إعداد موقع المثقف الجديد
عُرف إدوارد لامبير كأحد أعلام القانون الفرنسي في جامعة ليون، وهو من الروّاد الأوائل الكبار في تأسيس القانون المقارن، لكن مع بداية يونيو عام 1938م بدأت اهتماماته تتجه إلى دراسة الفقه الإسلامي، بعد تكليفه رئاسة لجنة تشرف على توحيد القانون المدني المصري المطبق في المحاكم الأهلية والمختلطة، وكانت اللجنة تضم في عضويتها أساتذة وقضاة مصريين وفرنسيين منهم الدكتور عبد الرزاق السنهوري أحد أعلام القانون المصري.
كان للامبير تأثير بارز على مدرسة القانون المصرية، فقد تولّى إدارة مدرسة الحقوق السلطانية في القاهرة أواخر القرن التاسع عشر، ورحل عنها مُرْغَماً بتدبيرٍ بريطاني، وخلال إقامته في فرنسا قدم للعقل القانوني الغربي مقارنة بين عائلتين قانونيتين هما: العائلة اللاتينية، والشريعة الإسلامية.
تجربة لامبير تأثر بها العقل القانوني الغربي إلى حد الدهشة والانبهار، وفي هذا السياق يقول محمد كمال الدين إمام في دراسة بعنوان: (مقاصد الشريعة والقانون المقارن): إن الدكتور محمود فتحي أحد أنبغ تلاميذ لامبير، المعيد المشارك في تدريس علم أصول الفقه والفقه الإسلامي بجامعة ليون، صاحب رسالة (التعسف في استعمال الحقّ في الشريعة الإسلامية)، تلقى تقديراً خاصاً من إدوارد لامبير، الذي أشرف على رسالته؛ فاختارها لتكون العدد الأول من سلسلة أبحاث المركز الشرقي للدراسات القانونية والاجتماعية.
وكانت – كما يقول لامبير- بداية ناجحة، ونفدت طبعتها الأولى فور صدورها، وقد صدرت بمقدّمة من لامبير نفسه تجاوزت صفحاتها المائة.
وقد كانت رسالة فتحي بداية تأثر العقل القانوني الفرنسي بالفقه الإسلامي، حيث قام الفرنسي الكبير جوسران بإضافة صفحات عن نظرية التعسُّف في استعمال الحقّ في الفقه الإسلامي في الطبعة الثانية من كتابه (روح الحقوق ونسبيتها).
إن إدوارد لامبير لعب دوراً كبيراً في لفت أنظار أهل القانون في الغرب عموماً، وفي فرنسا خصوصاً إلى أهمية الشريعة الإسلامية في تأسيس النظام القانوني في مصر، وكانت له يدٌ طولى في توجيه مؤتمرات القانون المقارن إلى التسليم بأن الشريعة الإسلامية هي نظامٌ قانوني مستقلّ.
وبخلاف كونه وجد في الفقه الإسلامي منارة لتوجيه بحوثه ورسالاته فقد كانت له نظرة إيجابية إلى الشريعة الإسلامية، كما ذكره محمد كمال الدين إمام أيضاً، وقد نبه إلى أن أحد تلاميذ لامبير المصريين، وهو محمد لطفي جمعة، كتب عنه في مذكَّراته:
(وقد تكلَّمنا عن الشريعة الإسلامية فأثبت لي بالأدلّة العقلية والنقلية أن ديننا هو دين تطوّر وترقٍّ).
ويحسب للامبير دعمه للسنهوري عام 1926م خلال نشره رسالة دكتوراه حول تطور الخلافة الإسلامية إلى منظومة دولية، وقد وصفها لامبير قائلاً:
(دراسة السنهورى قدمت لمعهد القانون المقارن كتاباً يفخر به في مجال الدراسات المقارنة، كما قدمت لعلم القانون المقارن والبحوث القانونية بصفة عامة أكبر خدمة علمية بإبراز مبادئ الشريعة الإسلامية الأصيلة، فيما يتعلق بنظام الدولة وأصول الحكم على حقيقتها التي يجهلها العلماء الأوربيون أو يتجاهلونها، نتيجة المحاذير السياسية ورواسب التعصب المنتسبة إلى المسيحية، وهى في حقيقتها مظهر من مظاهر الأطماع الاستعمارية).
(المصدر: موقع المثقف الجديد)