مقالاتمقالات مختارة

خادم القرآن الدكتور “حسن المعايرجي”.. سيرة ومسيرة

بقلم د. حمدي أبو سعيد

تمر الأيام والليالي والشهور والأعوام بحُلوها ومُرها وأحداثها ومشكلاتها وآلامها وتعقيداتها الصعبة التي تكاد تعصف بذاكرة الإنسان، وخاصة هذه الأحداث الدراماتيكية التي مرت على بلادنا العربية والإسلامية منذ العام 2011م، وتمر بها حاليا بما فيها من إنجازات أو انكسارات، وبما فيها من حق أبلج ضاع، ومن باطل لجلج يصول ويجول في ربوع بلادنا العربية والإسلامية، وما صاحب ذلك من إجرام وظلم ودماء وطغيان، ومآسي وأهوال ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومع كل هذه الأحوال الصعبة، فإن في حياة الإنسان رجالا من ذوي العلم والفضل والمكانة المرموقة والمواقف الجريئة ممن كانت لهم بصمات واضحة وأعمال جليلة في خدمة الإسلام لا يُمكن للإنسان أن ينساهم أبداً، مع هذه الأحوال والأوضاع الصعبة التي تمر بها أمتنا الإسلامية اليوم، والتي تدع الحليم حيران، وتُفقد كل ذي لُب عقله؛ ومن هؤلاء الأعلام الذي لا يُمكن أن تُنسينا هذه الأحداث الأليمة ذكراهم العطرة أستاذي العالم الجليل رجل العلم والدعوة والقُرآن الأستاذ الدكتور حسن المعايرجي -رحمه الله-.

فقد كان الدكتور المعايرجي من أهل العلم والفضل المعدودين، كان رجلا من أهل الآخرة يعيش بيننا، كان عقله وقلبه وروحه وحياته كلها للإسلام، وللعمل للآخرة، لذا رأيناه يبذل وقته وماله وجهده ونفسه لله جلُ وعلا، لا يبتغي إلا وجه الله والدار الآخرة، كان حُبُّ الإسلام وعِشق القُرآن والغيرة عليه، والعمل لنُصرة الإسلام يجري في عروقه، ويتدفق في دمه، ويسري مع روحه في جميع أجزاء جسده، سواء كان ذلك في مجال تخصصه العلمي البيولوجي أو في مجال خدمة القرآن العظيم، إلى أن لقي ربه -رحمه الله، ونوّر مرقده-.

أُمتنا الإسلامية، أمة عظيمة تزخر بالعظماء المغمورين الذين خدموا الإسلام في مجالات كثيرة عاشوا حياتهم في هُدوء ورحلوا في صمت، لم يعرفهم الكثير من أبناء جيلهم

وقد مرت عشر سنوات كاملة على رحيله، فقدت الأمة فيها رجلا صاحب بصيرة وعقل واع رشيد، وفكر مُستقل سديد، ورأي مُوفق حميد، ورؤية استراتيجية مُنقذة، وعمل دؤوب، وحركة مُستمرة لا تهدأ لخدمة الإسلام، ورفع راية القرآن. عشر سنوات مضت على رحيل أستاذي العلامة خادم القرآن الكريم الأستاذ الدكتور حسن المعايرجي،، وقد تزامنت هذه الذكرى مع مرور واحد وتسعين عاما على ميلاده، أسأل الله العلي القدير أن يتقبله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

عشر سنوات مرت على رحيل أستاذي المعايرجي، ومازالت كلماته -رحمه الله- حية تجوب مجالس ومدارس أهل القرآن وتسري بين المتخصصين في ترجمات تفسير معانيه في كل مكان من أرض الله جلّ وعلا، تتحرك نشطة بين تلاميذه ومُحبيه الراغبين في تبليغ رسالة القرآن العظيم إلى العالمين كافة، تُعلم الأجيال كيف يخدمون كتاب الله جلّ وعلا؟ وما زالت جُهوده المقدرة في السعي لنشر رسالة القرآن، وجمع التفاسير والترجمات القرآنية التي كتبهاا علماء أهل السنة والجماعة الكرام من جميع أرجاء العالم لدراستها وتقويمها وتنقيحها وطباعتها ونشرها تُرشد وتُوجه طلبة القرآن كيف يعملون على نشر نور القرآن العظيم ورسالته بين العالمين.

وما زالت مواقفه الطيبة القوية في فضح مؤامرات القساوسة والرهبان والمستشرقين المنصرين وتعرية افتراءات المندسين بين صفوف المسلمين من الشيعة والقاديانيين على القرآن العظيم مُلهمة لأهل القرآن كيف يُدافعون عن القرآن العظيم؟، وما زالت نداءاته بأهمية تبليغ رسالات الله، من خلال نشر التفاسير الصحيحة للقرآن الكريم بجميع اللغات العالمية الحية إلى الناس كافة تَدْوِي في الآفاق، ومازال شعاره الذي رفعه، وجعله برنامجا ومِنهاجا -((مُصحف لكل إنسان، وتفسير بكل لسان))- يأخذ بالألباب، ويشحذ الهمم والعزائم للتقرب إلى الله -جلّ في عُلاه- بالعمل على خدمة القرآن العظيم، ورفع رايته عالية خفاقة في العالمين، والدفاع عنه بكل السُّبل الإعلامية والقانونية المتاحة، وخدمته وخدمة علومه تعلما وتعليما ودعوة ودفاعا وتبليغا؛ فرحمك الله أستاذي حسن المعايرجي؛ وطبت حيّاً وميتا، وجزاك الله عنا -جميعا- وعن القرآن وأهله خير الجزاء.

إن أُمتنا الإسلامية، أمة عظيمة تزخر بالعظماء المغمورين الذين خدموا الإسلام في مجالات كثيرة عاشوا حياتهم في هُدوء ورحلوا في صمت، لم يعرفهم الكثير من أبناء جيلهم، لانشغال هؤلاء الأعلام بما ينفع أمتهم من مشاريع كبيرة لخدمة القرآن ورسالة الإسلام العظيم؛ بعيدا عن صخب الإعلام وضجيجه وانحيازه وتلميعه للكثير من معدومي الأخلاق والموهبة والعطاء!

والإعلام المنحاز -أبدا- في بلاد المسلمين التي ترزح تحت حكم الديكتاتورية والاستبداد والتسلط والقهر يعمل على شرعنة الجهل والتسطيح والتخلف ونشر الفاحشة والرزيلة والإسفاف وسوء الخلق!؛ ولا يزال يُؤدي دوره القذر في الحرب على دين الأمة وهُويتها، والنيل من ثقافتها ومُقدسها، والحط من قدر ومكانة أعلامها ورموزها، وتشويه تاريخها الإسلامي العظيم، إنه إعلام مصنوع لمحاربة الإسلام، يُقدم النَّكِرات المجهولين، ويحجب عن الشعوب المقهورة المغلوب على أمرها علماءها الراسخين ومُفكريها الصادقين!، ويحتفي بالأغمار من الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات، وغيرهم من الجهلة وأنصاف المتعلمين!

هذا الإعلام المصنوع لتَنْحِية الإسلام وإقصائه لا يعرف إلا أمثال هؤلاء من محدودي العلم والثقافة،، من المطَبِّلِين لأنظمة الفساد والظلم والطُّغيان، وغيرهم ممن يُسموهم بالنجوم، وما أدراكم ما النجوم؟!، أما أرباب العلم والفكر والثقافة والمعرفة على اختلاف فروعها من المسلمين الغيورين على دينهم وأمتهم؛ فليس لهم موطئ قدم في وسائل إعلام الإسفاف والفاحشة والرزيلة المحسوبة على بلاد المسلمين!

ومن هؤلاء العظماء الذين عاشوا في هدوء ورحلوا في صمت، بعيدا عن هذا الصخب وهذا الضجيج؛ أستاذي العلامة الكبير الدكتور حسن المعايرجي -رحمه الله-، والرجل أحسبه من الأتقياء الأخفياء، الذين يُريدون الله والدّار الآخرة، ولا أزكيه على الله. فقد كان يعمل ويسعى ويتحرك في كل مكان لخدمة القرآن العظيم لا يبتغي بذلك أجْراً ولا جزاءً ولاا شُكوراَ، ولا ينتظر كلمة مدح أو ثناء من أحد من الناس، كان يعمل لله والدَّار الآخرة، كان يبتغي الأجر من الله فقط.

والرجل من طراز فريد نادر من الرجال الكبار؛ فقد كان -رحمه الله- نسيج وحده، سديد الرأي، واسع المعرفة والاطلاع، يتمتع بالأخلاق الفاضلة، والأعمال الخَيِّرة، وبالمحبة الصادقة لكل من عرفه، كان رجلا فِطْريا سَمْحا سَهْلا بسيطا، مُستقيما، متين الدين والخلق، يملك الكثير من العلاقات مع المسلمين وغيرهم في مشارق الأرض ومغاربها، يُسخر كل علاقاته ومعارفه لخدمة الإسلام، له قدرة عجيبة على كسب الناس ومحبتهم والتواصل معهم؛ فقد كان كبيرا بكل ما تعنيه الكلمة رحمه الله ورضي عنه.

كان أستاذي حسن المعايرجي مُنَظَّما دقيقا في كل أموره، حريصا على وقته، مُجتهدا لا يعرف الكلل والملل، يعمل بجد واجتهاد وتفان واتقان في تخصصه العلمي

وكان -رحمه الله- باحثا دقيقا في بحثه، وكاتبا أنيقا في كلماته وعباراته، وأديبا رشيقا في حُسن بيانه وصياغة أفكاره، كان صاحب هم وهمَّة عالية في خدمة القرآن العظيم، يجوب الأرض شرقا وغربا بحثا عن ترجمة صحيحة لتفسير القرآن لينشرها، ويُرشد المسلمين إليها، أو ترجمة مُحرَّفَةً صنعها بعض المتعصبين من القساوسة أو المستشرقين الحاقدين، أو الشيعة الجاحدين، أو القاديانية المنحرفين ليُحذر المسلمين منها، كان -رحمه الله- رجلا، والرِّجال من أمثاله قليل!

ومع كثرة انشغالاته وهمومه فقد كانت له حال طيبة مع الله جلّ وعلا من الذكر والاستغفار والصلاة والقيام؛ كان مُتَيَّماً بحب القرآن والعمل للإسلام؛ وهكذا الشأن بأولياء الله المتقين وعباده الصالحين، جعلني الله وإياكم بفضله وكرمه منهم؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وكان أستاذي -رحمه الله- مُنَظَّما دقيقا في كل أموره، حريصا على وقته، مُجتهدا لا يعرف الكلل والملل، يعمل بجد واجتهاد وتفان واتقان في تخصصه العلمي، وفي دراساته حول القرآن العظيم وترجمات تفسيره؛ ارتبط منذ سن مُبكرة بالقرآن العظيم مُدراسةً وحفظاً وفهماً وتدبراً، وراح يعمل في صمت وبدون أي إعلانات أو ضجيج على خدمة كتاب الله العزيز، حيث تفرغ لمشروعه الكبير الذي بذل له كل غال ونفيس من وقته وجهده وصحته وماله وحياته كلها -رحمه الله-، ومع أن المشروع بتفاصيله الدقيقة وطموحه الكبير لم يرى النور في حياته، ولكنه سار سريان النور في الظلمات يخط طريقه بكل ثقة وحُسن ظن بالله وتوكل عليه سبحانه وتعالى؛ كي يخرج للعالمين بأبهى حُلة وأحسن صورة.

كان مشروعه يقوم على أهمية تبليغ القرآن العظيم بجميع اللغات واللهجات العالمية الحية التي يتحدث بها البشر، وتبلغ أكثر من (أربعة آلاف لغة)، إلى الناس كافة؛ -فيا له من طموح كبير، ويا لها من همة عالية في خدمة القرآن والعمل للإسلام! فرحمه الله. ونوَّر مرقده وفي غُرف الجنان أرقده.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى