مقالاتمقالات مختارة

المواصفات العالمية للجودة أيزو 9001 في ميزان الإسلام

بقلم ربيع عبد الرؤوف الزواوي

 

نهدف في هذا المقال إلى المشاركة – ولو بقدر بسيط – في توجيه دفة التقدم التقني، الذي يمثل القطاع الخاص فيه جزءاً كبيراً وخطيراً، وإلى محاولة الخروج من الوضع الراهن للمكانة المتخلفة للواقع المادي والحضاري العربي والإسلامي المعاصر

(بضاعتنا رُدّت إلينا) هي باختصار المواصفات القياسية العالمية للجودة؛ التي تتجه إليها كبريات المؤسسات العالمية والصروح العلمية والإنتاجية والإعلامية اليوم وغداً من أجل كسب الثقة ومواكبة التطورات على مختلف الأصعدة ومن ثم تحقيق الأهداف والغايات المنشودة، ولأن هذا الموضوع من الأهمية بمكان لنهضة الأمة وتقدمها… فإننا نهدف في هذا المقال إلى المشاركة – ولو بقدر بسيط – في توجيه دفة التقدم التقني، الذي يمثل القطاع الخاص فيه جزءاً كبيراً وخطيراً، وإلى محاولة الخروج من الوضع الراهن للمكانة المتخلفة للواقع المادي والحضاري العربي والإسلامي المعاصر، وكذا تفعيل الدور العملي بالمشاركة العملية وعدم الاكتفاء بالتشدق بمجد وحضارة الإسلام والمسلمين لمّا كانوا هم السادة. وذلك من خلال إقناع العقل العربي والمسلم بأن ينطلق بلا تردد تجاه ثقافة الإتقان والجودة في كافة الأعمال والمناحي الحياتية، وترك الغش وعدم الإتقان؛ مادامت هذه المواصفات القياسية العالمية للجودة بضاعتنا رُدّت إليناوليس بالأمر غرابة ولا تخوف أو شكوك، ومن خلال العزف على وتر الحسّ الإسلامي المتأصل والكامن في قلوب المسلمين والتي وضحت نتائجه في السنوات الأخيرة وأضحت ملموسة في إقبال فئات كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي على إصلاح شأن دينهم ودنياهم عن قناعة تامة، بعدما ظهر في ساحة الدعوة الإسلامية من ينطلق من تأصيل علمي تقني وإسلامي في الوقت ذاته، كما هو الحال مع نتائج محاضرات وندوات ودروس الدكتور زغلول النجار وفقه الله ونفع به المسلمين في دينهم ودنياهم.وثمة خمسة محاور لتناول هذا الموضوع: المحور الأول: وهو دخول قضية الجودة والمواصفات القياسية ISO 9001 عموماً تحت مظلة الإحسان والإتقان في الإسلام. وذلك في ضوء قول الله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قوله: {وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وفي ضوء حديث النبي صلّى الله عليه وسلم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». وأيضاً في ضوء الإحسان (أحسن- يحسن – المحسنين) والتوسع في فهم المصطلح (أحسن) ليس المقصود به (تصدّق). وأخيراً في ضوء علم التجويد في قراءة القرآن، والتنبيه على الخلل الذي أصاب الأذهان في تطبيق الجودة فقط في قراءة القرآن (التجويد) ولم تطبقه عملاً وواقعاً. المحور الثاني: ويدور حول مفسدات (نواقض) الجودة: ومنها: – الأريحية والاستسهال (ثقافة مشّي حالك). – الاغترار بقدرتنا على الحفظ وعدم الكتابة (فالتوثيق مهم في الجودة وفي الإسلام لقول الله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ}. – التيه المهني وهو نقيض (التوجيه المهني). – الفهلوة والفبركة. – إخلاف المواعيد. – ثقافة (على قد فلوسهم). – حُب نقد الغير لمجرد النقد. – شبهة تطبيق الجودة تَشبّه بالغرب.المحور الثالث: وهو توافق المواصفة القياسية للجودة (أيزو 9001 نموذجاً) مع الإسلام؛ وذلك لأن – مواصفة الأيزو الخاصة بالجودة تشترط التوثيق؛ لكون ذلك عقداً بين الجهة المانحة والمؤسسة التي ترغب في تحقيق الجودة في منتجاتها، والحصول على الشهادة (وتوثيق العهود وهو ما يعرف في الإسلام بالعقود). – مواصفات الأيزو الخاصة بالجودة تقسم حالات عدم المطابقة إلى ثلاث درجات: أ- حالات عدم مطابقة عظمى، ب- حالات عدم مطابقة صغرى ج- ملاحظات، والمخالفات والمعاصي في الإسلام تنقسم إلى: كبائر وصغائر ومحقرات الذنوب أو (صغائر الخسة) (اللمم). – مواصفة الأيزو الخاصة بالجودة تجعل سياسة الجودة في أي مؤسسة شرطاً مهماً، يشبه العقيدة في الإسلام. – وتشترط ممثل إدارة ليتفاوض مع الجهة المناحة، وفي الإسلام قضية الإمارة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم أحدكم». – كما أنها تهتم بتطبيق بنود العقد بين أي عميل والمؤسسة، ولا تقبل أي تغيير في بنود العقد من قبل المؤسسة، ولو لصالح العميل، بدون إطلاع العميل أو أخذ موافقته عليه، (تصرف الفضولي في الشريعة الإسلامية)، (المسلمون عند شروطهم). – ومواصفة الأيزو تهتم بقضية تحديد المهام والصلاحيات في المؤسسة، والإسلام يدعو لذلك.. وتحترم التخصص وتؤكد عليه في إجراءات الجودة لأي مؤسسة، والإسلام يؤكد على ذلك، وفي الأثر (استعينوا في الصناعات بأهلها) وفي المثل المصري العامي: إدي العيش لخبازه!. – والمواصفات القياسية تجعل مراقبة الجودة وفي الإسلام مراقبة الله عز وجل. – وتطرح قضية التحسين المستمر، والإسلام يدعو للطموح والوصول للأفضل باستمرار، وأشهر دليل في ذلك حديث: «ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تكون إلا لواحد أرجو أن أكون هو» وظل حياته كله حتى أتاه اليقين يفعل للآخرة. – وفي الجودة: لا تنتظر الخطأ حتى يقع، وفي الإسلام: مبدأ الوقاية خير من العلاج؛ (واللاتي تخافون نشوزهن)، (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا). – وفي الجودة مسئولية الجميع، وفي الإسلام: مخاطبة الجميع: يا أيها الذين آمنوا، يا أيها الناس، اعملوا، قولوا، أقيموا، توبوا، إلخ.المحور الرابع: توافق معظم مبادئ الجهات العالمية المانحة للشهادة مع الإسلام؛ فهذه الجهات: – تجعل رئيساً لفريق المراجعة لدى قيامها بالمراجعات على المؤسسات، ولا يصح بغير ذلك، وفي الإسلام (قضية الإمارة في الإسلام) (إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم أحدكم). – تطلب هذه الجهات من المراجع في أي شركة مانحة للشهادة، أنه لم يسبق له أن كان استشارياً بالشركة المراجع عليها أو شريكاً فيها، وفي الإسلام حرمة (الرشوة والمحاباة). – هذه الجهات تهتم بالدليل مع كل مراجع؛ وفي السيرة النبوية (الدليل في الهجرة). – كما تدعو هذه الجهات المراجع ألا يتسرع في إثبات حالة عدم مطابقة بمؤسسة ما دون دليل مادي ملموس وبإقرار المسؤول، (والإسلام يدعو لعدم الحكم في أي شيء إلا بدليل والشهود والحدود). – وتدعو عضو فريق المراجعة لديها أن يحاول بشتى الطرق تجنب إفشال النظام والحكم بعدم استحقاق المؤسسة لشهادة الأيزو، وفي الإسلام: «ادرأوا الحدود بالشبهات». – وتدعو هذه الجهات العالمية المراجع لديها إلى عدم التأثر بوشاية زميل للمراجع عليه أو ما شابه، وفي الأثر: «لا يحدثني أحد عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر». أو كما قال صلى الله عليه وسلم. – تهتم هذه الجهات بالاجتماع الختامي والتشاور بين كافة أعضاء فريق المراجعة على أي مؤسسة قبل أخذ القرار النهائي على المؤسسة؛ تستحق الشهادة أو لا تستحق (وفي الإسلام مبدأ الشورى، والأمير). – تلقن أعضاء فريق المراجعة ورئيس الفريق إلى أهمية إقرار المسئولين في المؤسسة المراجع عليها وممثل الإدارة بما على المؤسسة من حالات عدم مطابقة أو ملاحظات، وناحية أدبية “الإقرار في الإسلام.. السكوت في معرض الحاجة بيان”. – كما تلقن هذه الجهات أعضاء فريق المراجعة أن يستمع ويلاحظ ويكتشف ويرى أكثر مما يتكلم. – تنصح هذه الجهات بعدم التصرّف في مكان الغير؛ مثلاً: لا تفتح درجا بنفسك “قضية الاستئذان”. – كما تنصح بأن العينة يتم اختيارها بواسطة المراجع (البائع هو الذي يكيل). – وتنصح فريق المراجعة في الاجتماع الختامي بتقديم الشكر للمؤسسة، وفي الإسلام «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». – وتنصح المراجع لو تعرض لمضايقات من المراجع عليه أو عدم تعاون أن يذكر ذلك في الاجتماع الختامي. – وتقول هذه الجهات: يفسر الشك لصالح المراجَع عليه، وفي الإسلام يجب «حسن الظن بالناس». – وتنصح أن يشمل التقرير المشاكل التي وُجدت دون التعرض لذكر أسماء، وفي الإسلام: «ما بال أقوام». المحور الخامس: وهو حاجتنا الماسة إلى الجودة – على الأقل – في أربعة قطاعات لإصلاح الواقع، فنحن نحتاج للجودة بصورة ملحة في: – المدارس: للنهوض بواقع التعليم. – الصحة: للنهوض بالإنسان نفسه، فالعقل السليم في الجسم السليم – البيئة: لكونها تؤثر مباشرة بصحة الإنسان. – الصناعات: لكونها تؤثر مباشرة في الصحة والبيئة… وذلك رجاء أن يتبدل الحال… والله من وراء القصد محيط.

(المصدر: طريق الإسلام)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى