أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف والعدوان
د. عبد العزيز بن صالح الفوزان
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب لنا غيره، ولا معبود بحق سواه.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله ومصطفاه. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: فإنّ الأمن حاجة إنسانية ملحة، ومطلب فطري لا تستقيم الحياة بدونه، ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع، والحياة بلا أمن حياة قاحلة مجدبة، شديدة قاسية، لا يمكن أن تقبل أو تطاق.
فالأمن من أهم مقومات السعادة والاستقرار، وأهم أسباب التقدم والتحضر والرقي، وهو مطلب تتفق على أهميته جميع الأمم والشعوب، والأفراد والمجتمعات، في كل زمان ومكان.
وإذا فُقد الأمن اضطربت النفوس، وسيطر عليها الخوف والقلق، وتعطلت مصالح الناس، وانقبضوا عن السعي والكسب، وانحصرت هممهم بتأمين أنفسهم ومن تحت أيديهم، ودفع الظلم والعدوان الواقع أو المتوقع عليهم.
وإذا كان الأمن حاجة إنسانية ملحّة، لا يستغني عنها فرد أو مجتمع، فإنّ ذلك يعني بالضرورة وجوب مواجهة ما يخلّ به من العنف، ومعالجة آثاره، وقطع الأسباب الداعية إليه.
وللإسلام منهجه المتفرد في تحقيق الأمن ومكافحة العنف، فهو يهتم بالجوانب التربوية والوقائية التي تمنع وقوع العنف أصلًا، كما يهتم بالجوانب الزجرية والعقابية، التي تمحو آثاره، وتمنع من معاودته وتكراره.
وهذا بخلاف ما عليه المناهج البشرية الجاهلية، والقوانين الوضعية التي تهتم بمعالجة العنف بعد وقوعه، أكثر من اهتمامها بمنع حدوثه ابتداءً.
ولو قُدّر لها أن تهتم بالجوانب الوقائية والتربوية، لم يتوفر لها من وسائل ذلك، ومن الالتزام بها والاستجابة لها واحترامها ما يتوفر للتشريع الإلهي، الذي هو من وضع الخالق الحكيم، الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه ويسعده في عاجل أمره وآجله، تشريعٌ بريء من جهل الإنسان، وهوى الإنسان، وضعف الإنسان، وتقلبات الإنسان، لا محاباة فيه لفرد، ولا لطبقة، ولا لجنس، لأن الله هو رب العالمين، والناس كلهم عباده، وقد أنزل عليهم شريعته لتحقيق أمنهم وحفظ مصالحهم، وهدايتهم لما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم.
وسوف أركز في هذا البحث على بيان أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف، فإنّ العلم الشرعي المؤسس على الكتاب والسنة هو الذي يهذب النفوس، ويطهر القلوب، ويقيد صاحبه عن العنف والإجرام، ويمنعه من الظلم والعدوان، ويحمله على تعظيم حقوق العباد وحفظ مصالحهم، ويحجزه عن الإقدام على هتك الحرمات، وارتكاب المظالم والموبقات، وهو يمنع من العنف ابتداءً، وهو أيضًا من أعظم الأسباب المعينة على علاج هذه الظاهرة الخطيرة، وحمل من تلبس بشيء منها على التوبة والإنابة، وعدم التكرار والمعاودة.
وقد انتظم هذا البحث في مقدمة وتمهيد وخاتمة ومبحثين على النحو الآتي:
المبحث الأول: تحريم الاعتداء على النفس.
المبحث الثاني: تحريم إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه.
والله أسأل أن يرزقنا الفقه في الدين، والاستقامة على منهج سيد المرسلين، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ومناهج المفتونين، وأن يهدي ضال المسلمين، ويحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من غوائل الأعداء والمتربصين، وتهوكات الجهلة والمتهورين.
تمهيد
ضلال الخلق على كثرة صوره وأنواعه، وتعدد مظاهره وأشكاله، سواء كان في الأفكار والتصورات، أو الأخلاق والسلوكيات، أو الأعمال والممارسات، يعود في حقيقته إلى سببين رئيسين:
الأول: الجهل أو العمى، والثاني: الظلم أو الهوى.
قال الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72].
فبين أن الأصل في الإنسان هو الظلم والجهل، إلا من زكاه الله بالعدل الذي يمنعه من الظلم، والعلم النافع الذي يرفع عنه الجهل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والجهل والظلم هما أصل كل شر، كما قال سبحانه: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}”[ 1 ].
ويدل على ذلك أيضًا: أن الله تعالى أمرنا بقراءة أم القرآن في كل ركعة من ركعات الصلاة، سواء كانت مفروضة أو مستحبة، ومن بين آياتها قوله سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}[الفاتحة: 6 -7].
فأرشدنا إلى سؤاله الهداية إلى الصراط المستقيم، وذلك يتضمن معرفة الحق والتوفيق للعمل به، وهما ينافيان الجهل والهوى، ثم بين أن هذا هو طريق الذين أنعم عليهم من النبيين وأتباعهم بإحسان، حيث دلهم على الحق، وأعانهم على امتثاله والعمل به، بخلاف المغضوب عليهم والضالين، الذين تنكبوا الصراط المستقيم، فوقعوا في الشرك والضلالات، والبدع والخرافات، وارتكبوا الكبائر والمنكرات، إما اتباعًا للهوى مع علمهم بالحق، وهؤلاء هم المغضوب عليهم، كاليهود، الذين أضلهم الله على علم، فتركوا الحق مع علمهم به، وإما جهلًا منهم بالحق، فعبدوا الله على جهل، وهؤلاء هم الضالون، كالنصارى، الذين يتقربون إليه بالشركيات، ويتعبدون له بالبدع والضلالات.
وإذا كان المسلم مأمورًا بأن يتفهم هذه المعاني العظيمة، ويدعو بهذا الدعاء الجامع في كل ركعة من ركعات الصلاة، فإن هذا دليل على خطورة الجهل واتباع الهوى، ووجوب مجاهدة النفس على طلب العلم والهدى، واتباع الحق والاستقامة عليه، وأن الجهل والهوى هما سبب ضلال الخلق، وبعدهم عن الهدى ودين الحق.
ولو تأملت في أحوال العاصين المفرطين، والمبتدعة الضالين، والغلاة الجافين، لوجدتهم إنما أُتوا من قِبل هذين الأمرين أو أحدهما.
والجهل أصل الضلالين، وأخطر الشرين، وما من أحد يتبع الهوى، ويعرض عن الحق والهدى إلا بسبب جهله بالله وسطوته، وغفلته عن شؤم الذنب وسوء عاقبته.
وفي ظني أن أكثر هؤلاء المذكورين إنما تنكبوا الصراط المستقيم بسبب الجهل وقلة الفقه، وضعف البصيرة في الدين.
فكثير ممن يرتكبون الكبائر، ويسرفون على أنفسهم بالمعاصي، أو يتساهلون بظلم العباد وبخسهم حقوقهم، لا يعلمون أن فعلهم هذا من المحرمات الكبائر، وإن عرفوا تحريمه من حيث الجملة، فإنهم لا يدركون شناعته وشدة تحريمه، وما يترتب عليه من الإثم والشؤم، والعواقب السيئة في الدنيا وفي الآخرة، فيتساهلون في فعله، ويستهينون بشأنه، ولو علموا ما ورد في هذا المنكر من الوعيد والعذاب الشديد، لما ارتكبوه، أو أصروا عليه واستمرءوه.
فمن يشرب الخمر مثلًا، أو يفعل الزنا، أو يمارس الغيبة أو النميمة، لو علم بأضرار هذه المعاصي على القلب والبدن، والدين والدنيا، وما يترتب عليها من العذاب والنكال الأليم، والعقوبات العاجلة والآجلة، لكان ذلك أعظم زاجر له عن اقترافها، أو استمرائها والتهاون بشأنها.
وقد يُؤتى الإنسان من قبل جهله من وجه آخر، حيث يظن أن فعله هذا مبارك مشروع، وصاحبه مأجور مشكور، وليس الأمر على ظنه وحسبانه في الواقع، كمن يظلم كافرًا أو فاسقًا، ويتعمد الإساءة إليه بالقول والفعل، وهو يظن أن عمله هذا قربة يرفعه الله بها درجات، ويجهل أن الظلم حرام في حق كل أحد، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، وأن فعله هذا من الصد عن سبيل الله، والظلم لعباد الله، وكلاهما حرام بنصوص كثيرة في الكتاب والسنة.
وبهذا نعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحرمان إذا تضمنا تفويت مصلحة أكبر، أو جلب فتنة ومفسدة أعظم.
ومما سبق يتبين لنا أمران مهمان:
الأول: حاجتنا بل اضطرارنا إلى معرفة الحق وطلب العلم الشرعي، ولهذا جعل الله تعالى طلب العلم الشرعي فريضة على كل مسلم ومسلمة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ولسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[ 2 ].
وهذا يشمل كل علم يتوقف عليه القيام بالواجب أو ترك المحرم، فتعلمه فرض عين على كل مسلم مكلف، أما ما زاد على ذلك من العلوم الشرعية أو الدنيوية التي تحتاجها الأمة، فهذه تعلمها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي من سائر أمة الإسلام، وسدت بهم حاجة الأمة، فقد حصل المقصود، وأُدي الواجب، وسقط الإثم عن الباقين، وإن أطبقت الأمة كلها على تركه، أو تصدى له من لا تحصل بهم الكفاية، أثمت الأمة كلها، الرجال والنساء، القادرون وغير القادرين، أما القادر فيأثم لعدم قيامه به ومباشرته له مع قدرته عليه، وأما غير القادر فواجبه أن يحض القادرين على القيام بما أوجبه الله وإن كان إثم القادر أعظم من إثم غيره، لكنهم جميعًا آثمون، وهذا هو الشأن في جميع فروض الكفايات.
ولأجل هذا حث الله تعالى على طلب العلم النافع والاستكثار منه، وأثنى على العلماء، وبين عظيم فضلهم ورفعة مكانتهم، وأنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ووردت كذلك أحاديث كثيرة تبين فضل العلم والعلماء، وأنهم ورثة الأنبياء في معرفة الحق والعمل به، وفي حمل هذا الدين وتبليغه للعالمين، وهي آيات وأحاديث معلومة فلا نطيل بذكرها.
بل بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الاشتغال بالعلم تعلمًا وتعليمًا أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات التي يقتصر نفعها على صاحبها، وأن من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وبين الفرق الواسع والبون الشاسع بين العالم البصير والعابد الجاهل، فقال: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)[ 3 ].
– ولهذا التفضيل أسباب منها ما يأتي:
1- أن العالم أعرف بالله عز وجل وحقوقه، وأكثر محبةً له وتعظيمًا لجنابه، ورجاء لثوابه، وخوفًا من عقابه، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولهذا قال ربنا سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: 28] فبين أنهم هم الذين يخشونه حق خشيته، لكمال معرفتهم به، وامتلاء قلوبهم بتعظيمه ومحبته، ورجائه وخشيته، وتفكرهم في آياته الكونية والشرعية، وإدراكهم لمقاصد شريعته وغاياتها، وحكمها وأسرارها، فيزدادون يقينًا بأن هذا الدين هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وأنزله رحمة للعالمين، وأن الذي جاء به هو رسول الله حقًا، الذي لو لم يأت بآية تدل على صدقه وصدق ما جاء به، وأنه من عند الله إلا ما تضمنته هذه الشريعة من الحكم والمصالح لكانت كافية شافية.
2- أن العلم النافع يعصم صاحبه بتوفيق الله من الانحراف والضلال، ويحميه من الوقوع في البدع والمحدثات، والشركيات والضلالات، ويحمله على تعظيم الشعائر والحرمات، والتجافي عن المنكرات والموبقات، بخلاف العابد الجاهل، فإنه قد يقع في شيء من هذه المخالفات بسبب جهله، وربما يتقرب إلى الله بما لم يأذن به الله، كحال عباد النصارى، ومن شابههم من جهلة عباد المسلمين الذين يتعبدون بالبدع والمحدثات، أو يتقربون إلى أصحاب القبور بأنواع القربات، ويشركون بالله تعالى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
وربما اشتغل العابد الجاهل بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحب إليه، فهو يتعبد بالأعمال المفضولات ويترك الأعمال الفاضلات، ويتوسع في النوافل والمستحبات على حساب الفرائض والواجبات، فتجده يُشغَل بنوافل العبادات عما أوجبه الله من بر الوالدين، وصلة الأرحام، وتربية الأولاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين، وغيرها.
وعلاج ذلك بالبصيرة في الدين، والعلم بمراتب العبادات، ومعرفة أقدارها، والتمييز بين فاضلها ومفضولها، فإن في الطاعات سيدًا ومسودًا، ورئيسًا ومرؤوسًا، وكبيرًا وصغيرًا، وذروةً وما دونها[ 4 ].
فالعلم النافع هو الذي يقي من مكايد الشيطان ونزغاته، ويكشف شبهاته وتلبيساته، وكلما كان المؤمن الصادق أكثر علمًا بالشريعة وتضلعًا منها، كان أكثر تمسكًا بالسنة وحرصًا عليها، وبعدًا عن البدعة ونفورًا منها، وحذرًا من مصايد الشيطان ووساوسه.
3- أن العلم نور يهدي إلى الحق، وينير الطريق للسالكين، وبه يُميَّز بين الإيمان والكفر، والمصلحة والمفسدة، والخير والشر، بل يعرف به خير الخيرين وشر الشرين، وعلى قدر علم الإنسان وفقهه، وقوة بصيرته، وسعة أفقه، ومعرفته بواقعه، يكون حكمه على الأحداث من حوله، وإدراكه لكيفية التعامل معها، ونظره إلى عواقبها ومآلاتها، ومتى يقدم، ومتى يحجم؟ ومن يعادي، ومن يسالم؟ ولهذا أمرنا ربنا عز وجل بالرجوع إلى العلماء الربانيين في الأمور التي تهم الأمة، وتمس مصالحها العامة، فقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: 83].
فهذا إنكار من الله تعالى على من يتعجل في الحكم على الأمور، ويبادر بنشر الأخبار وإذاعتها قبل التأكد من ثبوتها وصحتها، ومناسبة نشرها من عدمه، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، المتعلقة بالمصالح العامة، أن يتثبتوا ويتعقلوا، وأن يردوا الأمر إلى أولي الأمر من العلماء الراسخين، أهل الرأي والحصافة، والعقل والرزانة، وبعد النظر وسعة الأفق، الذين يعرفون الأحوال، ويميزون بين المصالح والمفاسد، فيهدونهم بإذن الله إلى الطريق الأسد، والمنهج الأرشد، فإن رأوا في إذاعته مصلحةً ونشاطًا للمؤمنين، وسرورًا لهم، وتقوية لعزائمهم، أو تحرزًا من أعدائهم، وحفزًا لهم على مواجهتهم واتقاء شرهم وعدوانهم، فعلوا ذلك، وإن رأوا المصلحة في كتمانه، لم يذيعوه[ 5 ].
4- أن عمل العابد مهما عظم، فإن نفعه قاصر على نفسه، بخلاف العالم فنفعه متعدٍ إلى غيره[ 6 ].
الثاني: وجوب الحذر من الأئمة المضلين، والجهلة المتعالمين، والمتصدرين للفتوى وليسوا من أهلها، ولهذا أمرنا الله – تعالى – بسؤال أهل الذكر فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: 7].
وأهل الذكر هم العلماء الراسخون، الذين شهدت لهم الأمة بالعلم والإمامة في الدين، أما أدعياء العلم، وأنصاف المتعلمين، والمتطفلون على موائد العلماء، فليسوا أهلًا لأن يستفتوا ويصدر عن رأيهم، وخصوصًا في الأمور العامة التي تمس مصالح الأمة.
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء فقال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)[ 7 ].
وهذا يتضمن التحذير من ترئيس الجهال، وتخلية الساحة لهم، بقعود العلماء الراسخين عما أوجبه الله عليهم من البلاغ والتبيين، وفيه التحذير من استفتاء أدعياء العلم وأنصاف المتعلمين، ومن يتصدرون للفتوى، وهم في الحقيقة جهال أدعياء، وفيه التحذير الشديد لهؤلاء من القول على الله بلا علم، وإقحام أنفسهم فيما لا يحسنون، والخوض في بحر لا يجيدون السباحة فيه، فيَضلون ويُضلون، ويتحملون أوزارهم وأوزار من يضلونهم بغير علم.
ويؤكد ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام حين حذر من فتنة الخوارج، وأمر بقتلهم، بين أنهم إنما أُتوا من قبل جهلهم، وقلة فقههم، فجنوا على أنفسهم وعلى أمتهم، ولم يشفع لهم حسن نيتهم، وسلامة قصدهم، وكثرة عبادتهم، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة)[ 8 ].
فبين أنهم سفهاء الأحلام، وهذا دليل على ضعف عقولهم وغلبة الجهل عليهم، ووصفهم بأنهم “حدثاء الأسنان”، وحديث السن في الغالب أقرب إلى الجهل والطيش، والتسرع وعدم الروية، وجنوح الفكر والتطرف في الرأي، من كبير السن، الذي عركته الحياة، وحنكته التجارب، وأدرك أهمية النظر في المآلات والعواقب.
ووصفهم كذلك بأنهم “يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم”، وهذا أيضًا دليل على جهلهم وضعف بصيرتهم، فإنهم مع كثرة قراءتهم للقرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم لا يعونه بعقولهم، ولا يفقهون مواعظه ونذره، ولا يعلمون أحكامه وحدوده.
وقد بلغ من فرط جهلهم، وقلة توفيقهم أنهم كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)[ 9 ] فقد استحلوا دم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن كان معه من خيار الصحابة والتابعين، هذا فضلًا عن احتقارهم لكبار علماء الصحابة، وزهدهم في علمهم، وظنهم أنهم – على قلة بضاعتهم وضعف عقولهم – أعلم منهم، وأبصر بالأمور، فنعوذ بالله من عمى القلوب، وانطماس البصائر، ولبس الحق بالباطل.
المبحث الأول: في تحريم الاعتداء على النفس
– المطلب الأول: في تحريم اعتداء الإنسان على نفسه
نفس الإنسان ليست ملكًا له، وإنما هي ملك لخالقها وموجدها عز وجل وهي أمانة عند صاحبها، سيسأل عنها يوم القيامة، أحفظها وقام بحقها، أم ضيعها وظلمها، ولم يقم بما يجب لها؟
ولهذا فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، ولا أن يغرر بها في غير مصلحة شرعية، ولا أن يتصرف بشيء من أجزائها إلا بما يعود عليها بالمصلحة، أو يدرأ عنها المفسدة، وليس له أن يُضر بنفسه بحجة أنه يتصرف فيما يخصه، وأنه لم يعتد على غيره، فإن اعتداءه على نفسه كاعتدائه على غيره عند الله تعالى[ 10 ].
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[النساء: 29 – 30 ].
فهذا نهي للمؤمنين أن يقتل بعضهم بعضًا[ 11 ] ونهي للإنسان عن قتل نفسه، سواء كان ذلك بتعمد قتلها مباشرة، أو بفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك، ثم توعّد من يقتل نفسه أو نفس غيره بغير حق بأن يصليه نار جهنم وساءت مصيرًا[ 12 ].
قال القرطبي: “أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضًا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصدٍ منه للقتل: في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدّي إلى التلف… أو في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي”[ 13 ].
وقد احتج بهذه الآية عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أجنب ثم تيمم، وخشي إن اغتسل بالماء أن يهلك من شدة البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأقره على احتجاجه[ 14 ].
وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[لبقرة: 195].
والإلقاء: هو طرح الشيء، والمراد بالأيدي: الأنفس، عبّر بالبعض عن الكل، بناء على أن أكثر أفعال النفس بالأيدي، والتهلكة: مصدر من هلك يهلك هلاكًا وهُلْكًا وتهلكة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك[ 15 ].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: “والإلقاء باليد إلى التهلكة، يرجع إلى أمرين: لترْك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح[ 16 ].
وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل في ذلك أمور كثيرة… ومن ذلك: تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة، أو سفر مخوف، أو محل مَسبَعة، أو حيات، أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطرًا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر، ونحو ذلك، فهذا ونحوه، ممن ألقى بيده إلى التهلكة”[ 17 ].
وجاءت السنة النبوية مؤكدةً لما في القرآن، ومنذرةً بالوعيد الشديد، والعذاب الأليم لمن قتل نفسه.
ففي الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع، فأخذ سكينًا، فحزّ بها يده، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة)[ 18 ].
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأُ[ 19 ]بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًا فقتل نفسه فهو يتحساه[ 20 ]في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبل[ 21 ]فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)[ 22 ]. وفي رواية للبخاري: (الذي يخنُقُ نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعُن نفسه، يطعُنُها[ 23 ]في النار)[ 24 ].
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)[ 25 ]فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة، منها: أنه محمول على من فعل ذلك مستحلًا له بلا تأويل، مع علمه بتحريمه، فإنه يصير باستحلاله لما حرمه الله كافرًا، والكافر مخلد في النار بلا ريب.
ومنها: أنه ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة.
ولكن هذا كما يقول أبو عبيد القاسم بن سلام: “من أفظع ما تُؤوِّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيدًا لا حقيقة له، وهذا يؤول إلى إبطال العقاب، لأنه إن أمكن ذلك في واحد منها كان ممكنًا في العقوبات كلها”[ 26 ].
ومنها: أنه يستحق هذا الجزاء لشناعة جرمه، وهذا جزاؤه لو أراد الله أن يجازيه بما يكافئ جرمه، ولكنه تكرم على عباده الموحدين، فأخبر أنهم يخرجون من النار بتوحيدهم، وأنه لا يُخلِّد في النار من مات موحدًا[ 27 ].
وقد رجّح ابن حجر هذا الجواب الأخير، فقال: ” وأولى ما حمل عليه هذا الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد، أن المعنى المذكور جزاء من فعل ذلك، إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه”[ 28 ].
ويدل لذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48]، فبين أن ما دون الشرك من الكبائر، ومنها القتل بغير حق، لا يخلد صاحبها في النار، بل هو تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء غفر له، وإن شاء عذبه ثم يكون مآله إلى الجنة، ويؤيده حديث عبادة بن الصامت، فإن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن بايعهم على ترك القتل والزنا وغيرهما قال: (فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه[ 29 ] ويؤيده قصة الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم أكمل المائة، ولما هاجر إلى القرية الصالحة، أدركه الموت بين القريتين فقبضته ملائكة الرحمة[ 30 ]. والقصة معلومة مشهورة[ 31 ].
وهذا ما رجحه ابن القيم أيضًا، حيث أورد أقوال العلماء في المسألة ثم قال: “وقالت فرقة سابعة: هذه النصوص وأمثالها مما ذكر، فيه المقتضي للعقوبة، ولا يلزم من وجود مقتضى الحكم وجوده، فإن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه، وغاية هذه النصوص الإعلام بأن كذا سببٌ للعقوبة ومقتضٍ لها، وقد قام الدليل على ذكر الموانع، فبعضها بالإجماع، وبعضها بالنص، فالتوبة مانع بالإجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها، والحسنات العظيمة الماحية مانعة، والمصائب الكبار المكفرة مانعة، وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص، ولا سبيل إلى تعطيل هذه النصوص، فلا بد من إعمال النصوص من الجانبين”[ 32 ].
وقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة[ 33 ]فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له[ 34 ] فقطع بها براجمه[ 35 ]فشخبت يداه[ 36 ]حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئتُه حسنة، ورآه مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: مالي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.
فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ([ 37 ])[ 38 ].
وهذا الحديث يدل على تحريم قتل الإنسان نفسه، وعظم عقوبته في الآخرة، كما يدل على أن من قتل نفسه غير مستحل لذلك، فإنه لا يعد كافرًا، ولذلك بوّب عليه النووي بقوله: “باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر”، ثم قال في شرح الحديث: “فيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة: أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة… وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار”[ 39 ].
وكما لا يجوز إتلاف النفس بالكلية، فلا يجوز إيلامها، أو إتلاف عضو من أعضائها، إلا لمصلحة تربو على مفسدة الإيلام والقطع.
فإن احتاج لقطع عضو من بدنه، أو كيّ جزء منه، أو غرز إبرة فيه، لمصلحة يرجوها لبدنه، أو لدفع مفسدة يخشى منها عليه، فلا حرج في ذلك، لأن مصلحته عائدة لحماية النفس، وهو داخل في باب ارتكاب أخف الضررين، لدفع أعلاهما، أو جلب أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، والله أعلم.
– المطلب الثاني: في تحريم اعتداء الإنسان على غيره
إذا كان اعتداء الإنسان على نفسه بتلك المثابة من التحريم والتغليظ في العقوبة، فإن اعتداءه على غيره أشد تحريمًا، وأعظم إثمًا، وأغلظ عقوبة، وأسوأ عاقبة.
وقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، تحذر من ذلك تحذيرًا شديدًا، وتبين سوء عاقبته، وعظم عقوبة فاعله.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الإسراء: 33]، وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنةً كانت أو معاهدةً إلا بالحق الذي يوجب قتلها(39 ).
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}[النساء: 92]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}[النساء: 93].
فأي وعيد أعظم من هذا الوعيد؟! إنه لوعيد تقشعر منه جلود المؤمنين، وتنخلع من هوله قلوبهم، ويوجد في نفوسهم رادعًا قويا، ووازعًا ذاتيًا، يمنعهم من التعدي على غيرهم، وإزهاق نفوسهم ظلمًا وعدوانًا.
ولا يفهم من التنصيص على المؤمن في الآيتين السابقتين جواز قتل المعصومين من غير المؤمنين، كالذميين والمعاهدين والمستأمنين، ولكنه نص على المؤمن ليبين أن قتله أعظم وأشنع، لأن حقه على أخيه المؤمن أعظم وأكبر.
ولقد قرن الله القتل بغير حق، بالشرك بالله، في غير ما آية في كتابه، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)}الفرقان: 68، 69]، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الأنعام: 151].
قال ابن حزم: “لا ذنب عند الله بعد الشرك أعظم من شيئين، أحدهما: تعمد ترك صلاة فرض حتى يخرج وقتها، والثاني: قتل مؤمن أو مؤمنة عمدًا بغير حق”(40 ). وقال الشافعي: “ولا شيء أعظم منه [يعني القتل بغير حق] بعد الشرك”(41 ).
بل لقد جعل الله قتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعًا، وإحياءها كإحياء الناس جميعًا، فقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: 32].
ففي هذه الآية: تغليظ أمر القتل، والمبالغة الشديدة في الزجر عنه، وتوكيد لحق الحياة الإنسانية، حتى لا يضار فيها أحد بغير حق(42 ). وقوله من (ومن أحياها) فيه الترغيب بالعفو عمن وجب قتله، واستنقاذ المتورطين في الهلكات من غرق أو حرق أو عدو(43 ).
وقد اختلف المفسرون في المراد بهذا التشبيه:
ومن أحسن ما قيل فيه ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال: “وقد أشكل فهم هذا على كثير من الناس، وقال: معلوم أن إثم قاتل مائة، أعظم عند الله من إثم قاتل نفس واحدة، وإنما أُتوه من ظنهم أن التشبيه في مقدار الإثم والعقوبة، واللفظ يدل على هذا. ولا يلزم من تشبيه الشيء بالشيء أخذه بجميع أحكامه.
فإن قيل: ففي أي شيء وقع التشبيه بين قاتل نفس واحدة، وقاتل الناس جميعًا؟ قيل في وجوه متعددة:
أحدها: أن كلًا منهما عاصٍ لله ورسوله مخالف لأمره، متعرض لعقوبته، وكل منهما قد باء بغضب الله ولعنته، واستحقاق الخلود في نار جهنم، وإعداده له عذابًا عظيمًا، وإنما التفاوت في دركات العذاب، فليس إثم من قتل نبيًا أو إمامًا عادلًا أو عالمًا يأمر الناس بالقسط، كإثم من قتل من لا مزية له من آحاد الناس.
الثاني: أنهما سواء، لاستحقاق إزهاق النفس [أي: القتل قصاصًا].
الثالث: أنهما سواء في الجرأة على سفك الدم الحرام، فإن من قتل نفسًا بغير استحقاق، بل لمجرد الفساد في الأرض، أو لأخذ ماله، فإنه يجترئ على قتل كل من ظفر به، وأمكنه قتله، فهو معادٍ للنوع الإنساني.
ومنها: أنه يسمى قاتلًا أو فاسقًا أو ظالمًا أو عاصيًا بقتله واحدًا، كما يسمى كذلك بقتله الناس جميعًا.
ومنها: أنّ الله -سبحانه- جعل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فإذا أتلف القاتل من هذا الجسد عضوًا، فكأنما أتلف سائر الجسد، وآلم جميع أعضائه، فمن آذى مؤمنًا واحدًا، فكأنما آذى جميع المؤمنين، وفي أذى جميع المؤمنين أذى جميع الناس، فإن الله يدافع عن الناس بالمؤمنين الذين بينهم، فإيذاء الخفير، إيذاء المخفور”(44 ).
أما الأحاديث في تحريم القتل، وتبشيع أمره، فهي كثيرة جدًا، ومنها ما يأتي:
1- حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)(45 ).
ففي هذا الحديث تغليظ أمر الدماء، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وذلك لعظم أمرها وشدة خطرها(46 ).
قال ابن حجر: “في الحديث عظم أمر الدم، فإن البداءة إنما تكون بالأهم، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك”(47 ).
2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (لن يزال المؤمن في فُسْحةٍ من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا)(48 ).
والفسحة هي المهلة والسعة، والمعنى: أنه يضيق عليه دينه بسبب الوعيد على من قتل مؤمنًا متعمدًا بغير حق(49 ).
نقل ابن حجر عن ابن العربي قوله: “الفسحة في الدين: سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت، لأنها لا تفي بوزره”(50 ).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلّه”(51 ).
3- حديث البراء بن عازب أن رسول الله قال: (لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق)(52 ).
وفي هذا الحديث تغليظ أمر القتل وتهويل شأنه.
4- قوله (كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا، أو الرجل يموت كافرًا)(53 ).
5- حديث المقداد بن عمرو الكندي وكان ممن شهد بدرًا مع النبي قال: (يا رسول الله أرأيت إن لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله لا تقتله، قال: يا رسول الله، فإنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها، قال: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)(54 ).
ومعنى قوله: (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته) أن دمك مباح بحق القصاص، لأنك قتلت مسلمًا معصومًا ظلمًا وعدوانًا كما كان دمه مباحًا حين كان كافرًا محاربًا للمسلمين، وليس المراد إلحاقه به في الكفر، كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة، وقيل غير ذلك(55 ).
ومن القصص المشهورة التي تدل على شناعة أمر القتل وسوء عاقبته: قصة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، ولنستمع إليه وهو يقول: (بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي فقال لي: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: أقتلته بعد ما قال لا إلا الله؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)(56 ).
فهذا الرجل كان كافرًا يقاتل المسلمين، ولما أيقن أنه مقتول أسلم في الظاهر إسلامًا فيه شبهة بينة، ومع ذلك غلَّظ النبي في قتله تغليظًا شديدًا، وشنع على أسامة هذا التشنيع العظيم، حتى تمنى أسامة أنه فقد حسناته السالفة وسابقته في الدين وأنه سلم من مغبة قتله، وشؤم هذا الذنب وسوء عاقبته، وأنه ما أسلم إلا يومئذ.
ولم يكتف النبي بما ذكر في تعظيم الدماء، وبيان خطرها، بل أكد حرمتها، وغرس في النفوس إجلالها وتعظيمها، بمقارنتها بما أجمع المسلمون على إجلاله وتعظيمه، وهو البلد الحرام والشهر الحرام، وكان ذلك في يوم مشهود، ومكان مبارك، ومجمع عظيم، شهده ما يزيد على مائة ألف مسلم، حين خطب الناس يوم النحر بمنىً في حجة الوداع.
ففي الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله في حجة الوداع: (ألا أي شهر تعلمونه أعظم حُرمة؟ قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا، قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرْمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ثلاثًا؟ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم، قال: ويحكم، أو ويلكم! لا ترجعنّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)(57 ).
بل لقد دلت السنة النبوية على أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلمًا وعدوانًا، جريمة يستحق فاعلها دخول النار.
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله قال: (دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض)(58 )(59 )، وفي رواية لهما: (عذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)(60 ).
فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم، وكيف بالمسلم، وكيف بالتقي الصالح؟!! (61 ) .
ومن تأمل النصوص السابقة وجد أن أكثرها جاءت عامة مطلقة، تشمل جميع المعصومين من المؤمنين والكافرين، وما نُص فيها على المؤمن، فإنما هو لعظم حقه وحرمته، ولا تدل بحال على إباحة قتل الكافر المعصوم بغير حق، ويؤكد لك ذلك أحاديث كثيرة تدل على تحريم قتل الكفار غير المحاربين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، ومنها ما يأتي:
1- عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عن النبي قال: (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عامًا)(62 ).
2- وعن أبي هريرة أن النبي قال: (ألا من قتل نفسًا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا)(63 ).
3- عن أبي بكرة قال: قال رسول الله (من قتل معاهدًا في غير كنهه(64 ) حرم الله عليه الجنة)(65 ) وفي رواية للنسائي: (من قتل نفسًا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها)(66 ).
قال العلامة الشوكاني: “المعاهد: هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة: 6].
وقوله: لم يرح رائحة الجنة، بفتح الأول من يرح، وأصله راح الشيء أي وجد ريحه، ولم يرحه أي: لم يجد ريحه، ورائحة الجنة: نسيمها الطيب، وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدًا الجنة، لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عامًا لم يدخلها.
قوله: فقد أخفر ذمة الله بالخاء والفاء والراء أي: نقض عهده وغدر، والحديثان اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد، لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه منها، وتحريم الجنة عليه، مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها؟”(67 ).
وقد أجمع العلماء قاطبة على تحريم الغدر، ووردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تنهى عن الغدر، وتتوعد فاعله بالخزي والعذاب الأليم(68 ).
وإذا كان هذا الوعيد الشديد في قتل آحاد المعاهدين والذميين والمستأمنين، فكيف بنسف بيوتهم وعماراتهم، وهدمها على رؤوسهم، وقتل من فيها من النساء والصبيان؟ مع أن قتل هؤلاء من الكفار المحاربين حرام لا يجوز بإجماع العلماء إلا لضرورة (69 ). فكيف بنساء المعصومين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين وأطفالهم؟ وهل هذا إلا محادة لله تعالى ولرسوله وغدر في العهود، ونقض للعقود، وارتكاب لجريمة من أكبر الجرائم، ومظلمة من أعظم المظالم؟! مع ما فيها من تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والصد عن سبيل الله القويم، وتنفير الناس من الدخول في دينه الذي أنزله رحمة للعالمين.
المبحث الثاني: في تحريم إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما شرعا لجلب المصالح ودرء المفاسد.
ولهذا فإنهما داخلان تحت قاعدة جليلة مشهورة، تدور عليها جميع أحكام الشريعة، ألا وهي قاعدة “المصالح والمفاسد”(70 ).
فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفوّت مصلحة أكبر من مصلحة القيام بهما، أو يجلب مفسدة أكبر من مفسدة تركهما، كان الأمر والنهي في هذه الحال حرامًا، لأنه يناقض الحكمة التي شرعا من أجلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أعظم الواجبات أو المستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب، والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذمّ الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته، لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرك واجب وفُعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله، وليس عليه هداهم”(71 ).
ثم قال: “وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفُوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورًا به، بل يكون محرّمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص، لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تعوز النصوص من يكون خبيرًا بها وبدلالتها على الأحكام.
وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعًا أو يتركوهما جميعًا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر، بل يُنظر فإن كان المعروف أكثر أُمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر.
ولم يُنه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصدِّ عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب نهي عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرًا بمنكر، وسعيًا في معصية الله ورسوله.
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان، لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المنكر والمعروف متلازمين، وذلك في الأمور المعيّنة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقًا، وينهى عن المنكر مطلقًا.
وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة: يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف، فوات معروف أكبر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه، أو فوات معروف أرجح منه.
وإذا اشتبه الأمر استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونيّة، وإذا تركها كان عاصيًا، فترك الأمر الواجب معصية، وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية، وهذا باب واسع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن هذا الباب: إقرار النبي لعبد الله بن أبيّ وأمثاله من أئمة النفاق والفجور، لما لهم من الأعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمةٌ إزالة معروف أكبر من ذلك بغضب قومه وحميّتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمدًا يقتل أصحابه”(72 ).
وقال ابن القيم: “إن النبي شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم ؟ فقال: (لا، ما أقاموا الصلاة)(73 ) وقال: (من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعنّ يدًا من طاعته)(74 ).
ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها. (75 ) بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت وردّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر(76 ).
ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه.
إنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة.
فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله، كرمي النّشّاب (77 ). وسباق الخيل ونحو ذلك.
وإذا رأيت الفسّاق قد اجتمعوا على لهو ولعب، أو سماع مكاء وتصدية (78 ). فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك، فكان ما هم فيه شاغلًا لهم عن ذلك.
وكما إذا كان الرجل مشتغلًا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها، انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر، فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع(79 ).
وبهذا نعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحرمان إذا تضمنا تفويت مصلحة أكبر، أو جلب فتنة ومفسدة أعظم.
فلا يجوز أن يؤدي الأمر بالمعروف إلى انتفاء معروف أكبر منه، ولا النهي عن المنكر إلى حصول منكر أنكر منه، وعند تزاحم المصالح، نحصّل أعلاها ولو بتفويت أدناها، وعند تزاحم المفاسد ندفع أعلاها ولو بارتكاب أدناها، فنختار خير الخيرين، وندفع شر الشرين.
ومن الأمثلة التي تكشف هذه الحقيقة: من يعمد إلى مجمع سكني أو تجاري، أو دائرة حكومية، أو شركة خاصة، فينسفه بالمتفجرات، ويقتل من بداخله، بحجة أن فيه كفارًا، أو يُعمل فيه شئ من المنكرات، وكمن يعمد إلى محل لبيع الأغاني الماجنة، أو الأفلام الخالعة، فيحرقه أو يفجره، وهو يعلم أن وراءه سلطة تحرسه، وقانونًا يحميه، فينشأ عن ذلك من المفاسد والمناكر أضعاف أضعاف المنكر الذي قام بتغييره.
وكثير من الفتن والأخطاء الفاحشة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما كانت بسبب إهمال هذا الأصل العظيم، وعدم النظر في مآلات الأمور وعواقبها ونهاياتها.
فهذا الأمر مزلة أقدام، ومضلة أفهام، ولا يحسنه ويوفق فيه إلا العلماء العاملون، والعقلاء المجربون، الذين فقهوا الشريعة وعرفوا مقاصدها، وسبروا غور الواقع، وفكروا في عواقب الأمور، فجمعوا في ذلك بين العلم بالشرع، والعلم بالواقع، ومعرفة مآلات الأمور وما تصير إليه.
ومن الأخطاء الكبيرة في هذا الباب: ما نشاهده من بعض الشباب المتحمسين، فإنهم حين يرون المنكرات الكبرى، وكثرتها وشدة انتشارها، وإعلانها والمجاهرة بها، ودعمها وتكريسها من قبل بعض المسئولين والمتنفذين، يشتد غضبهم لله، وتثور عندهم الحمية الدينية، وتغلي دماؤهم في عروقهم، ويعتصر الألم قلوبهم، فلا يطيقون رؤيتها، ولا يرضون بالسكوت عليها، فيهبُّون لتغييرها بالقوة، وربما بشهر السلاح وجمع الأعوان، دون أن يفكروا في عواقب فعلهم، وما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد القريبة والبعيدة، التي تضرّ بهم وبغيرهم، بل وبدينهم الذي ينتسبون إليه، وأعمالهم محسوبة عليه.
نعم، قد يفلح هؤلاء في تغيير منكر صغير، ولكنهم يتسببون في ضياع أنواع من المعروف كثيرة، وفي جلب أنواع من المنكر أعظم بكثير مما أزالوا، فهم كمن يبني قصرًا ويهدم مصرًا.
فلا يجوز استعمال القوة إلا وفق المصلحة والحكمة، وحيث تكون المصلحة في استعمالها ظاهرة، أما أن يتحول التغيير بالقوة إلى اندفاعات عاطفية غير مدروسة، وانفعالات وقتية غير مستبصرة، وحماس أهوج يورط في أعمال تضر ولا تنفع، فليس هذا من المصلحة في شيء، بل مفسدته راجحة، وضرره ظاهر بيّن.
وإن ما يجره مثل هذا العمل من هتك الحرمات، وتكثير المنكرات، والتسبب في إهانة أهل الخير، وتحجيم الدعوة إلى الله، وانحسار مدّها، وغربة أهلها، وربما قتلهم، وانتهاك خصوصياتهم، ونحو ذلك، أعظم بكثير مما أزاله من المنكر.
ومن تسبب في ذلك فإنه مأزور غير مأجور، ولا يغني عنه حسن قصده وسلامة نيته، وإرادته للخير، فكم من مريد للخير لم يبلغه، ولا بد مع سلامة القصد من سلامة العمل، وأن يكون على وفق الشرع، ولا يكون العمل مقبولًا عند الله تعالى يثاب عليه صاحبه حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110](80 ).
والمتأمل في بعض ما يفعله هؤلاء الجهلة المتعجلون، يدرك مدى الأضرار والأخطار، التي تنشأ عن أفعالهم، والتي تلحق الضرر البالغ بهم وبغيرهم، وتجلب على الأمة ألوانًا من الويلات والنكبات، فيتهدم أمنها، وتضعف مكانتها، ويتضرر اقتصادها، وتعمها الفوضى، وتسود فيها الفتن والقلاقل(81 ).
والأدهى من ذلك والأمر: أن يشهروا السلاح، ويسلوا السيوف، لإنكار المنكرات ومنازلة أهل الباطل.
فإن هذا لا يجوز إلا للإمام أو من ينيبه، ولا يستقل به آحاد الرعية لأنه يؤدي إلى إثارة الفتن، وهيجان الفساد، وتهدم الأمن، وكثرة الهرج والمرج (82 ).
قال إمام الحرمين: “ويسوغ لآحاد الرعية: أن يصدّ مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله، ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك، ربط الأمر بالسلطان”(83 ).
وقال أيضا: “وإنما ينهى آحاد الناس عن شهر الأسلحة استبدادًا إذا كان في الزمان وزر قوّام على أهل الإسلام(84 ). ونهينا الرعايا عن الاستقلال بالأنفس من قبيل الاستحثاث على ما هو الأقرب إلى الصلاح، والأدنى إلى النجاح، فإن ما يتولاه السلطان من أمور السياسة أوقع وأنجع، وأدفع للتنافس، وأجمع للشتات، وفي تمليك الرعايا أمور الدماء، وشهر الأسلحة وجوهٌ من الخبل لا ينكره ذوو العقل.
وإذا لم يصادف الناس قوّاما بأمورهم يلوذون به، فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من دفع الفساد، فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن، عمَّ الفساد البلاد والعباد.
وإذا أمروا بالتقاعد في قيام السلطان، كفاهم ذو الأمر المهمات، وأتاها على أقرب الجهات”(85 ).
وقال القاضي عياض: “وإن وجد من يستعين به على ذلك [أي: إنكار المنكر] استعان، ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر”(86 ).
وقال ابن العربي: “فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه، وذلك إنما هو إلى السلطان، لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجًا إلى الفتنة، وآيلًا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”(87 ).
وما يحصل في واقعنا اليوم أصدق شاهد على هذا، فكم سفكت من دماء، وانتهكت من حرمات، وحصل من ظلم واعتداءات، وانتشر من خوف واضطرابات، وتعطلت من مصالح، بسبب شهر السلاح، والافتيات على ولاة الأمر، والإنكار بالقوة؟!! وقد يكون هذا الإنكار لأمور غير منكرة في الواقع، بل هي مما تقرره الشريعة، وتدعو إليه العقول السليمة، وتقتضيه مصلحة الأمة.
فلله در هذه الشريعة ما أحكمها، وما أكثر محاسنها، وما أحفظها لمصالح الناس، وما أدلها على أنها تنزيل من حكيم حميد، يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير!!
خاتمة
وبعد هذا التطواف المبارك في جوانب هذا الموضوع المهم نخلص إلى النتائج التالية:
1- أهمية الأمن، وأنه حاجة إنسانية ملحة، ومطلب فطري لا تستقيم الحياة بدونه، ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع.
2- أن للإسلام منهجه المتفرد في تحقيق الأمن ومكافحة العدوان والعنف.
3- ضلال الخلق على كثرة صوره وأنواعه، وتعدد مظاهره وأشكاله، سواء كان في الأفكار والتصورات، أو الأخلاق والسلوكيات، أو الأعمال والممارسات، يعود في حقيقته إلى سببين رئيسين: الأول: الجهل أو العمى، والثاني: الظلم أو الهوى.
4- لو تأملت في أحوال العاصين المفرطين، والمبتدعة الضالين، والغلاة الجافين، لوجدتهم إنما أتوا من قبل هذين الأمرين أو أحدهما، والجهل أصل الضلالين، وأخطر الشرين.
5- كل علم يتوقف عليه القيام بالواجب أو ترك المحرم، فتعلمه فرض عين على كل مسلم مكلف، أما ما زاد على ذلك من العلوم الشرعية أو الدنيوية التي تحتاجها الأمة، فهذه تعلمها فرض كفاية.
6- لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والفرق واسع والبون شاسع بين العالم البصير والعابد الجاهل، وأسباب ذلك كثيرة ظاهرة.
7- وجوب الحذر من الأئمة المضلين، والجهلة المتعالمين، والمتصدرين للفتوى وليسوا من أهلها.
8- حين حذر النبي من فتنة الخوارج، وأمر بقتلهم، بيَّن أنهم إنما أُتوا من قبل جهلهم، وقلة فقههم، فجنوا على أنفسهم وعلى أمتهم، ولم يشفع لهم حسن نيتهم، وسلامة قصدهم، وكثرة عبادتهم.
9- نفس الإنسان ليست ملكًا له، وإنما هي ملك لخالقها وموجدها وهي أمانة عند صاحبها، ولهذا فلا يجوز له أن يقتل نفسه، ولا أن يغرر بها في غير مصلحة شرعية، ولا أن يتصرف بشيء من أجزائها إلا بما يعود عليها بالمصلحة، أو يدرأ عنها المفسدة.
10- الإلقاء باليد إلى التهلكة، إما أن يكون بترْك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح، وإما أن يكون بفعل ما يوصل إلى تلف النفس أو الروح.
11- النصوص التي فيها تخليد قاتل نفسه، أو غيره ظلمًا وعدوانًا، يقال فيها: إن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه، وغاية هذه النصوص الإعلام بأن كذا سببٌ للعقوبة ومقتضٍ لها، وقد قام الدليل على ذكر الموانع، فبعضها بالإجماع، وبعضها بالنص، فالتوبة مانع بالإجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها، وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص، ولا سبيل إلى تعطيل هذه النصوص، فلا بد من إعمالها كلها.
12- جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، تحذر من القتل بغير حق تحذيرًا شديدًا، وتبين سوء عاقبته، وعظم عقوبة فاعله، وهي عامة في المؤمن والكافر.
13- لا يجوز قتل الكافرين غير المحاربين من المعاهدين والذميين والمستأمنين، بغير حق، وقد وردت نصوص كثيرة تنهى عن قتلهم، وتتوعد من يفعل ذلك بالنكال الشديد، والعذاب الأليم، وعلى ذلك أجمع العلماء، كما أجمعوا على تحريم الغدر، ونقض العهد.
14- إذا كان ذلك الوعيد الشديد في قتل آحاد المعاهدين والذميين والمستأمنين، فكيف بنسف بيوتهم وعماراتهم، وهدمها على رؤوسهم، وقتل من فيها من النساء والصبيان؟ مع أن قتل هؤلاء من الكفار المحاربين حرام لا يجوز بإجماع العلماء إلا لضرورة، فكيف بنساء المعصومين وأطفالهم؟
15- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحرمان إذا تضمنا تفويت مصلحة أكبر، أو جلب فتنة ومفسدة أعظم.
16- لا يجوز لآحاد الرعية إشهار السلاح، لإنكار المنكرات ومنازلة أهل الباطل، فإن هذا من خصائص الإمام أو من ينيبه، ولا يستقل به آحاد الرعية، لأنه يؤدي إلى إثارة الفتن، وهيجان الفساد، وتهدم الأمن، وكثرة الهرج والمرج.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
فهرس الآيات
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها 6
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا 6
اهدنا الصراط المستقيم 6
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين 6
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ 10
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول 12
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 13
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا 16
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 17
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء 20
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق 23
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ 23
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه 23
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله 24
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا 24
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو 24
وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه 31
فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا 40
فهرس الأحاديث
طلب العلم فريضة على كل مسلم 9
من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، 10
إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، 13
سيخرج في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية 14
يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان 15
كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرح، فجزع، فأخذ سكينًا، فحزّ بها يده، 18
من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجّأُ بها في بطنه في نار جهنم 18
في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا 19
فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، 20
لما هاجر النبي إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو. 21
فقصها الطفيل على رسول الله فقال رسول الله (اللهم ولِيَديه فاغفر).). 21
أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء 26
لن يزال المؤمن في فُسْحةٍ من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا 26
لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق 27
كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا، أو الرجل يموت كافرًا 27
يا رسول الله أرأيت إن لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها 27
وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته 28
بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم 28
ألا أي شهر تعلمونه أعظم حُرمة؟ قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ 29
دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض 29
من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عامًا 30
ألا من قتل نفسًا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر ذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة 30
من قتل معاهدًا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة 30
من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعنّ يدًا من طاعته 36
الفهرس
مقدمة 3
تمهيد 6
المبحث الأول في تحريم الاعتداء على النفس 16
المطلب الأول في تحريم اعتداء الإنسان على نفسه 16
المطلب الثاني في تحريم اعتداء الإنسان على غيره 23
المبحث الثاني في تحريم إنكار المنكر إذا كان يستلزم ما هو أنكر منه 33
خاتمة 43
فهرس الآيات 46
فهرس الأحاديث 47
الفهرس 48