إعداد د. زياد الشامي
قد لا تكون العقلية النفعية وتغليب لغة المصالح هي وحدها التي تلعب دورا محوريا في فهم حقيقة الموقف الأمريكي من قضايا المسلمين , فهناك الموروث الايديولوجي المعادي للإسلام ولأتباع دين الله الخاتم والموالاة والانحياز السافر لجوقة العابثين بأمن وسلام المسلمين والمناهضين لمشاهد انتشار الدين الحق في عقر دارهم رغم كل محاولات وقف زحفه وإخماد جذوة نوره .
وعلى الرغم من أن صحائف التاريخ الحديث تثبت دون أدنى شك حقيقة موقف العم سام المنحاز دوما لصالح قتلة المسلمين وأعدائهم على اختلاف أعراقهم وأجناسهم ومذاهبهم……إلا أن محاولات العم سام التغطية على هذه المواقف ببعض التصريحات الدبلوماسية الفارغة تارة وببعض الاجراءات الشكلية تارة أخرى لم تتوقف – وإن باتت في الآونة الأخيرة باهتة وممجوجة من شدة سخفها – .
كثيرة هي الشواهد والأمثلة الحديثة التي يمكن طرحها كدليل على ما سبق , فما صرح به وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” مؤخرا فيما يتعلق بقضية مسلمي الروهينغيا التي اعتبرتها المنظمة الدولية الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم يشير بوضوح إلى صحة ما سلف .
الوزير الأمريكي اعتبر أن مسألة فرض عقوبات على ميانمار بسبب أزمة الروهينغيا “غير مستحبة” مضيفا في أعقاب اجتماعه مع زعيمة البلاد “أونغ سان سو تشي” وقادة الجيش في ميانمار المسؤولين عن المجازر الموثقة و جرائم الحرب المثبتة : فرض عقوبات على ميانمار “ليست مستحبة” في هذا التوقيت . داعيا إلى إجراء تحقيقات مستقلة بشأن أزمة المسلمين الروهينغيا .
حاول المسؤول الأمريكي التغطية على موقف بلاده المنحاز للقتلة المجرمين خلال كلمته الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي مشترك جمعه مع “سو تشي” بإظهار التباكي على ما حل بمسلمي الروهينغيا دون اتخاذ أي خطوة لوقف المأساة أو مساءلة الجاني أو التلويح بمعاقبته قائلا : إن الولايات المتحدة “حزينة” إزاء فرار اللاجئين إلى بنغلادش ومعاناتهم . مضيفا للصحفيين : “مشاهدة ما حدث شيء مرعب جدا” .
اللافت في الأمر هو تبجح العم سام بحقيقة موقفه المخزي من محنة الروهينغيا رغم وجود إجماع شبه كامل من قبل المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية على ارتكاب الجيش الميانماري والعصابات البوذية التابعة له انتهاكات جسيمة بحق مسلمي أراكان وإطلاق نداءات للدول الكبرى لممارسة الضغط على حكومة ميانمار أو فرض عقوبات عليها لإجبارها على وقف حملتها الشرسة ضد أقلية الروهينغيا المسلمة .
مثال آخر يمكن الاستشهاد به على كشف حقيقة الموقف الأمريكي من قضايا المسلمين ويتعلق هذه المرة بنفاق العم سام فيما يتعلق بموقفه من المشروع الصفوي في المنطقة , فبينما توحي تصريحات مسؤولي البيت الأبيض وعلى رأسهم “ترامب” بأن عدوهم الأول هو إيران وتوهم نبرتهم العالية وتهديداتهم بأن طبول الحرب ضد طهران قد قُرعت…..تؤكد التقارير والوقائع على الأرض عكس ذلك تماما .
فقد أشار تقرير جديد نشره موقع “واشنطن فري بيكون” الأمريكي إلى أنَّ “الإدارة الأمريكية تعمل بهدوء مع مقاتلي الميليشيات الصفوية في العراق الذين تجمعهم صلةٌ مباشرةٌ بالحرس الثوري الإيراني” .
التقرير الذي قدَّمه “آدم كريدو” – كاتب كبير يعمل بالموقع متخصص في شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي – يقول : إن كبار المُشرِّعين وغيرهم قد بدؤوا في تقديم أدلة تثبت أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية تواصل تقديم دعمٍ واسع النطاق للميليشيات المدعومة من إيران في العراق وهو برنامج بدأ لأول مرة في ظل إدارة أوباما”.
وأضاف التقرير نقلا عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض الذي قال لموقع “فري بيكون” : “لقد رأينا أنَّ بعض المعدات العسكرية الأمريكية الصنع تديرها وحدات ميليشيات عراقية ليست من المستخدمين النهائيين المعتمدين”.
لم يكن ما كشفه التقرير عن حقيقة دعم العم سام للمليشيات الصفوية في العراق بالجديد فقد بات القاصي والداني على يقين بأنه لولا التغطية الجوية التي يقوم بها الأمريكان في سماء العراق لما استطاعت مليشيات الحشد الصفوي من استعادة المدن والبلدات العراقية التي استولى عليها “داعش” بعيد انسحاب قوات المالكي منها .
وإذا أضفنا إلى ما سبق موقف الأمريكان من ثورة أهل الشام فإن المشهد يبدو أشد وضوحا وأكثر جلاء , فبينما كانت تصريحات العم سام تصب في خانة دعم الثورة السورية وجيشها الحر وتطالب طاغية الشام بضرورة التنحي وتزعم أن أيامه باتت معدودة….. كانت أفعالهم وتصرفاتهم تؤكد حرصهم على إفشال تلك الثورة العظيمة من خلال حرمان فصائلها المسلحة من الأسلحة النوعية و إصرارهم على الإيقاء على الطاغية دون مساءلة أو حساب رغم مجازره الموثقة التي يندى لها جبين الإنسانية .
(المصدر: موقع المسلم)