مقالاتمقالات مختارة

حماس والجهاد الإسلامي.. إدارة الخلافات سر تجاوز الأزمات

حماس والجهاد الإسلامي.. إدارة الخلافات سر تجاوز الأزمات

بقلم أحمد سمير قنيطة

شهدت العلاقة بين حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين خلال العقود الماضية فتراتٍ من المد والجزر، بناءً على تباين الرؤى واختلاف الاجتهادات في عدد من الملفات الداخلية والخارجية، فقد شهدت العلاقة بين الحركتين حالة من الجمود والتراجع بعد أحداث الانقسام الفلسطيني “الحسم العسكري لغزة” عام 2006م، بعدما سيطرت حركة حماس على القطاع، وطردت عصابات التخابر مع العدو وفرق الموت التابعة لفتح والأجهزة الأمنية البائدة التي حاولت تنفيذ انقلاب عسكري على حركة حماس بغزة، بعدما رفضت حركة “فتح” الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية وتسليم السلطة لحماس، حينها اتخذت حركة الجهاد الإسلامي موقفاً حيادياً، رافضةً دعم وتأييد موقف حركة حماس في غزة، بدعوى الوقوف على مسافة واحدة بين طرفي النزاع، برغم ما تتعرض له قيادة حركة الجهاد وكوادرها – شأنها شأن حماس – من ملاحقة وتضييق وإذلال من قبل أجهزة “فتح” الأمنية في الضفة المحتلة.

وعلى النقيض تماماً؛ فقد وصل التنسيق بين الحركتين خلال السنوات القليلة الماضية إلى مستوًى كبير وغير مسبوق من التعاون والتفاهم والانسجام في كثير من القضايا، خاصةً بعد وصول القضية الفلسطينية إلى مأزقٍ خطير إثر فشل ما يُسمى بالحلول السلمية المجحفة، وإعلان الإدارة الأمريكية ما يُسمى بـ “صفقة القرن”، وتنّصل الاحتلال من كافة التزاماته في اتفاق أوسلو المشؤوم، في ظل استمرار العدو بسياسة ابتلاع الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة، وتشديد الحصار على قطاع غزة.

وقد بلغت ذروة هذا التنسيق والتعاون بين “حماس والجهاد” بعد انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار قبل عامين، والتي شجّعت فصائل المقاومة على تدشين جبهة سياسية موحدة مع قوى اليسار الفلسطيني لرفض العقوبات التي يفرضها رئيس السلطة “محمود عباس” على غزة، والاعتراض على استفراده بالقرار الفلسطيني، ومواجهةً صفقة القرن والسياسات الانهزامية التي ينتهجها “عباس” الذي ما زال يلهث خلف وهم المفاوضات والحلول السلمية، فما الذي دفع بالحركتين لتجاوز الخلافات والبحث عن أرضية مشتركة للالتقاء والتفاهم وتنسيق المواقف في ظل وجود نزعات التنافس وخصومة الأقران وأحلام القيادة والتصدر للمشروع الفلسطيني؟؟!

إن من أهم الحقائق التي يجب أن نعلمها بدايةً؛ هي أن ما يَجمَع قوى الثورة والجهاد في بلادنا أكثر بكثير مما يفرقها، لكنها لن تصل إلى ذلك “الاجتماع” إلا إن أسقطت عن عيونها غشاوة المصلحية الضيقة، والتنافسية المذمومة على حساب القضايا الكبرى، حيث أن بعض الخلافات التي تطرأ على العمل العسكري أو السياسي هي خلافات طبيعية ناتجة عن الاختلاف في طرق التفكير ومعالجة القضايا وتقييم الأحداث، فالصحابة رضوان الله عليهم – وهم خير القرون – اختلفوا في العديد من القضايا الفقهية، والتكتيكات العسكرية، والنوازل السياسية.

بناءً على ما سبق يجب أن ندرك جيداً واقع الاختلاف وحقيقته، وأنه سنة الله في عباده الذين خلقهم مختلفين في أشكالهم وألوانهم وعقولهم وطرق تفكيرهم ومستويات فهمهم ” وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”، وأن الخلاف الذي ينتج عن الاختلاف في وجهات النظر وقراءة الأحداث، إنْ أحسنّا إدارته جيداً وتعاملنا معه بحكمةٍ ورويّةٍ، مع تقديم المصلحة العامة للقضية على المصلحة الخاصة الحزبية؛ فإنه لا شك أننا سنجني منه نتائج مبهرة وأفكاراً عظيمة، وسيفتح أمامنا آفاقاً رحبة ننطلق من خلالها لتحقيق أهدافنا في التحرر والاستقلال، وطرد الغزاة المحتلين بأقصر الطرق وأقل التكاليف، فانتهاج منهج الحوار البنّاء والنقاش المثمر لتجاوز الخلافات وتذليل العقبات هو السبيل الوحيد للخروج برأيٍ جماعي تسير عليه الأمة، أما التنافر والتناحر فهو وصفة سحرية للفشل والهزيمة ستجني الشعوب آثاره الكارثية ذلاً وهواناً وقتلاً وتشريدا.

     

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به..

رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

من هنا أدركت حركتي حماس والجهاد الإسلامي خطورة الفشل في إدارة الخلافات البينية، وما سينتج عنه من آثار كارثية توشك أن تقضي على بؤرة النور الوحيدة في فلسطين وخط الدفاع الأخير عن القضية الفلسطينية ألا وهي “غزة”، وفي ظل استمرار الأزمة الداخلية الفلسطينية المتمثلة بالانقسام بين “غزة والضفة”، ومع تضييق الخناق على رقاب الغزيين بمشنقة الحصار، وبعد انتهاج حركة فتح ورئيسها “عباس” لسياسة الحرب الاقتصادية القذرة على غزة، تداعت الحركتان بالإضافة لفصائل اليسار الفلسطيني بعد أن رموا خلف ظهورهم الخلافات الفكرية والخصومات الحزبية والمصالح الفصائلية، لمواجهة هذه الكارثة مجتمعين بتشكيل موقف سياسي وعسكري وجماهيري موحّد لمواجهة للعدوان الصهيوني من جهة، والتصدي لإجراءات (فتح – عباس) المتمثلة بقطع الرواتب عن عشرات الآلاف من الموظفين وعائلات الشهداء والجرحى، والأسرى المحررين وغيرها من العقوبات من جهةٍ أخرى.

نجحت الحركتان وفصائل اليسار بالفعل بتشكيل جبهة سياسية عسكرية موحدة لقيادة مشروع المقاومة والتحرر والخروج به من أعمق وأقسى أزمة مرّت في تاريخ الجهاد والمقاومة الفلسطينية، حين وضع عباس الشعب الغزيّ المحاصر مرغماً في مواجهة أبنائه المجاهدين في فصائل المقاومة؛ تحت ضغط الحاجة للرواتب والدواء والغذاء والحاجات الأساسية الماسة، فكان التوجيه النفسي والمعنوي من عباس للشعب الفلسطيني: إما أن تثوروا على المجاهدين وتُسقطوا مشروع المقاومة وتدوسوا على تضحياتكم كي تحصلوا على راتبكم ودواءكم وقوت عيالكم وحليب أطفالكم، وإما أن تنتظروا مزيداً من الاجراءات العقابية التي ستطال الجوانب الأكثر حيوية إن واصلتم دعم المقاومة واحتضان المجاهدين، ما سيجعل غزة جحيماً لا يُطاق، وبقعةً لا تصلح للحياة الآدمية.

وقد كانت مسيرات العودة وكسر الحصار التي انطلقت بقرار وطني جامع، هي السبيل الوحيد لتوجيه الغضب الشعبي العارم الذي كان مخططاً له أن ينفجر في وجه فصائل المقاومة، إلى الانفجار في وجه الاحتلال الذي هو السبب الأساسي في حالة الحصار التي تعيشه غزة، حيث ترتب على تلك المسيرات الشعبية نتائج مبهرة شكّلت رافعة للقضية الفلسطينية، أهمها تشكيل جبهة سياسية موحدة لمواجهة صفقة القرن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتشكيل غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة للتشاور وتنسيق المواقف بين القوى العسكرية المختلفة.

وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات التي ما زالت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى بين حركتي “حماس والجهاد” كما رأينا في الخلاف الذي وقع على جولة التصعيد الأخيرة على غزة، والتي حاول الاحتلال استغلالها لزرع بذور الشقاق والفتنة بين الحركتين؛ إلا أن الحركتان سرعان ما تجاوزتا هذا الخلاف واستطاعتا تطويقه من خلال التفاهم والتنسيق والحوار الجاد، وهذا ما دعا الجنرال الصهيوني يستحاق بريك للقول أنه: “من الصعب التصديق أن “إسرائيل” قادرة على تطبيق سياسة “فرق تسد” في غزة، والتفريق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي”

إن الإدارة السليمة للخلافات بين القوى والفصائل المجاهدة من خلال تفعيل منهج الشورى وإعلاء قيمة الحوار، واليقين أن التعاون أفضل من التنافس، وأن الآراء المختلفة مع وجود عامل الثقة ستؤدي إلى التبصّر والإبداع، ما من شأنه أن يحقق لكل طرفٍ أهدافه ومصالحه من خلال التعاون والتفاهم مع الطرف الآخر، وهذا ما يسمونه في علم الإدارة والعلاقات الدولية بسياسة “الأطراف الرابحة”، وهذا هو الضامن الوحيد لاستمرارية مشاريعنا الجهادية وثوراتنا التحررية، لتفويت الفرصة على الأعداء الذين لا يألون جهداً في إثارة الفتن والقلاقل بين شركاء الثورة والجهاد، لصرفهم عن معركتهم الكبرى بقتال عدوهم المحتل، إلى الانشغال بمعارك داخلية من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس وتقضي على أحلام الشعوب في الحرية والاستقلال.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى