بين السياسة والنبوة
بقلم أ. د. أحمد الريسوني
السياسة والعمل السياسي هو أقرب شيء وأشبهه برسالة الأنبياء، بخلاف ما يقوله بعض الفلاسفة من أن الفلسفة هي الأقرب والأشبه برسالة الأنبياء، بجامع طلبهما معا للحقيقة والحكمة… نعم، الفلسفة تبحث عن الحقيقة والحكمة، وهي في ذلك تصيب وتفيد، ولكنها قد تضل وتزل. وأما الدين فهو يحمل حقيقته وحكمته معه، فقط يسعى إلى إقامتها وتفعيلها. والسياسة أيضا تنطلق من حقائق وقيم ومصالح مسلَّمة عند الناس، وتسعى إلى تحقيقها وحفظها وتدبير متطلباتها. فمن هنا كان التلاقي القديم والاشتراك الواسع بين الدين والسياسة، حتى إن عددا من الأنبياء والرسل كانوا في الوقت نفسه قادة سياسيين.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي…).
وقد قرر علماء الإسلام أن “الرسل بعثوا بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها”. ولو سألنا السياسيين لقالوا جميعا: إن هذا بالضبط هو ما نريده ونسعى إليه. ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: “ومن له ذوق في الشريعة واطلاعٌ على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأن الخَلق لا صلاح لهم بدونها البتة، علم أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها”. وقد نقل عن ابن عقيل رحمه الله قوله: “السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي”.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)