مقالاتمقالات مختارة

هذا فتح.. وذاك استعمار!

بقلم علي بطيح العمري

أكثر ما يزعجني – وما أدري إن كنتم تنزعجون مثلي أو لا- ؛ أولئك الذين يلوون أعناق الحقائق، ويساوون بين النور والظلام، ويغضون الطرف عن حضارة العرب المشرقة، ويركزون على السلبيات أو الشواذ فيها!

يقول المفكر والروائي “المعروف”:
زرعوا فأكلنا، نزرع فيأكلون.. حكاية الاستعمار… حينما فعلناها كان فتحاً وحينما فعلوها كان استعماراً والفعل واحد.. مازلنا نتغنى بالأندلس مع أن كل الحكاية جماعة استعادت أرضها ولو بعد حين….!

مؤسف ثقافياً أن لا يفرق “مثقف” بين الفتح الإسلامي، وبين الاستعمار الغربي للبلدان!

الفتح الإسلامي عند المسلمين الغرض منه؛ نشر الإسلام للعالم وللناس، ولم يكن من مبادئ الإسلام إكراه الناس على الدخول فيه.. فالناس لهم حق قبول الإسلام أو البقاء على أديانهم.. والهدف منه تحرير العباد من الطغيان وتسلط الظالمين، وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.. أيضا في الفتوحات الإسلامية نشر لقيم العدل والمساواة والعلم والمعرفة، فليس فيه هدم ولا تسلط ولا تشريد لأهل البلد.. كان النبي – عليه الصلاة والسلام- يوصي الجيوش وينهاهم عن التمثيل بالقتلى، وينهاهم عن قتل الأطفال والنساء والرهبان في صوامعهم وكبار السن، بل نهى عن قطع الأشجار.

الاستعمار الغربي؛ عكس ذلك تماماً.. ابحثوا عما فعلته فرنسا في الجزائر، وقد رفضت حتى الاعتذار عن جرائمها.. شاهدنا تنكيلات أمريكا وهمجيتها لما احتلت العراق، تهجير وقتل للسكان الأبرياء، وتعذيب للسجناء، وتجويع المواطنين، ووأد كل مقومات الحياة الكريمة. ومثل ذلك ينطبق على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

طالب الابتدائية سيدرك الفرق بين الفتح الإسلامي لنشر الحق والخير وإقامة العدل، وبين الاستعمار الغربي الذي عاث في الأرض الفساد، وصادر خيرات الشعوب التي استعمرها.

لما فُتح بيت المقدس في عهد عمر بن الخطاب، كتب الخليفة عمر ما سميت بالوثيقة العمرية لأهل إيلياء أو القدس، وجاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم.. “.. هذه الوثيقة حوت تسامحاً إنسانياً عالمياً راقياً.

نقبوا في تاريخ الأندلس عن فضل حضارة العرب على الأوربيين، فالمستشرقة الألمانية “زيغريد هونكة” ذكرت فضائل الحضارة العربية على أوروبا، وكيف استفادت أوروبا من هذه العلوم والمعارف، عبر كتابها الرائع “شمس العرب تسطع على الغرب”.

لقد شهد الكثير من المستشرقين بفضائل الفتوحات الإسلامية.. فالمستشرق روبنسون يقول:
إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة الحسنة أن انتشر الإسلام بسرعة، وعلا قدر رجاله الفاتحين بين الأمم المغلوبة.

وكذا المؤرخ الألماني الكبير آدم مِتز، قال: أمرت الشريعة الإسلامية بعدم القسوة في تحصيل الجزية، ونهى الإسلام عن إتباع الأساليب القاسية من تعذيب، أو تكليف أصحابها ما لا يطيقون، وكانت الجزية تؤخذ مقسطة، وكان يُعفَى من الجزية بمصر جميع الأوربيين والرهبان المتبتلين، من المسيحيين والبطريرك”.

إن حركة الفتح الإسلامي ليست مجرد توسع في الأرض ولا ينبغي النظر إليها بهذا الاعتبار إنما كانت حركة هداية للناس وحركة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.. ومحاولة الخلط بين الفتح الإسلامي للبلدان والاستعمار الغربي ما هي إلا لهدف قتل روح العزة عند المسلمين، وتشويه تاريخهم.. وتشويه غايات الفتوحات بأنها رد فعل لما كانوا يعيشون فيه من شظف العيش وضيق الحال وقلة الموارد. وكذلك إبراز أن السبب الرئيس في بعض الفتوحات هو المرأة كما زعموا، وإخفاء السر وراء انتصارات المسلمين إلا وهو العقيدة.

ويعترف المستشرق هو توماس آرنولد – حسب ما أوردته الموسوعة العربية – بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة حرة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين العرب يقولون لهم: يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أرأف بنا وآنف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا”.

ويقول دوابر: إن العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهماً، وأحرقوا عشرة آلاف يهودي في مدى عشر سنوات”.

هذه هي شهادات الغربيين عن الفتوحات الإسلامية، وكما قيل الحق ما شهد به الأعداء.

* قفلة..
من أعجب الأفكار الثقافية أن يشهد خصوم المسلمين بسمو الحضارة الإسلامية أو العربية، بينما بعض العرب ينكسون رؤوسهم، ويجحدون علو حضارتهم!

(المصدر: موقع تواصل)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى