مقالاتمقالات مختارة

نصف عالِم

بقلم د. سعد الكبيسي

نصف عالم أضر على الناس من جاهل!!!

لأنه ببساطة يعطي “نصف الحقيقة” فيغري الناس بها فيضل ويضل
أما الجاهل فليس عنده شيء فلا يغري الناس وأمره معروف

ولا أقصد ها هنا علماء الشريعة فحسب بل علماء أي تخصص طبيعيا كان او انسانيا او اجتماعيا

حين لا يستكمل القانوني تعليمه وادواته فان الناتج عند ذاك قاض يحكم  بالظلم والظاهر من الاحكام

وحين لا يستكمل الطبيب تعليمه ومهاراته سيعطي ولا بد تشخيصا وعلاجا قد يفضي بالمريض الى الشلل او الموت

وحين لا يستكمل الاداري علمه وخبرته فإنه لا يعرف من الادارة الا القواعد الجامدة والتسلط وإصدار الأوامر

ومثل ذلك السياسي الذي يعرف من السياسة مظاهرها وضجيجها دون امتلاك رؤية كلية وادوات علمية منهجية للحكم على الأمور

ومثله أيضا العالم الشرعي الذي يحفظ أويعرف النصوص والأحكام دون ادراك لمقاصدها ودون معرفة بالواقع والتنزيل

إن نصف العالم يعمد لاكمال نصفه المفقود بالتشغيب والنقد غيره لا بالتحصيل والدرس وتطوير نفسه

ويعمد الى رؤية ظواهر الامور دون جوهرها لان الجوهر يحتاج معرفته الى ادوات لا يملكها

ويعمد الى اعطاء نصف الحقيقة فيضخمها ويزينتها  لانه لا يعرف نصفها الثاني فيقود الناس الى فكر وسلوك مشوهين (فيتورط ويورط)

ان نصف العالم يساهم في صياغته:

اولا: المناهج الناقصة او القديمة او المؤدلجة

ثانيا: الظهور الاعلامي المبكر وحب الجاه والتصدر الذي يغريه بالتعجل قبل استكمال ادواته وشخصيته العلمية

ثالثا: الشهادة التي تعطي شكل العلم لا مضمونه في الكثير من الجامعات وتنتج عنده احساسا موهوما بالمعرفة الكاملة

رابعا: الكسل والركون للالقاب بدل مواصلة التحصيل والتعليم المستمر

خامسا: الجماهير التي قد تنبهر ببلاغته دون ادراك وقياس لمدى مصداقية ما يقول

وأشد ما يكون نصف العالم مضرا في ثلاثة مجالات:

الأول: العلوم الدينية لانه نصف الفهم فيها يورث اما الغلو او التسيب ويضيع على الناس دينهم وآخرتهم

الثاني: السياسة لانها متعلقة بمصائر الناس وتصورات وقرارات الشأن العام التي يعم نفعها وضررها فيضيع عليهم دنياهم

ثالثا: الطب لان به صحة ابدانهم فيفوت عليهم صحة أجسادهم

وها هنا مسالة وهي ما معيار وضابط الاعتداد بعلم هذا أو ذاك من العلماء؟ ومن يحدد ذلك؟

فأما ضابط الاعتداد بالعلم
فإن المقصود ليس طلب الكمال فيه وعدم الخطأ فكمال العلم لله وحده بل امتلاك الأصول والقواعد والمفردات والأدوات والملكات والمهارات والمنهجيات الخاصة بهذا  العلم أو ذاك بحيث يعذر فيها عند وقوع الخطأ منه

وأما من يحدد ذلك فهو شهادة المتخصصين المشهود لهم بالعلم والبروز في كل علم و تخصص وليس الامر مباحا وموكولا لكل أحد

وأخيرا:

فان قوله ﷺ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا .

قد لا يشمل علماء الشريعة فحسب بل كل عالم في أي تخصص
ويشمل من يملك نصف العلم كما يشمل من لا يملك العلم اصلا فكلاهما جهل مضر

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعتنا بما علمتنا …

(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى