بقلم عبد الباسط الشيخ إبراهيم
كان عامر بن الظرب العدواني من عظماء العرب في الجاهلية، واشتهر بالحكمة والفصل والحكم بين المتخالفين والمتخاصمين، وكان الناس يقصدون مجلسه ليبتّ في مشاكلهم ويفتي في معضلاتهم. ومن أشهر فتاويه وحِكَمه الجاهلية أن جاءه بعض القبائل مستفتين عن معضلة أعجزتهم وهي كيفية توريث من وجدت فيه آلتا الذكر والأنثى (الخنثى) – وهي من أعقد المسائل في باب الميراث في الفقه الإسلامي كذلك -، فلم يهتد عامر إلى الجواب ولم يعرف الحل مع فطنته وسرعة فهمه ورجاحة عقله وخبرته الطويلة في مسائل التحكيم والفتيا، وطلب من مستفتيه مهلة ووقتاً ينظر فيها ليجول بفكره في تصورها ويعمل رأيه في فهمها، ليتمكن من الإجابة عنها والفتيا فيها، مع بقائهم على وفادته وحسن ضيافته مدة انتظارهم لجواب مسألتهم.
فأتى عليه أربعون يوماً وليلة لم يستطع الوصول إلى جواب صحيح وكانت له جارية تسمى سُخَيلة ترعى له الغنم وكان يذبح شاة في كل يوم لضيوفه فقالت له الجارية يا سيدي إن هؤلاء الضيوف لا يبقون لك غنماً إذا ما استمروا على حالهم فما هي حاجتهم وشأنهم؟ فقال عامر: ما لك ولهم انصرفي إلى غنمك فلما ألحت عليه أخبرها القصة قائلاً ما نزلت علي نازلة أعظم منها، عند ذلك قالت له: أين أنت يا عامر أتبع الحُكم الـمَبال (مجرى البول). أي إن كان يبول بآلة الذكر فله حكم الذكر وإن كان يبول بآلة الأنثى فله حكم الأنثى. فقال عامر لخادمته: فرجتيها عني يا سُخيلة[1].
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله معقباً على هذه القصة: هذا رجل مشرك لا يرجو جنة ولا يخاف ناراً ولا يعبد الله ويتوقف في مسألة أربعين يوماً حتى يفتي فيها، فكيف بمن يرجو الجنة ويخاف النار فينبغي عليه أن يتحرى إذا صُدِّر للإفتاء[2].
قال الإمام إسحاق بن إبراهيم الأذرعي: «في ذلك عبرة ومُزدجر لجهلة قضاة الزمان ومفتيه فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوماً ولا قوة إلا بالله»[3].
الإقدام على الفتيا والتصدر لها من غير تأهل وتأصيل علمي من المهلكات التي حذرت منها الشريعة الغراء، لأن المفتي يوقع عن الله تعالى ويخبر عنه ومن أجل ذلك تجاسر الأكابر من الجهابذة والحفاظ وأوعية العلم قديماً وحديثاً عن الولوج في هذا المعترك الخطير حتى قال الإمام مالك: «من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب»[4]. ويقول سفيان بن عيينة: «أجْسر الناس على الفتيا أقلهم علماً باختلاف العلماء»[5].
ولأجل خطورتها وعظم شأنها كان الأفذاذ من العلماء يتدافعون عنها ويحبون لو كان غيرهم يكفي عنهم قال عبد الرحمن بن أبي ليلي: «أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء إلا ودّ أنّ أخاه كفاه»[6].
فقد اعتبر العلماء أن التصدر للفتيا والإقدام عليها ليس من باب المغنم والمنح التي ينبغي الاستشراف لها بل عدوه من المصائب والبلايا العظام الواجب الابتعاد عنها والتحذير منها حتى قال الإمام أحمد: «من عرض نفسه للفتيا، فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تلجئ إليها الضرورة، قيل له: فأيما أفضل الكلام أو السكوت؟ قال: الإمساك أحبُّ إليَّ قيل له: فإذا كانت ضرورة؟ فجعل يقول: الضرورة الضرورة قال الإمساك أسلم»[7].
وحاجة الإنسان إلى الفتيا والعلم في حياته اليومية ومعاشه وكيفية التعامل مع أمور معاده وآخرته، تفوق حاجته إلى الطعام والشراب لأن الإنسان يعظم بسلامة روحه أكثر من سلامة جسمه، ولأجل تهذيب النفس وتقويمها بحسب الوحي المنزل تولى المولى جل في علاه إجابة أسئلة المستفتين في أكثر من مكان في الذكر الحكيم، قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْـمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127]. وقال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإن كَانُوا إخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176].
وأول من تصدر للفتوى هو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لأنه المبلغ عن رسالات الله تعالى للناس ففي حياته كانت الأنظار تتجه إليه ولم يكن بمقدور أحد من الصحابة الكرام مع علمهم وفقههم أن يتقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل، بل كانوا يعظمون جِنَاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان شعارهم المفضل: الله ورسول أعلم.
فقد حوت كتب السنة نماذج كثيرة في بيان منهج الصحابة في باب الفتيا في زمن الوحي فمنها على سبيل المثال حديث أنس بن مالك، يقول: «بينما نحن جلوس مع النبي في المسجد، دخل رجلٌ على جملٍ، فأناخه في المسجد، ثم عقَله، ثم قال لهم: أيُّكم محمد؟ والنبي متَّكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتَّكئ، فقال له: الرجل: ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (قد أجبتُك)، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم إني سائلُك فمشددٌ عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ في نفسك، فقال: (سَلْ عما بدا لك)، فقال: أسألك بربِّك وربِّ من قبْلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: (اللهم نعم)، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلِّي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: (اللهم نعم)، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: (اللهم نعم)، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم نعم)، فقال الرجلُ: آمنتُ بما جئتَ به، وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي، وأنا ضِمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر»[8].
والفتوى هي إخبار حكم الله تعالى في أمر ما، ولذلك يشترط العلم والمعرفة التامة لمن يريد أن يقتحم هذه الأسلاك الشائكة كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وإلا سيكون صاحبها ممن تجرأ على الله تعالى بغير علم كما قال تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣].
قال ابن القيم رحمه الله: «قد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]، فرتب المحرمات أربع مراتب: وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريماً منها وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه. ومما يدل أيضاً على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِـمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ 116 مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117].
فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه وتعالى أحله وحرمه»[9].
وقال الله تعالى أيضاً: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ 59 وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} [يونس: 59 – 60].
وكان القاسم بن محمد رحمه الله تعالى – وهو من فقهاء المدينة السبعة – يقول: «لأن يعيش المرء جاهلاً لا يعلم ما افترض عليه خير له من أن يقول على الله ورسوله ما لا يعلم»[10].
وقد حذرت السنة المطهرة ونبهت على زمن ووقت يتصدر فيه الجهال ويكون الضلال والغواية، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»[11].
ولم تتأخر هذه النبوءة النبوية كثيراً بل ظهرت بذورها في زمن مبكّر من التاريخ الإسلامي، في زمن التابعين فقد أورد الإمام ابن عبد البر في كتابه أن رجلاً دخل على ربيعة الرأي فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ وارتاع لبكائه، فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ثم قال: «ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالحبس من السُّرَّاق»[12].
إلا إن كثيراً من العلماء الذين اتفقت الأمة على إمامتهم وجلالة قدرهم في الفهم والفقه رفضوا الاستجابة لمطالب المستفتين وعدم الانجرار بمدح الناس وحسن الظن الناس بهم، فهذا أحد الأئمة السبعة فقهاء المدينة النبوية الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، يأتيه رجل فيسأله عن شيء، فقال: لا أحسنه، فجعل الرجل يقول: إني دفعت إليك لا أعرف غيرك، فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه [أي: الجواب]، ثم قال: والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به»[13].
وأقوال العلماء والديانة والورع في هذا الباب كثيرة لا تعد ولا تحصى، فهذا الإمام ابن القيم رحمه الله يقول: «لما كان التبليغ عن الله يعتمد العلمَ بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضيّ السيرة عدلاً في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكر فضله ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات»[14].
وقد علم بالتجربة أنه لا يستشرف أحد مقام الإفتاء ولا يحرص عليه إلا أورث الندامة، يقول الخطيب البغدادي: «وقل من حرص على الفتوى، وسابق إليها، وثابر عليها إلا قل توفيقه، واضطرب في أمره، وإذا كان كارهاً لذلك غير مختار له ما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في فتواه وجوابه أغلب»[15].
واليوم يتعرض موقع الإفتاء ومكانة المفتين إلى اختبار كبير حيث دخل فيها من ليس من أهلها، وخاصة بعد انتشار الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتوفر الكتب ونشر فتاوى العلماء قديماً وحديثاً مطبوعة أو عبر الإنترنت، وضعف الوازع الديني، وحب الشهرة والتصدر، وعدم وجود هيئات رسمية أو شعبية تسهر في مراقبة أخلاقيات وأحوال من يقومون بالإفتاء ظهر في الساحة الإسلامية من يجيب عن كل واردة وشاردة، ويستحيي أن يقول لا أعلم ولا أعرف حتى لا تهبط شهرته وهيبته بين الناس، لأن رضا الناس وحفظ حظوظ النفس أصبح اليوم يتقدم على الديانة والورع إلا من رحم ربك.
فاليوم يتم التناول أو النقاش والإفتاء بمسائل جليلة وعظيمة تتعلق بالدماء والأعراض والأموال، أو معضلات التكفير والتفسيق والتبديع أو ما له علاقة بأحوال الناس الدقيقة في دينهم ودنياهم أو ما يمس مصالح الأمة الكلية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو كيفية إدارة العلاقة مع الأمم والأجناس الأخرى في حالتي السلم والحرب، والحفاظ على المصالح الكبيرة، وتفويت المفاسد وتقليلها، وغيرها من مسائل كبيرة لا يمكن تعدادها هنا، مما يتطلب فتوى جماعية، لا ينفرد بها شخص أو جماعة معينة مهما كان مبلغ علمهما وفقهها وقد يحتاج علماء الشريعة وأئمتها في الفتوى في هذه المسائل الجليلة والنازلة في بعض الأحيان إلى الاستعانة وإشراك غيرهم من خبراء ومتخصصين في علوم دنيوية بحتة، لكي تكتمل صورة المسألة بشكل واضح حتى تقع الفتوى في مكانها الصحيح لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
فهذه المسائل التي أشرنا إليها آنفاً يتم تناولها على الملأ وأمام العامة من دون مراعاة لشروط الفتوى وآدابها، وقد يتولى القول فيها من لم يثبت بعد قدمه في ميدان العلم والمعرفة ولم يتمكن من امتلاك أصول العلم وآلاته الموصلة إليه، بل وجد من يعتمد على النصوص المترجمة إلى اللغات الأجنبية – مع قلتها – ليفتي في هذه المسائل العظيمة.
وأخيراً يجب على حكام المسلمين وعلمائهم الوقوف أمام هذه الظاهرة التي أضرت وأساءت إلى مقام العلماء ومركز الإفتاء، وحملت العامة على التجرؤ على ثوابت الدين وكلياته وسننه، ورحم الله تعالى الإمام الخطيب البغدادي حيث قال: «ينبغي لإمام المسلمين أنْ يتصفح أحوال المفتين، فمَن كان يصلح للفتوى أَقَرَّهُ عليها، ومَن لم يكن مِن أهلها منعه منها، وتقدّم إليه بأن لا يتعرَّض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها»[16].
حفظ الله الإسلام والعلم والعلماء.
كان القاسم بن محمد: «لأن يعيش المرء جاهلاً لا يعلم ما افــترض عليــه خير له من أن يقول على الله ورســوله ما لا يعلم».
قال الإمام مالك: «من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب».
(المصدر: مجلة البيان)