إلَّا أَنْ يذلَّهمْ ويفضحَهم في دنياهم قبل آخرتِهم، وشاهدنا الخزي الذي وقعَ فيهِ ما يُسمَّى “بالداعيةِ” وسيم يوسف بعد أنْ تمَّ كشفُ أمرِ سرقتِهِ لمقالات السامق أدهم الشرقاوي، وكيفية الردّ على التهَمِ التي وُجهتْ له بعد إثباتِ الحُجَّةِ عليهِ، وسابقًا في محاورتِه مع الفاضلةِ خديجة بن قنّة، التي كشفَتْ عن عِظَمِ جهلِهِ، وبطلانِ حجَّتِهِ، وركاكةِ بنيانِهِ، وتفلّت زمام الحوار في كلامه.
ليستْ تدوينتي هذه سياسيَّةً، ولا أريدُها أن تأخذَ هذا المنحى، ولكنِّي سأتكلَّمُ هنا كوني شابا لم يتجاوز العشرينَ من عمرِه، ومتابعًا لحكم الشيوخِ والدعاةِ المُداهنينَ الذين يتكلّمونَ عن فضلِ الصبرِ وهم أوّلُ من يرتدُّ على عقبيهِ ناكصًا في حال وقوعِه في مصيبةٍ. إنّ الشباب العربيّ يتعرّض لموجتَينِ خطيرتَينِ أعقد ممّا يتصوّرُه القارىء العاديّ، هما موجة التشكيك والإلحاد وخلعِ الحجابِ وغيرها من المصائبِ، وموجةُ سقوطِ الأقنعةِ وظهور الوجوه الحقيقيّة للشيوخِ الذينَ إنْ تكلَّموا وأسبلوا دموعَهم خلتَهم علماءَ ربَّانيينَ جاءوا للخَلاصِ الذي تنتظرُه المسيحيةُ من نبيّ اللهِ عيسى -عليه السلام-.

هاتانِ الموجتانِ تأخذانِ منحًى خطيرًا في عقول الشبابِ التائهِ في زمنٍ أضحى الحليمُ فيه حيرانًا، فإنْ كان أمثالُ وسيم يوسف الذائدين عن الدين الإسلاميّ فلا أستغرب من نفور الكثير من الشباب -غير القارىء والباحث- إلى أنْ يلحدَ أو يضعفَ يقينُهُ. وكنتُ إذا استمعتُ للشيخِ جميع دروسه وعظاته، وللإمام القارىء جميع السور، ثمّ رأيتُ منهم ما يُسيءُ بالدين، ويناقضُ صورَهم التي جمّلوها في ذهننا بنفاقهم، فلا أكاد أستطيع أنْ أتجاوز الدقيقةَ الواحدةَ في الاستماع لهم بعدها.

الشباب التائهُ يحتاجُ إلى صوتٍ رفيقٍ يلامس قلوبَهم ويحرِّكُ مشاعرَهم، ولعلَّ النابلسي نجحَ في هذا الأمر، حيث لم يكن من الصارخينَ المُرهبينَ الجامدينَ بفتواهم ودعواهم
على مثلِهم أن يتّقوا اللهَ الذي أمرونا بتقواهُ، وعليهمْ أنْ يفعلوا ما يقولونَ فقد “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ“، وأمَّا إنْ لم يستطيعوا الصبر على وعورةِ طريقِ الدعوةِ إلى اللهِ، ولم يتحمَّلوا شوكَ الفتنةِ، فلْيعملوا في غيرِ ذاتِ الوظيفةِ -وهي بالفعل وظيفة بالنسبةِ لهؤلاء؛ فبقدرِ كذبهم يكون راتبهم- وعلى كلِّ داعيةٍ أنْ يعلم أنّ الطريقَ ليستْ بالهيِّنَةِ ولا السهلةِ المريحةِ، بل هي ذات الطريق التي عبر منها الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- الداعية الأكبر، وقد ذكر الشيخ الفاضل محمد راتب النابلسي أنّه ذات مرَّةٍ التقى بالشعراوي -رحمه اللهُ- وكان النابلسي في بدايات دعوته، فطلبَ من الشعراي النصحَ والعِظَةَ وظنَّ حينَها أنَّهُ سينصحهُ لساعاتٍ طوالٍ فتفاجأ بعدها أنّه أجاب على طلبِه بجملةٍ واحدةٍ لخّصتْ أُسَّ الدعوةِ، حيثُ قالَ “على الداعية أن يحذرَ أنْ يراهُ المدعوُّ في خلافِ ما يدعو إليهِ”، وكم صدقَ الشعراويُّ بهذا، فمن هنا تكمن الفتن التي يُفتن بها الشباب، حتى إذا ما ذُكرتْ كلمة “شيخٍ” أمامهم سبّوا وشتموا بالتعميم المُطلَقِ؛ وذلك لخيبةِ أملهم مرارًا وتكرارًا ورؤيتهم للشيوخ على خلاف ما كانوا يدعون إليه.

تكلَّمتُ عن موجتَينِ داهمتَينِ تحيطُ بالشباب من كلِّ جانبٍ، ولا أرى أنّ موجةَ التشكيكِ هي الأخطر، بل قرينتها هي الأخطر، فإن توفّر للشباب داعيةٌ حقيقيٌّ يلمسُ واقعَ الشباب ويخالطهم سيعرف أنّ طريق الدعوة في هذا العصر ليست كسابقيه من العصور؛ الشباب التائهُ يحتاجُ إلى صوتٍ رفيقٍ يلامس قلوبَهم ويحرِّكُ مشاعرَهم، ولعلَّ النابلسيّ نجحَ في هذا الأمر، حيث لم يكن من الصارخينَ المُرهبينَ الجامدينَ بفتواهم ودعواهم ولا المداهنين، بل يأخذ همومهم فيبسّطها ويخفّف عن آلامهم، وأيضًا لن يكون هناك أيّ تأثيرٍ يُذكَرُ من موجة التشكيك المعاصرة في أصول الإسلام وثوابته بتوفّر الدعاةِ الحقيقيينَ ونشرِ أعمالهم.

ختامًا، أذكر أنّني استمعتُ لأحدِ الشيوخِ الفصحاءِ فقال: “والفصاحةُ قرينة النفاق إلّا من عصم اللهُ قلبَه”، ثمّ بعدها بأيَّامٍ شاهدتُ مقطعًا يُحرِّمُ فيه منافسةَ رئيس بلاده -في فترة الانتخابات الرئيسية- فيأتي بالآيات المتشابهةِ “ابتغاء الفتنةِ وابتغاء تأويله”، فمثله ومثل أيّ “شيخٍ” آخر يذكّرني بقولِ الشاعر الأندلسي الذي قال ما قاله عند شيوع الألقاب الفروسية في المملكة الأندلسية وهي في عزّ ذلّها:

ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضعِها.. كالهرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأَسَدِ
وغير هذه القصّة كثير!.
(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى