بقلم عصام الرفاعي
لا أجد تتبع سقطات الناس شيئا ممتعا أبدا، ولدي تصور دائم عن أن ما يثار غالبا في الإعلام بعامة ووسائل ،التواصل الاجتماعي خاصة هو حركة لإشهار شخص ما وأحيانا للتشهير به لأسباب متنوعة ربما أكثرها الخلاف الفكري والسياسي. عدنان إبراهيم ممن ناله نصيب من كل منهما ولو أني أرى الكارهين الحاملين عليه أكثر. والسبب الرئيسي للحملة عليه فيما سبق ناتجة عن الخلاف الفقهي بالدرجة الأولى، حيث سلط الضوء في خطبه على بعض القضايا المثيرة للجدل -إسلامياً- كالفنون وقضايا تخص النساء والصوفية والوهابية وإيران والشيعة، إضافة لقضايا تاريخية، فقد تناولها بطريقة مستفزة للخصوم فيها الكثير من الاستهزاء وأحيانا الشتيمة لهم وانتشرت هذه المقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، فروّج لها البعض بداعي الانتقام من الخصوم، كما ساهم الخصوم بذلك بحجة كشف الشيعي أو الضالّ أو الصوفي عدنان إبراهيم.
موقفه من الثورات العربية
حقيقة موقفه الأول المتعاطف مع الشعوب ضد فساد الحكام والمؤيد للثورات العربية كان متسقاً مع خطه الفكري العام الذي شقه دفاعاً عن المظلومين ضد الظلمة وعن المستضعفين ضد الطغاة وعن الشعوب ضد تسلط الحكام، ولكني في خطبته التي رثى فيها الشيخ البوطي أحسست أنه يرى في هذا رأياً مغايراً لقناعاته التي أعلنها وقاتل في سبيلها، ومختلفاً عن الرؤية الثورية الأولى بخلفياتها المتنوعة والتي بغالبها خرجت بالثورة على الأنظمة ضد ديكتاتوريتها واستبدادها والظلم والفساد المستشري فيها، ولم تخرج لخلاف سياسي أو مبدأ تكفيري، فصراعنا مع الأنظمة العربية صراع تحرر من السلطة المطلقة المستبدة التي تصادر كل الآراء المخالفة لها على الأقل -عداك عما تفعله بأصحابها- لا صراع تحقيق مشروع سياسي ضد آخر.
فقد رأى -في الخطبة المشار لها- أن مجرد الخلاف السياسي لا يبيح للثوار قتل رجل “صالح” كالبوطي، طبعاً لست بمعرض الدفاع عن قتلة الشيخ، ولكني رأيت عدنان إبراهيم -من قبل- يكسر أصنام المستبدين على مدار التاريخ بشجاعة نادرة، لم يتجرأ إلا القليل من العلماء على البوح بأخطاء رموز تاريخية، بل وتجاوز هذا الخط المتقدم إلى لعن البعض منهم وشتمهم لأخطاء شنيعة ارتكبوها باسم الاستبداد المرفوض دينياً، ثم يعتبر -في خطبة رثاء البوطي هذه- الاستبداد والدفاع عنه في حاضرنا قضية خلاف سياسي!، رغم أن الاستبداد التاريخي الذي يرفضه لا يقارن بأي حال مع استبداد الدولة الحديثة التي تتحكم بالأفكار بل وخطرات الأنفس عداك عن الحركة التجارية والمالية والتوجهات الاقتصادية والفكرية..
موقفه الجديد والنضج السياسي
ربما لم أصدم شخصيا بموقفه الذي أعلنه صراحة -بما لا يحتمل أي تأويل- في لقاءه الأخير مع قناة خليجية ترويجاً لبرنامجه في رمضان القادم (صحوة 3)، والذي تراجع فيه عن موقفه الداعم للثورات العربية والتي وجدها – حسب قوله – مؤامرات خارجية، وهو الموقف الجديد القديم للسعودية والإمارات ولم يتورع عن التغزل بهما ولم يخف لقاءاته المتكررة مع المسؤولين الرسميين، بل وتنصل من دفاعه الطويل عن إيران والشيعة، بحجة أنه كان ساذجاً سياسياً.
يبدو أن مرحلة النضج السياسي -وهي عكس السذاجة- تحمل عداء أصيلاً واضحاً لكل ما هو معادٍ للتوجهات بعض الدول والحكومات العربية، وعلى رأسها كل قضية تحرر سياسي أو عداء للاستبداد في المنطقة، فطاعة الحاكم من طاعة الله (فهو الحاكم بأمر الله)، ولو ضرب ظهرك وهتك عرضك (الحديث الذي كان يرفضه من قبل عدنان إبراهيم ويعتبره مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالثورة حرام حرام في بلادهم وبلاد حلفائهم، أما الثورة في غيرها فهي واجبة ضد المستبدين المعادين للدول الديمقراطية.
التخلي عن المبادئ
أحب أن أشير قبل الختام أن ما كان يروج له -بالعموم- عدنان إبراهيم من أفكار هي في غالبها مما هو جدلي ومشهور في الفقه الإسلامي القديم منه والمعاصر، فكثير من فتاواه وآرئه هي مستقاة من فتاوى د. القرضاوي والشيخ محمد الغزالي و د.طه جابر العلواني ود. حسن الترابي وغيرهم من الفقهاء المعاصرين، ولكنه عرضها بطريقة مستفزة تحمل الكثير من الاستهزاء بالمعارضين والمخالفين، ولذا ووجهت هذه المواجهة الشرسة وخصوصاً من بعض السلفيين الذين حملوا سابقاً وبشكل قاسٍ على الأسماء السابقة نفسها، ولكن كان هذا قبل عصر التواصل الاجتماعي، ورغم ذلك تستطيع الآن بوضع صفة قبيحة قبل أي من الأسماء السابقة لتعرض لك مواقع البحث مئات وربما آلاف العناوين المسفة عنهم، إضافة لقيامه في بعض الأحيان بالرد على المعادين له مما أحمى الوطيس في هذه المعارك وزاد في شيوع اسمه وكثرة الجدل حول آرائه.
لذا -لما سبق بيانه- لا أعتقد كما يعتقد كثيرون غيري أن مشكلة عدنان إبراهيم كما يصفونها خلاف منهجي بسبب آراءه الفقهية، بل أراه خلاف منهجي بسبب دفاعه عن الاستبداد والظلم الذي يتعارض مع مبادئ الإسلام الذي جاء لتحرير البشر من الاستعباد، وهل هناك استعباد أكثر من حكم مستبد لا يجيز لأحد أن يسأله عما يفعل -عداك عن أن يحاسبه- وهو يسأل الناس ويعاقبهم، في بلد لا قانون فيها إلا على الورق ولا يسري إلا على المستضعفين ولا قضاء فيها إلا لينطق بالحكم على المعارضين، ولا حرية رأي فيها إلا باختيار أوقات الطعام والشراب. ربما ما بدأ يلوح من تناقض سابق في مواقفه -كما بينت في موقفه من البوطي والثورة- واعتباره الخلاف حول الثورة خلاف سياسي هو ما مهد طريق القبول به منشقا عن صف الأحرار لصالح صف الطغاة، ومن صف المنادين بالديمقراطية (التي يعيش تحت ظلها في أوربا) للدفاع عن كبار الديكتاتوريين الذين يتلاعبون بالدين لتحقيق مصالحهم.
ختاماً أذكر أنه كان يؤكد لمتابعيه بأنه من القوالين بالحق المدافعين عنه سواء رضي بهذا جمهورهم أم سخط ويؤكد أنه ليس من زمرة “علماء ما يطلبه الجمهور” -كما يصفهم-، ولكنه أضحى -بنظري- أسوأ من هؤلاء فقد أصبح -للأسف- من علماء ما يطلبه السلطان كشيخه الحبيب إلى قلبه البوطي.
________________________________________________________________________________________
________________________________________________________________________________________
هوامش:
(1) فقد مدح الثائر جيفارا وقارن أخلاقياته المميزة بتخليه عن حياة الراحة لنصرة المظلومين بأخلاقيات رجال الدين الذين يدافعون عن الظلمة.
(1) فقد مدح الثائر جيفارا وقارن أخلاقياته المميزة بتخليه عن حياة الراحة لنصرة المظلومين بأخلاقيات رجال الدين الذين يدافعون عن الظلمة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)