الجاميّة اليمنيّة المسلّحة؛ ذراعٌ عسكريّ لمن؟!
بقلم الشيخ محمد خير موسى
من خلال مطالعة فكر الجاميّة المدخليّة، يظنّ المرء للوهلة الأولى أنّ هذا التيّار الذي يدور في فلك وليّ الأمر، ويتخذ الحاكم صنمًا مقدّسًا يشعل البخور تحت قدميه، هو تيّارٌ مسالمٌ لا يمكن أن يدخل في دائرة العمل المسلّح.
بل إنّهم لفرط عدوانيّتهم لسيّد قطب رحمه الله تعالى، واتّهامهم الدّائم له بالعنف والتّغرير بالشباب لحمل السلاح؛ يخيل للمرء أنّهم لا يمكن أن يواجهوا خصومهم بالسّلاح.
غير أنَّ الواقع أثبت خلاف ذلك، فحمل المداخلة السلاح، وقاتلوا قتالًا شرسًا في اثنتين من بلاد الرّبيع العربي، هما اليمن وليبيا، فماذا كان حالهم في اليمن؟!
• بوادر انخراط الجاميّة اليمنيّة في العمل المسلّح
بعد وفاة الشيخ مقبل بن هاني الوادعي، خلفه تلميذه يحيى بن علي الحجوري على كرسي دار الحديث في دماج، بناء على وصيّة شيخه.
ومن حينها غدا الحجوري مرجع السلفيّة المدخليّة في اليمن، ولا يؤثّر في هذه المرجعيّة خلافه مع المدخلي وانقلابه عليه وانشقاقه عنه؛ فالمدخليّة نهج، والجاميّة فكرة وسلوك كان الحجوري وما زال مرجعها في اليمن الذي كان سعيدًا.
كان موقف الحجوري واضحًا صريحًا في رفض الثّورة اليمنيّة ضدّ علي عبدالله صالح، وهاجم المتظاهرين وأكد دعمه للرّئيس ووقوفه معه.
وابتداء من هذا الموقف المعارض لثورة اليمن، بدأ ولوج الجاميّة عالم السياسة، غير أنّ نقطة التّحوّل إلى العمل المسلّح كانت مع فتوى الحجوري في عام 2012م حيث أفتى بجواز المشاركة في قتال تنظيم القاعدة، وحرمة رفع السلاح في وجه الجيش اليمني.
ثمّ أفتى الحجوري بوجوب قتال الحوثيين، وقاد القتال بنفسه، غير أنّهم سرعان ما خسروا معقلهم في دماج، وفجّر الحوثيون دار الحديث معقل المدخليّة، ليفرّ الحجوري عقب ذلك إلى السّعوديّة، ليتابع من أراضيها إصدار فتاواه وتوجيهاته العسكريّة المنسجمة مع سياسات السعوديّة والإمارات.
• هاني بن بريك من جاميّة الطّاعة إلى جاميّة التمرّد
هاني بن بريك تلميذ الحجوري وأحد رموز المدخليّة، تمّ فرضه وزيرًا في الحكومة اليمنيّة من قبل الإمارات، وتمّ تكليفه بالإشراف على تشكيل قوات الحزام الأمني، التابعة فعليًّا للإمارات إشرافًا وإدارة وتمويلًا.
وقد عبر عن هذه التبعيّة الشيخ أبو العباس رفيقه في التتلمذ على يدي الحجوري، ورفيقه في العمل الجاميّ المسلّح؛ إذ يقول: “وبالنسبة للأخ هاني بن بريك، فبيننا ارتباط من قبل أن يصبح وزيرًا، وهو يتواصل مع بعض الإماراتيين لجمع معونات للجبهة”
وقد كان ابن بريك من المنظرين لوجوب طاعة الرئيس عبد ربّه منصور هادي، الذي هو وليّ الأمر في المنشط والمكره، وهذا ينسجم مع أدبيّات الجاميّة.
غير أنّ هذا الموقف انقلب رأسًا على عقب عام 2017م حين أصدر الرّئيس هادي قرارًا بإقالته من موقعه وزيرًا للدولة وإحالته للمساءلة القانونية.
فعلى الفور أعلن ابن بريك ورفيقه عيدروس الزبيدي تأسيسهما ما أضحى يعرف إعلاميا بالمجلس الانتقالي في عدن، والذي يحمل مشروع الانفصال عن اليمن الشّمالي.
وقد غدا فاشيًا بأن ابن بريك متورط في التّخطيط الشّخصي والإشراف المباشر على اغتيال أكثر من 150 شخصيّة من الأئمّة والدّعاة والعسكريّين، الذين ينتمي جلّهم للإصلاح الذين هم جماعة الإخوان المسلمين.
• كتائب “حماة العقيدة” أو كتائب “أبو العباس”
في تعز أنشأ الشيخ أبو العبّاس عادل عبده فارع تلميذ الحجوري وصديق هاني بن بريك وأحد رموز المدخليّة ميليشيا مقاتلة لمواجهة الحوثي.
وقد كان أبو العبّاس يعلن عن هويّته المدخليّة في كلّ مناسبةٍ يتحدّث فيها، ومن ذلك قوله في البيان الذي أصدره يوم 26 أكتوبر 2017م:
”فمن نعمة الله علينا أن وفقنا للسنة، ويسر لنا طلب العلم في مركز علامة اليمن ومحدث الجزيرة العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، وهناك عرفنا عقيدتنا التي نشأنا عليها وملأت قلوبنا وشغلت جوارحنا، فتعلمنا حرمة وعصمة الدماء المسلمة .. ثمّ يقول: وهكذا تعلمنا أن طاعة ولاة الأمر واجبة في المنشط والمكره و على أثرة علينا؛ هذه عقيدتنا وإن حصل علينا ما نكره نسمع ونطيع في طاعة الله”
كان إنشاء الكتائب بإيعاز من السعوديّة والإمارات اللّتان دعمتاه بالمال والسّلاح، من أجل تحقيق سياستهما في اليمن غير أنّ السّتار كان على الدّوام طاعة وليّ الأمر، وفي ذلك يقول أبو العبّاس في تعليله لإنشاء الكتائب:
”وقد تعلمنا أنّ الجهاد يكون تحت راية من ولّاه الله أمرنا، وقد فعلنا وقاتلنا تحت راية فخامة رئيس الجمهورية الوالد عبد ربه منصور هادي وفقه الله وسدده وحفظه؛ حيث لبّينا نداه حين استنفر أهل البلاد للدفاع عن دينهم وعرضهم وأرضهم.
وقد يسّر الله بتعاون دول التّحالف حفظهم الله على رأسهم مملكة التوحيد ومهوى قلوب الموحدين، ودولة الإمارات العربية، فقدّموا لإخوانهم في اليمن الغالي والنّفيس، بل وضحّوا بخيرة رجالهم وهم يدافعون معنا وعنّا كتفًا إلى كتف، فجزاهم الله عنا خيرًا”
ولم يكن أبو العبّاس قادرًا على إخفاء أحقاده على جماعة الإخوان المسلمين، فكان دومًا ما يصفهم بأنّهم “قطّاع طرق” و”مختلسون لأموال التحالف”
وفي عام 2017م أعلنت السعوديّة والإمارات إدراج أبو العباس وكتائبه على قائمة الإرهاب؛ غير أنَّ هذا الإدراج كان غير حقيقيّ، حيث استمرّت الإمارات بدعمها لهذه الكتائب التي كانت ذراعها الضّاربة في مدينة تعزّ، التي بقيت تقضّ مضاجع السّعوديّة والإمارات والحوثيين على حدّ سواء.
• الخلاصة
لم تخرج الجاميّة اليمنيّة المسلّحة عن حقيقة الجاميّة الوظيفيّة لخدمة النّظام السّعودي تحت شعارات الإسلام وطاعة وليّ الأمر.
وبسبب طبيعة البيئة في اليمن، التي تنزع إلى التشكيلات المسلّحة، وكونها ساحة عمليّات عسكريّة سعوديّة وإماراتيّة؛ فقد كانت الجاميّة هذه المرّة ممتشقةً سلاحها لتنفّذ وظيفتها، ولكن هذه المرّة بالدّم والقتال.
(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)