العملاق الاقتصادي الإسلامي
بقلم صالح عوض
يعلن مهاتير محمد عن تكتل اقتصادي لخمس دول إسلامية كبيرة، فماذا يعني هذا؟.. أين موقعه من التحديات العالمية والصراع الاقتصادي بين الدول العظمى؟ ما هي ضمانات نجاحه وما هي الأخطار التي تنتظره؟ ما هي دوافعه؟ وكيف يستقبله العالم الغربي؟ وما هي تداعياته على العالم الإسلامي؟ هذه أسئلة وغيرها تطل برأسها أمام دعوة الرئيس الماليزي مهاتير محمد.. وللإجابة عليها لابد من قراءة للجغرافيا السياسية التي تحيط بالدول المدعوة للمؤتمر.. وكذلك لابد من تدبّر سرّ اختيار هذه الدول دون سواها، ولماذا تم استثناء الدول العربية وإيران؟
المشترك والمتكامل:
إذا استثنيا قطر، فمن الواضح أن هناك عوامل مشتركة بين الدول المدعوّة؛ فكلها دول راسخة القِدم في التداول السلمي على السلطة وتتمتع بقسط كبير من حرية العمل السياسي والمكفول بالانتخابات الديمقراطية ووجود قوى معارضة قوية في كل منها.. وكل هذه الدول تقيم علاقات طبيعية مع الغرب ولكن دون صراع مع الصين وروسيا.. وتتمتع هذه الدول باقتصاد يشهد نموا مضطردا وتمثل هذه الكتلة ما يقارب نصف عدد المسلمين في المعمورة “750 مليون نسمة”.. وهي دول إسلامية يتميز كل منها بلون خاص من القوة، فباكستان قوة نووية وعسكرية وصناعية يحتل اقتصادُها المركزَ الرابع والعشرين كأكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوى الشرائية، ويحتلّ المركزَ الثاني والأربعين من حيث كِبر الناتج المحلي الإجمالي الصوري، وتركيا قوة عسكرية وجيوسياسية واقتصادية يُعرف اقتصادُها كسوق ناشئة من قبل صندوق النقد الدولي ومتطورة بشكل كبير، وهي من بين أبرز المنتجين للمنتجات الزراعية في العالم، والمنسوجات، والسيارات والسفن وغيرها من مُعدَّات النقل، ومواد البناء، والالكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية..
وإندونيسيا قوة بشرية وصناعية وهي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا وواحد من اقتصادات الدول الناشئة في العالم، وهي عضوٌ في مجموعة العشرين وتُصنف على أنها دولة صناعية جديدة، وتُعتبر الدولة ذات الترتيب السادس عشر في قائمة الدول المصنفة حسب الناتج الإجمالي المحلي والدولة السابعة في تكافؤ القوة الشرائية.
وماليزيا قوة تكنولوجية واقتصادها ثالث أكبر اقتصاديات منطقة جنوب شرق آسيا بعد إندونيسيا الأكثر سكانًا وتايلاند والـ29 في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية مع الناتج المحلي الإجمالي البالغ 492.4 مليار دولار..
وبالنظر إلى اقتصاديات هذه الدول نستطيع رصد الكتلة المالية الضخمة لها والسوق الكبيرة وإمكانات التكامل الصناعي والتجاري، ما يعني إمكانية ميلاد قطب اقتصادي عالمي يستطيع إعادة رسم خارطة التنافس الدولي وصيغة شروط جديدة على النظام الاقتصادي العالمي.
الخريطة السياسية الراهنة:
تحيط بكل دولة من هذه الدول تحديات جيوسياسية تجعل التوترَ سمةً مستمرة في العلاقات الإقليمية؛ فتركيا التي تقف في متلاطم الموج بين غرب يرى في وجودها الاضطرار المرغوب، وفي شرق يرى أنها إمكانية تعديل موازين القوى بينه والغرب الرأسمالي.. وهي في هذا تصارع التلاطم وتدفع أثمانا باهظة.. وهي تسعى بدأب للاستفادة من وجودها في الناتو بفرض نفسها دولة إقليمية فاعلة وراسمة للخريطة السياسية، الأمر الذي فتح عليها جبهاتٍ عدة ودفعها إلى الانخراط في مهمات سياسية لم تكن كلها سليمة العواقب ولا صحيحة الاتجاه ومثال سورية صارخٌ في المشهد..
وباكستان التي تربَّعت على مقعدها باقتدار في صناعة النووي والترسانة العسكرية إذ شهد مجال التصنيع الحربي تطورا فائقا مستفيدة من خبرات عسكرية لدول صديقة لها كالصين، إلا أن باكستان تعاني من أزمة صراع تاريخي مع الهند في ملفات قديمة ومعاصِرة كملف بنغلادش وكشمير وسواها، الأمر الذي أحدث نوعا من التسابق العسكري والاستنفار الدائم، وكان عاملا كبيرا في استنزاف ثروات البلاد..
واندونيسيا حيث صناعة السفن والشركات العملاقة والاقتصاد المضطرد نموا ومحاولة دخول سوق العمل والتي تعاني من بُعد المكان والاستغراق في الأرخبيل بعيدا عن مفاعيل النفوذ في الحوض الإسلامي الأساسي..
وماليزيا البلد الأسيوي الذي مثل رأس النمور الأسيوية في القفزة التكنولوجية العملاقة والاقتصاد المزدهر، لكن الذي لا يملك من السوق ما يكفيه فسوقه محدَّد من قبل السياسات الدولية والتكتلات الاقتصادية العالمية.. وهنا يمكن إضافة البلد الخامس وهو قطر بما تملك من ثروة وقدرة مالية يمكن لها الاستثمارُ في مشاريع التكتل الاقتصادي الإسلامي، وهي البلد العربي الوحيد المشارِك في هذا التكتل.
تحدياتٌ اقتصادية دولية:
بلا شك، يمثّل المسلمون السوق الأكبر في العالم والجغرافيا الحساسة بين القارات التاريخية وتدور على أرضهم أو بجوارها صراعات النفوذ بين القوى العظمى وفي موقفهم إضافة أساسية لرجحان ميزان القوى لصالح هذا القطب أو ذاك.. من هنا كان التركيز على تفتيتهم أمرا حيويا لكي لا يتحولوا فيما بعد إلى قطب اقتصادي جديد. هذا من جهة، كما أن الاقتصاد اليوم ليس فقط كتلا مالية وثروات طبيعية، بل هو صناعة بأنواعها وتكنولوجيا وخدمات تكنولوجية تقدَّم في مجالها الغرب تقدما مذهلا وحرم المسلمين من أسرارها، وفي هذا يبدو وجود تكتل اقتصادي إسلامي عبارة عن فتح أبواب معركة اقتصادية تكنولوجية مع الغرب..
لكن من جهة أخرى هناك الصين وروسيا اللتين يمكن أن تمثلا جسر عبور للخروج من الارتهان للشروط الأمريكية والاقتصاد الغربي جملة.. وقد تجد الصين في مثل هذا التكتل فرصة لحمايتها وتخفيف التهديد الأمريكي المتلاحق ضدها رغم ما يمكن أن يشكل لها هذا القطب الاقتصادي من تحدي بأنه سيمتلك سوقا كبيرا باشتراطات جديدة لصالحه.. وهنا تُفتح أبواب الاحتمالات جميعا.. لكن بلا شك ستجد كل دولة من دول التكتل الاقتصادي الإسلامي فرصة لها في حماية اقتصادها وعدم ارتهانه للقرار الأمريكي ويمكن لكل دولة من هذه الدول أن تتحرر من شروط التحالف المجحفة مع الإدارات الغربية أو الأمريكية.
سؤال بلا جواب:
لماذا لم يتم إشراك دول عربية في التكتل؟ هل غياب الاستقرار السياسي هو السبب؟ أم أن هناك محاولة للابتعاد عن الصراعات السياسية التي تشغل البلدان العربية؟ أم أن الباب يكون مفتوحا لالتحاق بلدان عربية وازنة..؟ إن العرب بحاجة إلى تكتل اقتصادي يحررهم من التبعية المُذلة للغرب، وأيضا إن هذا التكتل يحتاج إلى المنطقة العربية لأكثر من سبب ولن يكون له وزنٌ عالمي من دون جعل الدائرة العربية في مركزه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)