بقلم شريف محمد جابر
تستخدم الأطروحات العلمانية مغالطة شهيرة في محاولة علمنة الدين وجعله بالقوة شأنًا فرديّا، وهي مغالطة “الاجتزاء”. فكرة هذه المغالطة هي أخذ جانب فردي من الدين وجعله كل الدين، أي جعله هو الدين، وذلك عبر مسارين:
– المسار الأول: يركّز على كون الحساب الأخروي في الإسلام حسابًا فرديّا لا جماعيّا. لكن يغفل العلماني هنا أنّ الدين ليس فقط حسابا أخرويا، بل هو أيضا شريعة فيها جوانب عديدة لا تقوم إلا بالعمل الجماعي، فهي تنظّم أحوال المجتمع والدولة كما تنظّم أحوال الأفراد.
– المسار الثاني: يركّز على كون العلاقة الروحية بين الإنسان والله في الإسلام علاقةً فردية. لكن يغفل العلماني هنا مجدّدا أنّ الدين ليس مجرد علاقة روحية بين الإنسان والله، ولو فتح كتاب الله لوجد عشرات الآيات التي تذكر أحكام القتال والأموال والسوق والأوضاع الاجتماعية والسياسية وغيرها من المسائل الجماعية التي جاء الدين بتشريعات لضبطها.
ويكفي لتبيّن سخافة هذه الفكرة ومدى بعدها عن الإسلام محاولة تخيّل إقامة بعض التكاليف الدينية التي لا خلاف على كونها من الدين من قبل الفرد فقط، يعني تخيّلوا فردا يريد لوحده إقامة هذه التكاليف التي كلّفنا الله بها في كتابه:
– {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. إقامة الصلاة تتضمن إقامة كل ما تحتاجه لإقامتها: كإقامة المساجد، والجُمَع، وصلاة الجماعة. ومن الجميل أنّه حتى في جانب التعبّد، وهو شأن فردي في الأساس وعلاقة بين العبد والربّ، حرص الإسلام على تعزيز البعد الجماعي. والزكاة فريضة تكافلية لا يمكن لفرد أن يقيمها بذاته.
– {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. لا تعليق!
– {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}. لا تعليق!
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. والربا أساسا شأن لا يقوم بفرد، والقضاء عليه ليس جهد أفراد فقط، والخطاب للجماعة.
– {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. لا تعليق!
– {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى? فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى? تَفِيءَ إِلَى? أَمْرِ اللَّهِ ? فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. لا تعليق!
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَىالْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى? بِالْأُنثَى?}. من سيقيم القصاص وعلى مَن؟
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى? أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ? وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}. لا تعليق!
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ? وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. لا تعليق!
فأي فرد هذا الذي يمكنه لوحده إقامة هذه التكاليف الدينية الواردة في الآيات؟! ولاحظوا أن الخطاب في جميع هذه الآيات هو خطاب للجماعة وليس للفرد.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)