إعداد ياسين بودهان
ويقول محمد “مع توالي الأعوام ومرور السنين نما فينا هذا الشعور وترسخت فينا هذه القناعة، حتى صرنا نعتقد أن علمـاء الدين حكر على هذين البلدين (السعودية ومصر)، لأجل ذلك نما فينا حب هؤلاء حبا لديننا الحنيف، وكنا وما نزال نتابعهم ونهتم بعلمهم”.
ويعترف الشاب الجزائري في تصريح للجزيرة نت بقلة متابعته لعلماء ودعاة وأئمة بلاده، ولكنه يقول إنه يحبهم ويقدرهم. ويضيف أن “عدم متابعته ليس زهدا في علمهم، أو انتقاصا من قدرهم”، بل سبب ذلك أن “هؤلاء نادرا ما يظهرون في التلفزيون، وقلة منهم من يمتلك موقعا وصفحة شخصية في الإنترنت يجعلانهم في تواصل دائم مع الناس، لذلك لم تنمُ رابطة الحب والود بيننا وبينهم مثلما نمت مع دعاة وعلماء المشرق”.
موقف محمد تجاه دعاة ومشايخ بلده لا تعد حالة نادرة بين الشباب الجزائري، بل هي الحالة الغالبة حسب دراسة أنجزها مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لولاية وهران (مركز حكومي). وكشف عن نتائج الدراسة في محاضرة ألقاها الخميس الماضي مدير المركز جيلالي المستاري، إذ أشار إلى أن “الأئمة النجوم” الذين يطلون عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت باتوا مصدرا للشباب الجزائري لاستقاء معلوماتهم الدينية.
حجيمي يطعن في دراسة قالت إن شباب الجزائر يبحثون عن فتاوى الخارج (الجزيرة) |
الأئمة النجوم
واعتمدت الدراسة على عينة شملت أكثر من خمسة آلاف شاب، وخلصت إلى أن “أغلب الشباب الذين يبحثون عن فتاوى يتوجهون إلى المرجعيات الأجنبية أكثر من المرجعيات المحلية، وأن أئمة المساجد في الجزائر لا يزالون يحافظون على مكانتهم كمعلمين ومفتين للفئات الأكبر سنا فقط”.
وبنبرة غاضبة ومستنكرة لنتائج الدراسة، تساءل الأمين العام لنقابة أئمة الجزائر الشيخ جلول حجيمي عن طريقة اختيار العينات، وقال “هل توجه أصحاب الدراسة إلى المساجد أم إلى الشارع والساحات العمومية؟”، إذ لا يمكن في رأيه أن “نسأل عن خطر الخمر في المخمرة لأنه سيقال لنا إنها جيدة، ولا يمكن أن نسأل عن مضار التدخين في مقهى لأنه سيقال لنا حتما إنه مفيد”.
وبحكم كونه إمام مسجد، أكد حجيمي أنه “يستقبل مئات الرسائل الإلكترونية والهاتفية يوميا، وعبر صفحته في موقع فيسبوك من مختلف الفئات العمرية، ومن كل التخصصات والفئات الاجتماعية، حتى من المدمنين والشواذ جنسيا والمنحرفين، يستفسرون عن أمور دينهم ودنياهم”، متسائلا باستغراب كبير “كيف تتحدث الدراسة عن زهد الشباب الجزائري في أئمتهم ومشايخهم؟”.
مشاهير الدعوة
ومع تقديره للمآخذ التي تسجل على بعض الأئمة من ضعف التكوين أو قلة التفاعل مع الناس، حمّل حجيمي السلطة ووسائل الأعلام مسؤولية تقزيم دور أئمة وعلماء بلاده وتغييبهم عن أذهان الناس وقلوبهم.
ويضيف “هل يعقل أن يتم تسخير عشرات الحافلات لنقل الناس لحضور محاضرة لداعية مشرقي قدم إلى ولاية وهران، في حين ثمة علماء أجلاء في تلك المدينة وغيرها لا يسمع بهم أحد ولا يلتفت إليهم أحد”.
تعلّق الشباب الجزائري بالمرجعيات الدينية الأجنبية هي خلاصة توصل إليها أيضا الباحث يونس سعدي في دراسة أجراها لحساب وكالة “إنترفاس ميديا” (وكالة خاصة) بشأن التوجهات الدينية للجزائريين من رواد منصات التواصل الاجتماعي.
رأي مخالف
ولا يعتقد مدير مركز “أبحاث البصيرة” للدراسات والخدمات التعليمية عتيق إبراهيم هواري أن الجزائريين يستقون فتاويهم من خارج البلاد باستثناء بعض الفئات.
وأوضح أن الفئات المذكورة هي التيارات الدينية التي تتبنى الوهابية أو السلفية بالمفهوم المتفق حوله اجتماعيا، أو حركات الإسلام السياسي في جانب الفتاوى المتصلة بالتنظيمات السياسية، وفئة اعتبرها “قليلة جدا” تستخدم التقنية من أجل البحث والمعرفة والاهتمام بالمدارس الدينية.
ويجزم هواري -وهو شاب تولى إدارة أكاديمية جيل الترجيح، وهي منظمة تهتم بتكوين الشباب وتأهيلهم- بأن “الفتوى الدينية الصادرة عن الإنترنت يبحث عنها من يريد ذلك، وهم قلة قليلة، أو الذين يرغبون في فتاوى على مقاسهم”، لذلك لا يراها “ظاهرة قوية ترقى إلى حد تهديد المرجعية الدينية الجزائرية”.
(المصدر: الجزيرة)