مقالاتمقالات مختارة

ورثة الأنبياء بين المفهوم الضيق والمفهوم الشمولي

ورثة الأنبياء بين المفهوم الضيق والمفهوم الشمولي

بقلم الشيخ بشير بن حسن

ورثة الأنبياء…كلمتان تُستعملان في الغالب إن لم أقل دائما كوصف ونعت لعلماء الدين ، أو بالأحرى لعلماء علوم الشريعة الإسلامية، وذلك أن تقسيم العلوم الى علوم شرعية وعلوم غير شرعية ، أمر رائج جدا في عقول الكثيرين، على أن التحقيق في هذه المسألة، أن هذا التقسيم حادث ومنكر، بل جهل و زيغ عن الصراط المستقيم، وقد ابتليت به الأمة منذ سقوط الأندلس ، والا فإن العلوم كلها شرعية، لأن الشرع أمر بالعلم أمرا مطلقا وعاما ، فمن أين لهم هذا التقسيم؟
إن أول كلمة في كتاب الله عز وجل(اقرأ ) دون أن يحدد الله ما هو المقروء!! و فعل الأمر في علم الأصول يفيد المعنى المُطلق، والمطلق لا يجوز تقييده الا بدليل ، كما أن الأدلة الواردة في العلم وفضله ومكانة أهله أدلة عامة ، كقوله عز وجل ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وقوله( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) وكلمة ” العلم ” مُعرّفة بالألف واللام التي تفيد الاستغراق وهي من أدوات العموم أيضا ، وعلى هذا فلا تخصيص لعلمٍ بعينه الا بدليل صحيح .
ولكأني بالذين يقسّمون العلوم الى شرعية وغير شرعية ، هدفوا من خلال هذا التقسيم المقيت   الى سحب الشرعية عن العلوم الطبيعية والتجريبية وغيرها ،وحصرها في علومهم هم ، أو هو نوع من أنواع اختزال القُدسية في التخصّص ، و الالتحاف بثوب الكهنوتية التي لا يعترف الإسلام بها جملة وتفصيلا !!
ولو تأمل الانسان في كتاب الله عز وجل وتدبره حقّ تدبره أوجد عكس ما ذهبوا إليه، تماما،  فالأنبياء عليهم السلام آتاهم الله أنواعا شتى من العلوم النافعة ، فهذا آدم قال تعالى عنه ( وعلّم آدم الأسماء كلها ) فما هو هذا العلم ؟ قيل علم اللسانيات واللغات ، ومنه أسماء الأشياء كلها ،  وهذا نوح عليه السلام علمه الله الى جانب علم الدعوة علم صناعة السفن مع أنه لم يكن نجارا من قبل قال سبحانه ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) .
وهذا إبراهيم عليه السلام ، علمه الله بناء البيت الحرام بتلك الدقة والإتقان،  قال تعالى( وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل…) وهذا من علم الهندسة المعمارية،
وهذا موسى عليه السلام علمه الله علم المناظرة والمجادلة السياسية الراقية، حيث نجدها متجلية في حواراته مع فرعون.
وهذا عيسى عليه السلام، علمه الله علوم الطب والتمريض، قال تعالى: ( وتبرؤ الأكمه والأبرص باذني ..) وقال (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) ومن المعلوم أن التوراة تضمنت علوما في الطب والزراعة ونحوها .
وهذا داود وسليمان عليهما السلام، علمهما الله علم القضاء والحكم بين الناس ، قال تعالى( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما..) هذا الى جانب النبوة والرسالة…بل علم الله داود علم الصناعة الثقيلة فقال ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ) وهي صناعة الدروع الحديدية ، وفي الآية الأخرى ( ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوّبي معه وألنّا له الحديد ** أن اعمل سابغات وقدّر في السرد واعملوا صالحا….).
وهذا يوسف عليه السلام قال تعالى عنه ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث..) وهو علم التعبير ، وكذلك علم الاقتصاد والتصرف ، كما في سورة يوسف( قال  اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) .
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،  علمه الله علوما شتى ،الى جانب علوم الدعوة ، مما هو شمولية الاسلام لكل نواحي الحياة..
فأين هذا من تقسيمهم للعلم الى شرعي وغير شرعي ؟؟؟
وعلى هذا فإذا كان الانسان مؤمنا بالله ورسوله،  صادقا في نيته ، في طلب أي نوع من العلوم النافعة في العاجل والآجل ، باذلا جهده لنفع الخلق بهذا العلم فهو من ورثة الأنبياء!!
فورثة الأنبياء ليسوا فقط أصحاب العمائم واللحى ، والذين يعتلون المنابر في المساجد ، بل من هؤلاء وليس كلهم من لا علاقة له بالأنبياء جملة،   الا مجرد المظهر،  لأن الأنبياء عليهم السلام أساتذة الإصلاح في الدنيا و هؤلاء ادوات في أيدي الفاسدين والمفسدين ، وعمائمهم ولحاهم مجرد ( ماعون صنعة ) ولا أقصد بهذا التعميم معاذ الله !!

ومما زاد الطين بَلّة والمرض عِلة،  أن بعض المتمشيخين سوّقوا خطابا هجينا فيما يتعلق بالعلم ، حيث خرجوا علينا باحتقار العلوم والتنقيص من شأنها وأنها علوم “دنوية ” لا تنفع أصحابها في الآخرة !! فأنتج لنا شبابا متدينا يزدري كثيرٌ منهم بالعلوم ، الا ما يسمونه” بالعلم الشرعي ” بل بعضهم انقطع عن الدراسة بعد البكالوريا رغم تفوّقه في ميدانه،  ليذهب إلى بعض البلاد لطلب العلم ! زعموا !  فلا هم أتموا تعليمهم الأول ، الذي كان بالإمكان أن ينفعوا أنفسهم وأمتهم به ، ولا هم تفوقوا في علوم الشريعة ليجددوا لنا الاسلام ، فلا الكفر كسروا ولا الإسلام نصروا  ، الا الانجرار في موضة من موضات التدين المعاصر!!
واللهث خلف شهرة مزيفة خطيرة التبِعات !! مع ما في ذلك من التسبب في تخلف الأمة في كثير من  المجالات العلمية ! وبقاءها في ذيل القافلة البشرية !

وأكتفي بقول النبي صلى الله عليه وسلم(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم.
و كلمة علم في هذا الحديث نكرة في سياق الشرط ، وهذا من صيغ العموم في علم الأصول.
لكن كما قلت آنفا شرط ذلك الاسلام وإخلاص النية لله جل فى علاه.

فاذن كل العلوم شرعية،  وهي تتفاضل فيما بينها ، وتتفاوت في الشرف بحسب نية طالبها و معلمها  وانتفاع الناس بها .

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى