مقالاتمقالات مختارة

الفتوحات الإسلامية بين معركتين

بقلم د. عز الدين الورداني

ما بين الشرق والغرب انطلقت جيوش الحضارة الإسلامية لنشر العدل وتحقيق المساواة بين الحكام والمحكومين ، ورفع الظلم عن شعوب رزحت تحت وطأة حكم ثقيل قاس لحكام محليين أو أجانب من فرس ورومان وقوط . كانت الجيوش الإسلامية ترفع راية حرية العقيدة ولا تجبر شعوب تلك المناطق على اعتناق الإسلام وما كانت الأمم والأفراد تتحول إلى الإسلام إلا طواعية قناعة بسلوك الفاتحين وبعقيدتهم ، بل كان الأمر يستغرق عدة قرون حتى تعتنق شعوب البلدان المفتوحة الإسلام ، فقد كان التحول الكبير للأتراك إلى الإسلام في عهد موسى بن ستوق بوغراخان حاكم الدولة القراخانية عام 394هـ ـ 960م      بعد ما يقرب من (300) عام من بداية الفتوحات الإسلامية الكبيرة لبلاد الأتراك التى تعرف ببلاد ما وراء النهر .

واستغرق الأمر في مصر ـ القريبة من مركز الحضارة الإسلامية ـ من ثلاثة إلى أربعة قرون لاعتناق الإسلام والتحول لاستخدام اللغة العربية فى أوساط عامة الشعب المصرى ، في دلالة واضحة على مدى سماحة الإسلام وأن الإكراه على اعتناق الإسلام لم يكن ضمن أهداف الفتوحات الإسلامية .

ومن المعارك الحاسمة في تاريخ العالم وتاريخ الحضارة الإسلامية :-

1- معركة تالاس 751م – 134هـ

والتي وقعت في بداية نشأة الدولة العباسية حين استغاث ابن أمير إقليم الشاس في وسط آسيا بالمسلمين من هجوم قوات الصين على أراضي الأتراك فأرسل له أبو مسلم الخراساني جيشا بقيادة زياد بن صالح الخزاعي،  والتقى الطرفان جيش الإمبراطورية الصينية مع جيش المسلمين المتحالف مع الأتراك فى تالاس ( طراز الحالية بقازاقستان) حيث لقي الصينيون هزيمة ساحقة جعلتهم يتقوقعون خلف سورهم العظيم في الشمال نحو 1008 سنة ولا يفكرون في مهاجمة أراضي الأتراك ، وقدرت أعداد الضحايا من الصينيين بنحو 50 ألف قتيل و 20 ألف أسير ، والغريب أن حركة الفتوحات الإسلامية في الشرق قد توقفت بعد أن انفتح لها الطريق بإزاحة أكبر قوة في المنطقة وهي الإمبراطورية الصينية ، وقد حسمت هذه المعركة مسألة إلى أي الحضارات ستنتمي مناطق وسط آسيا والتي آلت في النهاية لصالح الحضارة والدين الإسلامي.وكانت تلك المعركة من أكثر المعارك حسما فى تاريخ العالم كما يقول المستشرق  الروسى الشهير بارتولد .

ورغم توقف الجيوش الإسلامية عند هذه الحدود إلا أن الإسلام انتشر جغرافيا إلى أبعد من تلك المناطق بكثير، عبر العلاقات التجارية وترحال المسلمين واحتكاكهم بالشعوب الأخرى وضربهم المثل العليا في الصدق والأمانة والإخلاص التي بهرت الكثير من الناس فأقبلوا على اعتناق الإسلام أفرادا وأمما ، فانتشر الإسلام في إندونيسيا ، ماليزيا والفلبين وأراكان ( في بورما ) الحالية وغير ذلك من المناطق.

2- معركة بلاط الشهداء ( بواتيية )114هـ ـ 732 م.

 فتح المسلمون الأندلس منذ عام 92هـ ـ 711 م في عهد الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، وكانت بلاد الأندلس ( إسبانيا والبرتغال ) تحت حكم القوط البرابرة الذين خلفوا الرومان في حكم إسبانيا بعد استيلائهم على أملاك الدولة الرومانية الغربية فى غرب أوروبا ؛ وقد عانى الشعب الإسباني تحت حكمهم من الظلم والعبودية واستنزاف ثرواته وكده وعرقه ، بل لقد جرد الكثير منهم من أملاكه تحت وطأة الضرائب الثقيلة المدفوعة للقوط ، وصاروا رقيقا لملاك الأرض الجدد من القوط ولم يكن أحدهم يستطيع الزواج إلا بإذن سيده.

فتح القوط إسبانيا في القرن الخامس الميلادي وحرقوا المدن وسبوا النساء وفعلوا ما فعلوا وظلوا بها حتى بداية القرن الثامن الميلادي حتى فتحها المسلمون عام 711م حيث اتخذوا من أهلها مستشارين لهم وتركوا لهم الحرية الدينية وحرية التقاضي وخفضوا الضرائب والجزية التي فرضها القوط عليهم ، كما أقروهم على أملاكهم وأراضيهم وقضوا على المنظومة الإقطاعية والاستعبادية التي سار عليها القوط .

ولذا رحب الإسبان بالفاتحين الجدد واستقر للمسلمين الأمر سريعا في الأندلس إلا من مناوشات بقايا القوط في الشمال .

أراد المسلمون إخماد انشقاق أحد القادة المتحالف مع الفرنجة ثم السير غرباً والتوغل في بلاد الغال ( فرنسا ) حتى الوصول إلى عاصمة الروم بعد اجتياز غرب أوروبا .

في عهد عبد الرحمن عبد الله الغافقي حاكم الأندلس من قبل الدولة الأموية تمكن من إخماد التمرد ، ثم حاول التوجه لقلب أوروبا وفتح بلاد الغال فاستولى على ناربون  وبوردو جنوب فرنسا، وأصبحت قوات المسلمين على بعد (70كم) من باريس ، وبعد اجتيازه بواتيية قابل شارل مارتل ملك الفرنجة في بلاد الغال فدارت المعركة عام 732م لمدة سبعة أيام وكانت معركة شديدة أبلى فيها الطرفان بلاءا حسنا وأسفرت في نهايتها عن هزيمة جيش المسلمين ومقتل قائده عبد الرحمن الغافقي ونحو (10آلاف) من المسلمين ،ونحو(20ألف) من الفرنجة . ومن ثم توقفت حركة الفتوحات الإسلامية المتجهة إلى وسط أوروبا عقب هذه المعركة التي انكسر فيها المسلمون.

ومن ثم تعد معركتا بواتييه أو بلاط الشهداء لكثرة من قتل فيها من المسلمين ، ومعركة تالاس من أكثر المعارك حسما وتأثيراً في حركة التاريخ بحسب تداعياتهما المستقبلية وأثرهما العالمي على انتشار الحضارة والدين الإسلامي وتشكيل المسلمين لخريطة العالم السياسية بين نصر توقف ولم يتم استثمار نتائجه، وهزيمة اضطرتهم للتوقف.

(المصدر: تركستان تايمز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى