مقالاتمقالات مختارة

شباب الحركة الإسلامية.. بين التطرف والعدمية

بقلم أحمد الأزهري

“فقد باء بها أحدهما”، هكذا كان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التكفير. لردع كلمة الكفر وتحجيمها على لسان مستخدميها بالرغم من عدم نفيها على من وجبت شروط الكفر عليه ووجب شروط تولي القاضي الذي يحكم بالتكفير من عدمه.

عواصف التطرف العربي

عَلَّمَ التاريخ قارئيه أن الثورات لا تنجح إلا قليلا وفي الغالب تفشل إما بانقلاب عسكري متكرر على ظهر دبابةٍ أو بقيام مجموعات متمردة حاملة السلاح في يد والأخرى تحمل أفكارًا أيديولوجية عقدية أو طائفية أو عرقية تطالب بالاستقلال وتقسيم البلاد فتقوم الحروب في الأرض وتفشل الثورة وسرعان ما تتدخل قوى غربية ظاهريًا لإنقاذ الشعوب وتعميم السلام أما باطنيًا فتلعب المصالح دورها.

والثوراتُ الربيعية جميعها قد فشلت، مصر انقلاب عسكري كغيره على مر التاريخ، سوريا والنزاع الفصائلي الداخلي على الأرض والحكم والخارجي الغربي على الثروات وتعزيز الوجود. أما اليمن فحالها كحال سوريا مع تعداد خراب وقتل أقل، وليبيا شبيهة بهما إلا في أطراف النزاع الداخلي والخارجي. وتونس رجعت للعهد الفلولي وانبطحت الحركة الإسلامية فيها للإعصار العلماني المتزايد.

بات شباب الربيع العربي ولا سيما الإسلامي منه تائهًا حائرًا. ماذا يفعل؟ وهو يرى أحلامه تتبخر من أمامه صاعدة إلى حلم قد سبق ضياعه! حلم الدولة الإسلامية والخلافة وأستاذية العالم قد استحال تحقيقه. فكيف انحنى عقل الشباب لأعَاصير التطرف؟ وما العوامل التي أدت إلى ذلك؟

كل شيء فُقِدَ. الحلم بات مسروقًا في ليلة ضياع الثورة أما الدين فضعيف يقوى عليه ضعيف الإيمان، الهوية لا مكان لها والوطن سجن والنظام سجان، والأحباب قد فارقونا

في سجن “بورسعيد العمومي” حيث كنا نقبع، وفي إحدى الأيام امتنع شاب عن الخروج لرؤية أهله، وبدأ الناس يلتفون من حوله لإقناعه بالخروج.. حتى خرج وقام بالكلام مع أهله رغما عنه. والسبب في هذا اعتقاد الشاب باعتزال أهله لأنهم جاهلون، يحكي أحد الجالسين معه في زنزانته، أنه عندما دخل السجن كان شابًا وسطيًا في أفكاره يقرأ القرآن ويصلي ويأكل ويشرب معهم ويمزح نهارا ويتسامرا ليلا مع الجالسين إلا أن تَحولت أفكاره وأُدلجت في انعزالية تامة عنهم، بعد أن استقطبه أحد شيوخ جماعة “التكفير” ودس في عقله منهجية كاملة يتعامل بها مع الأسرة والمجتمع والحاكم “الطاغوت” أي البراء منهم جميعا واعتزالهم لأنهم يعيشون في جاهلية تامة تشابهت مع جاهلية أعداء دعوة رسول الله في مكة. بل أصبح وأمسى الشاب وسط اعتقادات بإن المجتمع يشرك شهوته ومتطلباته الدنيوية في ألوهية الله عز وجل. وكان الحل الأمثل له هو اعتزال الناس في زنزانته.

قد شاهدت كثيرًا من الشباب أصحاب الوسطية المنتمون لتيارات وسطية كالإخوان المسلمين “نموذجا”، وهم يفرون من وسطيتهم في أحضان مستقطب تكفيري على الأغلب ينتمي ذلك المستقطب إلى تنظيم الدولة الإسلامية. “داعش” وطالما اشتدت الخلاف حول مفهوم الدولة والشريعة والشورى والديمقراطية والتكفير من عدمه!

ويرجع ذلك الانحراف إلى عدة أسباب منها:
* ضعف المخزون العقدي والفكري والمعرفي لدى منتمي تيار الوسط عن وسطية الإسلام وفهم واقع القرآن والسنة الصحيح وتطبيقه الحركي على أرض الواقع. لذا يتم الاستقطاب بسهولة تامة لوجود فراغ فكري في عقل الشاب.

* شعلة العاطفة المشتعلة عند الشباب في حب الجهاد والفتوحات الإسلامية التي قرأها ودرسها وتأثر بها.

* حب الثأر فالعين بالعين والسن بالسن، لاسيما الشباب التي تعرضوا إلى جولات تعذيبية أليمة من كهرباء وانتهاك العرض إلى آخره.

من اليأس إلى العدمية

كل شيء فُقِدَ. الحلم بات مسروقًا في ليلة ضياع الثورة أما الدين فضعيف يقوى عليه ضعيف الإيمان، الهوية لا مكان لها والوطن سجن والنظام سجان، والأحباب قد فارقونا. هكذا صارت نظرة الشباب العربي للحياة، بلا قيمة ولا جدوى عديمة المعنى والقيمة والهدف، نخلق فنعيش ثم نموت.

بعض الشباب العربي لاسيما الإسلامي منه أصبحت نظرتهم عدمية لكل شيء حولهم، بل يعيشون بلا هدف. ونتج ذلك عن الصدمة التي لاقوها بعد فشل الثورات وتزييف الجماعات للواقع وسذاجة القادة وتخبط لواقع الظالم المرير التي واجهوه من سجن وتعذيب وقتل وهجرة ونزوح ولجوء.

على الجماعات الوسطية في العالم العربي والإسلامي أن يوحدوا صفوفهم من جديد بلا خلافات تزيد من ضعفهم

ولو نظرنا بين العدمي أي “المتجه للإلحاد” والمتطرف فنجدهم يتخللهم الخداع فيما كانوا ينتمون من قبل والفراغ الفكري الملاحق لهم في كل مكان، فكانوا بذرة ناضجة لاستقطاب أي فكر أو اتجاه اجتماعي معين لينضموا إليه من جديد. وبالمعنى الأصح يمكن أن نقول “متطرفون اليوم هم ملحدون لغد”.

ولكن اكتشاف المرض وحده يكفي!، أم البحث عن علاج ووقاية له. أرى أن الوسطية يمكنها أن تعود من جديد ولكن بشكل صحيح يبعد كل البعد عن الطاعة العمياء والثقة الباهظة في شخص أو جماعة بعينها. بل التقرب كل التقرب من القرآن والسنة. وفهمهما ودراسة مواقفهما بشكل صحيح واقعي لا أسطوري. أتذكر أني قد سألت شابا قبع معي في الزنزانة. فقلت له: لماذا لا ندرس الفتنة الكبرى؟ أي فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما. لنرى الحق ونزداد إدراكًا للواقع. فكان جوابه:
لا ندرسها حتى لا نفتن.

فهكذا تعلم أن الفتنة من يدرسها فُتن بها ولكن هي ما حدثت إلا لنتعلم منها وَنتفقه في ديننا أكثر وأكثر من خلاله. فعلى الجماعات الوسطية في العالم العربي والإسلامي أن يوحدوا صفوفهم من جديد بلا خلافات تزيد من ضعفهم، وأن تقود تلك الجماعات عقول شابة واعية مهنية مدركة لوقائع الأزمات والأمور لا مستبشرة بالنصر دون عمل. وأن ينقذوا شبابا انخرطوا تحت دائرة التطرف باسم الدين والعدمية بِعُرف العقل. والتعلم والفهم ثم الإدراك فَسرعة العمل والإخلاص، فمن هنا يأتي النصر.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى