مقالاتمقالات مختارة

حين يصبح الظلم عادة

بقلم عبد الرزاق بومهدي

 

ظلم الناسِ للناسِ من موجبات غضب الله تعالى وسخطه، فهو الذي حرم الظلم على نفسه وتوعد الظالمين شر وعيد. والظلم بين الناس أشكال ودرجات، فليس من ظلم وندم وطلب العفو وأعاد الحقوق لأهلها فتاب كمن ظلم واستمر في ظلمه فتجبر وطغى. ولعل أعتى الظالمين والطغاة عبر التاريخ كانوا من الحكام وممن وُكلت لهم أمانة العدل بين الناس والسهر على أمنهم وأمانهم وعيشهم الكريم. فبقدر ما عرف التاريخ حكاما عادلين أدوا هذه المسؤولية الجسيمة بأمانة واستحضروا مراقبة الله عز وجل، بقدر ما برز حكام آخرون استغلوا سلطتهم وطغوا في البلاد فعاثوا فيها فسادا واستبدادا وظلما فجعلوا معيشة شعوبهم ظنكا.

تختلف وتتعدد أسباب تفشي الظلم المسلط على الشعوب المقهورة من طرف حكامهم أو ممن لهمم مسؤولية عليهم، فهناك من يسلط ظلمه وجبروته على مرؤوسيه بهدف توسيع دائرة نفوذه والسيطرة عليها بقبضة من فولاذ، وهناك من يسلط سوطه ظالما لإخافة معارضيه وإسكاتهم وإعطاء العبرة بهم لغيرهم، وهناك من يظلم ويطغى فقط لينتشي بعظمته وقوته أمام الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة للدفاع عن أنفسهم.

معول العنف هدام لايبني شيئا ولا يأتي بخير، ولكن نبذ العنف وتبني السلمية لا يعنيان الركون إلى الظلم وقبوله مخافة الدخول في صراع مع الظالم. لأن كلمة الحق قوة لا تصل بالضعف والخنوع

لكن السبب المشترك بين أغلب الأسباب هو اعتياد وتعوُّد الظالمين على ظلمهم وطغيانهم، وتعوُّد بعضض المظلومين على الركون للظلم، وتعوُّد الناس على رؤية الظلم أمام أعينهم وفي حياتهم اليومية من غير أن يحدث ذلك شيئا في أنفسهم وكأن لسان حالهم يقول “هذا أمر عادي وطبيعي، وما شأني أنا ما دمت لست بمظلوم ولا ظالم”، حتى أصبح الظلم شيئا عاديا في مجتمعاتنا، بل أصبح عادة الطواغيت وسنتهم، وأصبح غاية بعض الحكام ووسيلتهم.

نتحمل جميعا مسؤولية تفشي الظلم وسلب الحقوق، فلو اعتبرناه منكرا فأنكرناه بيننا، وغيرناه بقلوبنا وساهمنا في تغييره بألسُننا ثم تعاونا على تغييره بأيادينا لما طغى الظالم، ولو تكلم المظلوم عن مظلوميته ولم يسكت لما تجاوزه ظالمه لضحيةٍ أخرى فظلمه واستمر في ظلمه. ربما الخوف قد سيطر على مجتمعاتنا منذ عقود وقرون، وربما طغت المصالح الفردية للناس على فطرتهم في الدفاع عن المظلوم والوقوف معه ضد الظالم، وربما أصبحت مصالح الناس تُقضى عند من يعرفون أنه ظالم دون قدرتهم على الإقرار بذلك، وربما أيضا قد يُعتبر الظالم مظلوما والفاسد المُفسد صالحا ومصلحا نتيجة لسياسة تضليل الرأي العام وترويج المغالطات والتعتيم على أصحاب الحق..

لكن كل هذه الحقائق والوقائع والأحداث لا ترفع عنا الحرج ولا تعفينا من مهمتنا ودورنا في فضح الظالم ثم مواجهته بهدف القضاء على الظلم والطغيان والحد من انتشاره. الطالب والطالبة معني برفع الظلم عن إخوته داخل الجامعة وخارجها، والعامل والفلاح والحرفي عليه أن يقف بجانب أخيه المظلوم من طرف رئيسه أو زميله في العمل، والمرأة لها دور مهم في الدفاع عن الحق وكشف الظلم والفساد في محيطها ومجتمعها، ورجل التعليم من مهامه التعريف بالحق والدعوة له وشجب الظلم والفساد وتربية تلاميذه على ذلك، الطبيب والمهندس والسائق والربان وغيرهم من أبناء المجتمع كلهم معنيون برفع الظلم وفضح الفساد حتى لا يصير عادة في نظر الناس.

نعم معول العنف هدام لايبني شيئا ولا يأتي بخير، ولكن نبذ العنف وتبني السلمية لا يعنيان الركون إلى الظلم وقبوله مخافة الدخول في صراع مع الظالم. لأن كلمة الحق قوة لا تصل بالضعف والخنوع، وإنما بالتضحية والصبر ونصرة المظلوم بالوقوف معه لاسترجاع حقه ونصرة الظالم بمواجهته وردعه عن فعله. يكفي أن نعلم بأن عين المظلوم لا تنام وأن دعوته ليس بينها وبين الله حجاب وأن الظلم ظلمات يوم القيامة حتى نستنهض هممنا ونُسخر طاقاتنا ونضحي بالغالي والنفيس من أجل تغيير حال مجتمعاتنا التي يغلب عليها الظلم والجور والتسلط والاستبداد، تغييرٌ لن يتأتى إلا بتظافر جهود جميع مكونات المجتمع من صغار وكبار ونساء ورجال وأفراد ومؤسسات وأحزاب وجمعيات وتنظيمات بمختلف توجهاتها ومرجعياتها.

 

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى