كشمير تحترق والإمارات تضع الحطب: لماذا؟
بقلم محمد أبو العينين
في 23 أغسطس/ آب 2019 قلدت الإمارات رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، وسام زايد. الوسام الذي يحمل اسم زايد آل نهيان مؤسس الإمارات، هو أرفع وسام إماراتي على الإطلاق. منحته الإمارات مودي بسبب دوره البارز في دفع العلاقات الثنائية بين البلدين. الوسام الممنوح منذ أبريل/ نيسان 2019 قررت الإمارات تقليده مودي في أغسطس/ آب 2019، في خضم الأحداث المتتابعة في إقليم كشمير. لا يحتاج الحدث إلى فطنةٍ لاستقراء الدعم الإماراتي لمودي في حملته ضد كشمير، فقد أعلنت الإمارات تأييدها المباشر لإلغاء الحكم الذاتي في كشمير. التصريحات التي دفعت باكستان إلى طرد السفير الإماراتي اعتراضًا على موقف بلاده.
المختلف في الموقف الإماراتي ليس التأييد بل الإعلان. العديد من الدول العربية اختارت التجاهل أو التأييد بصمت. ومنهم من شذَّ كالسعودية التي دعت في البداية لضبط النفس، ثم أبرمت صفقةً ضخمةً مع الهند بعد أسبوع قيمتها 15 مليار دولار. أما الإمارات فقررت أن تؤيد علانيةً وبسرعةٍ لافتة. وبينما يترقب العالم أجمع نشوب حرب بسبب القرار الهندي، فإن الإمارات وحدها ترى أن ضم كشمير خطوة ستحقق الاستقرار والسلام للجميع.
يمكن القول إن ذلك ليس غريبًا ولا تصرفًا شاذًا عن سياسة الإمارات المعتادة. فهى زعيمة كل ثورة مضادة تقمع كل ثورة حالمة يقوم بها شعبٌ ما. فالإمارات لها دور بارز في الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، المنتمي للإخوان المسلمين وتساند اللواء خليفة حفتر في لبيا ضد الحكومة الشعبية المحسوبة على الإسلام السياسي، كما ساهمت بتكوين المجلس الانتقالي الجنوبي الذي انقلب على الشرعية في عدن، وفي اليمن أيضًا أنشأت قواتها الخاصة تحت مسميّات النخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية.
كل ما سبق يمكن تبريره بأن الإمارات كانت خائفةً من تصدير الثورة. أن تنجح دولة في الشرق الأوسط من الوصول لنموذج ديمقراطي حقيقي، ومن ثم تطالب بقية شعوب المنطقة باتباعه، فيُهدد ذلك بصورةٍ أو بأخرى التغلغل الإماراتي في المنطقة. لكن المختلف في كشمير أن السكان المسلمين لا يشكلون بأي صورة هذا الخطر على الإمارات أو غيرها. ما يطرح التساؤل عن مدى الود القائم بين البلدين أو بين الرجلين، محمد بن زايد ومودي؟
متحف ومعبد
لا يمكن النظر لدوافع الإمارات وراء دعمها للهند دون المرور على السجلات التجارية بين البلدين. في أبريل/ نيسان 2019 أعلنت السفارة الإماراتية في نيودلهي أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع من 180 مليون دولار سنويًّا في سبعينيات القرن الماضي إلى 57 مليار دولار. ما يجعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند. وتسعى البلدان إلى أن يصل الرقم إلى 100 مليار دولار عام 2020، لتسبق الإمارات الصين والولايات المتحدة وتصبح الشريك التجاري الأول للهند.
وتحتل الإمارات المرتبة العاشرة ضمن المستثمرين في الهند بشكل مباشر. استثمارات الإمارات المباشرة في الهند تجاوزت 8 مليارات دولار. كما تستثمر الهند ما يُقارب 7 مليارات دولار في الإمارات. منهم 5.5 مليار دولار على هيئة استثمار عقاري في دبي. وتبلغ الشراكة غير النفطية بين البلدين 34 مليار دولار. الهند أيضًا هى أكبر مصدر للسياح الذيين يزورون الإمارات كل عام. 2.2 مليون سائح هندي يدخلون الإمارات سنويًّا، ويمثلون وحدهم 10% من إجمالي زوار الإمارات. كما يتميز التبادل الجوي بين البلدين بكثافته الشديدة، 1000 رحلة جوية أسبوعيًّا من وإلى البلدين.
كما أن الإمارات تستضيف جالية هندية ضخمة يصل عددها إلى 3.3 مليون فرد، 30% من سكان الإمارات. ويوجد 7 ملايين هندي في مختلف دول الخليج يعملون كأطباء وسائقين وعمال بناء. يقوم الهنود في الإمارات بعمليات تحويل أموال إلى الهند بلغت 14 مليار دولار في عام 2017 فقط. الجالية الضخمة التي تسعى الإمارات لإرضائها ولو بإنشاء معبد بوذي على مساحة ضخمة تُقدَّر بـ 55 ألف متر مربع. المعبد سيكون في منتصف الطريق بين دبي وأبو ظبي. كذلك اُفتتح متحف =زايد- غاندي+ الرقمي الذي يؤرخ لحياة الشيخ المؤسس وحياة الزعيم الهندي المهاتما غاندي.
بجانب الاقتصاد المترابط تجمع الهند والإمارات علاقات دبلوماسية شديدة القوة. وضع الشيخ المؤسس زايد بن سلطان حجر أساسها منذ عام 1975 بزيارة تاريخية للهند. وتوطدت العلاقة بينه وبين أنديرا غاندي، رئيسة الوزراء آنذاك، والتي زارت الإمارات عام 1981. سار الابن على خطى أبيه وزار الهند عام 2016. ثم زارها مجددًا عام 2017 كضيف الشرف الرئيسي في موكب عيد الجمهورية الهندي رقم 68. زيارة محمد بن زايد سبقتها زيارة ناريندا مودي للإمارات عام 2015، وتبعتها زيارتان عام 2018 و2019.
ضد باكستان
الزاوية الأخرى التي يمكن تفسير الموقف الإماراتي بها أن الاختيار بين الاصطفاف مع الهند أو باكستان. والإمارات أقرب للهند في كل شيء عن باكستان. فلم تكن باكستان بل كانت الهند هى من سمحت للإمارات باستخدام مستشفياتها لعلاج جنود التحالف المصابين سرًّا. كما أن الإمارات تخاف من التقارب الصيني الباكستاني المتزايد في الآونة الأخيرة. التعاون المتمثل في الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني، درة تاج مشروع الحزام والطريق الصيني. المشروع الذي قد يجعل ميناء غوادر ينافس موانئ دبي شديدة الحيوية بالنسبة للإمارات.
وإذا وسَّعنا الرؤية نجد باكستان ليست حليفًا إسرائيليًّا جيدًا، وتبدو غير منصاعة بصورة كاملة للولايات المتحدة. على العكس من الهند والإمارات المشتركين في كونهما يدعمان إسرائيل والولايات المتحدة. حتى لتبدو الدول الأربعة أشبه بالأسرة المتفاهمة، وباكستان فرد الأسرة العاق. ومن أجل حفاظ الإمارات على علاقتها بالأسرة اتخذت موقفًا مناصرًا لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
كفاح فلسطين وكشمير متشابه في جوهره، وتزيد فلسطين أنها ذات أهمية قصوى للعالم الإسلامي ويعرفها حتى من لم يسمعوا عن أحداث كشمير. لكن لم يمنع ذلك الإمارات من اتخاذ موقفها المناهض للقضية الفلسطينية، فلا يمكن إذن التوقع أن تتخذ موقفًا مختلفًا من قضية كشمير.
لا ينفي ذلك أن هناك عددًا من الاستثمارات المشتركة بين باكستان والإمارات. الاستثمارات التي ستجعل الإمارات تحاول إقناع المسئولين الباكستانيين بأن كشمير مسألة جانبية يجب ألا تؤثر على العلاقة بين البلدين. وحجم الاستثمارات سيجعل باكستان تقتنع، لكن بالتأكيد بعد عدة مواقف إعلامية مثل إلغاء زيارة رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني صادق سنجراني للإمارات بعد تكريم مودي. الإمارات تريد أن تحافظ على موطئ قدم لها في وجه الصعود الصيني، وباكستان تحتاج مليارات الدولارات الإماراتية.
المصالح تتصالح
تحاول باكستان جاهدةً ابتلاع الغصة التي سببها موقف السعودية والإمارات. مناشداتٌ باكستانية عدة للدولتين أن يسمعا لباكستان ويحاولا تفهم مخاوفها، لكن دون رد من الدولتين. فالنظرة الخليجية لباكستان تتمحور حول كونها دولةً مسكينة ومتطلبة. فبينما وعد ولي العهد محمد بن سلمان باستثمار 100 مليون دولار في الهند، وعد باستثمار 20 مليون في باكستان. وتجارة السعودية مع الهند تجازوت 27 مليار دولار، بينما وصلت بشق الأنفس إلى 7 مليارات فقط مع باكستان.
وفي عام 2018 تلقت باكستان أكثر من 8 مليارات دولار على هيئة منح من كلٍّ من السعودية والإمارات. كما أن العمالة الباكستانية في الدولتين تعامل معاملة المساكين وعمَّال الدرجة الثانية مثل الفلبين وبنجلاديش. فتحويلاتهم البنكية وصلت 5 مليارات دولار، بينما تحويلات الهنود 13 مليار دولار. لذا لم تمنح السعودية أي مسئول باكستاني جائزة مدنيةً مثلما منحت مودي وشاح الملك عبد العزيز، أعلى جائزة مدنية في الرياض.
ستنجح باكستان في تجاوز تلك العثرة في علاقتها مع الخليج، كما تجاوزت عثرةً أشد في علاقتها مع الصين. فلأجل تعاون دائم ومثمر في مشروع الحزام والطريق تجاهلت باكستان ما تفعله الصين مع مسلمي الإيجور. كما لم تتحدث باكستان عن الخراب الحادث في اليمن، من أجل الإبقاء على علاقة سلسة مع الإمارات والسعودية. وربما تقتنع بأن موقف السعودية والإمارات ناجم من خوفهما من التمدد الإيراني في المنطقة. إيران التي وجهت توبيخًا شديدًا على لسان مرشدها الأعلى لما تفعله الهند. في محاولة لاجتذاب قلوب أكثر من 15% من سكان كشمير ينتمون للمذهب الشيعي.
الأعين تترقب باكستان، لا لأن موقفها قد يُغيّر كثيرًا، لكن لأنه الموقف الوحيد الذي يتحرك حتى الآن. أما الإمارات والسعودية فلن يتراجعا عن دعمهما للهند. والهند لن تتراجع عما تريده من كشمير، خاصةً وقد عزلت الإقليم عن العالم فلم يعد أحد يدري ماذا يحدث هناك. والديمقراطية في عُرف دول الخليج دائمًا حرام.
(المصدر: موقع إضاءات)