ملخص كتاب: (الصهيونية النصرانية .. دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية)
تأليف: أ.د محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي
الأستاذ بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض
كتاب حريٌ أن يهتم به الباحثين والمختصين بالدراسات اليهودية والأديان، وكذلك السياسيين ، وفق الرؤية الشرعية، حيث استطاع الباحث دراسة مذهب “الصهيونية النصرانية” دراسة عقدية تأصيلية، تبين ماهيته ومصادره، وأهم مبادئه وأفكاره، مما يعين على الإطلاع على حقيقته، والرد عليها، وفي ذلك حماية للأمة، وصيانة لها من أعدائها.
ولا شك أن “الصهيونية النصرانية” هي أحد المذاهب المعاصرة والتي لها آثارها السيئة على المسلمين، مع جهل أكثر الناس بهذا المذهب، يقول أ.د محمد بن عبد العزيز العلي: “نعم هناك كتابات حول الصهيونية، إلا أنها تتحدث عن الصهيونية اليهودية لشهرتها، أما الصهيونية النصرانية فإن الكتابة فيها قليلة، ومبثوثة في موسوعات ومجلات متفرقة، فضلاً عن خلوها من الدراسة في ضوء العقيدة الإسلامية، وهي هدف رئيس في هذا البحث.
وقد قسم الباحث الكتاب إلى مقدمة وتمهيد وستة فصول وخاتمة. وألخص الكتاب بالآتي :
ما هي الصهيونية النصرانية؟ ومتى نشأت؟ وما مصادرها ؟وما هي أهم مبادئها و أفكارها ؟ وما العقائد التي تشترك فيها مع الصهيونية اليهودية؟ وما هي وسائلها, التي تسلكها في العمل لتحقيق أهدافها؟ وما هي موقفها من غيرها, من بعض الديانات والطوائف الأخرى؟ وما موقف غيرها منها؟ وما واجب المسلمين تجاهها؟ (1)
“الصهيونية ” التيار أو الاتجاه, الذي يعمل من أجل إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين وما حولها, ويهدف هذا الاتجاه إلى جمع اليهود,ولم شملهم وتهجيرهم إلى فلسطين؛ لتأسيس دولة يهودية فيها.
وأما كلمة ” النصرانية فهي نسبة إلى طائفة من النصارى, الذي يزعمون بأنهم أتباع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام, والحقيقة أنهم حرفوا وبدلوا ما جاء به من الله تعالى, فلم يعودوا أتباعا للمسيح عليه السلام.
أما مصطلح” الصهيونية النصرانية” فهو اتجاه يضم طوائف من النصارى, أغلبهم من البروتستانت , يعتقدون ضرورة العمل على جمع اليهود من العالم كله, وتهجيرهم إلى فلسطين, وإقامة دولة لهم هناك, إذ يعتقد ذلك الاتجاه الصهيوني النصراني, أن إقامة دولة لليهود في فلسطين شرط لتحقيق الخلاص, إي انه شرط لمجيء” المخلص ” عيسى بن مريم عليه السلام, آخر الزمان. كما أن الصهيونية النصرانية تعتقد أن مجيء المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام مشروط بإقامة دولة لليهود في فلسطين, تكون القدس مركزا وعاصمة للدولة اليهودية, التي ستقيم الهيكل رمزا لها, والذي لا بد أن يبنى على أنقاض المسجد الأقصى.
وتعتقد هذه الطوائف الصهيونية النصرانية, وجوب الإسراع بطلب مجيء المسيح المخلص ” عيسى بن مريم”, إذ قرب وقت مجيئه , وبالتالي فلا بد من الإسراع في تحقيق إقامة دولة لليهود, في فلسطين, واتخاذ القدس عاصمة لهذا و بناء الهيكل, تمهيدا لمجيئه واستقباله.
وقد قيل في تعريف الصهيونية النصرانية بأنها: ” حركة قومية تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين, وسيادة اليهود على الأرض”, ولهذا فإن الصهاينة النصارى يوجبون على أنفسهم الدفاع عن اليهود ودولتهم إسرائيل, ويتضمن هذا الدفاع: دعم اليهود بالمال والسلاح, ومعارضة كل من يعادي أو ينتقد دولتهم, ولهذا قيل في تعريف هذا المذهب تعريفا مختصرا, وهو أن الصهيونية النصرانية هي” الدعم المسيحي للصهيونية ” اليهودية.
ولهذا فإن أهم التعاليم والمبادئ, التي تقوم عليها الصهيونية النصرانية ما يلي:
1- اليهود شعب الله المختار, أعطاه الرب فلسطين حقا له.
2- عصمة الكتاب المقدس, وبخاصة العهد القديم, ووجوب تفسيره حرفيا.
3- المسيح سيأتي إذا اجتمع اليهود في فلسطين ليحكم العالم, من هناك مدة ألف عام.
4 تجميع اليهود في فلسطين, والإعانة على إقامة دولة لهم فيها.
5- القدس عاصمة دائمة لإسرائيل, إلى أن يأتي المسيح.
6-بناء هيكل ثالث على أنقاض المسجد الأقصى.
7- على جميع الحكومات أن تعترف بإسرائيل, لتدعمها دوليا, ومعارضة أي مقاطعة لها.
8-على جميع الدول نقل سفاراتها إلى القدس.
9- على جميع الحكومات والشعوب أن تكف عن تسليح أعداء إسرائيل.
10- على جميع الحكومات أن تمنع إي معارضة جادة لإسرائيل, كما أن عليها أن تستضيف إي فرد أو جماعة قد تهدد أمنها, ووصفهم بأنهم إرهابيون.
11-تشجيع توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربية.
12- الرب يحاسب الصهاينة النصارى وحكوماتهم, بمقدار حمايتهم لدولة اليهود, ودعمهم لها.
وهذه هي المعالم للصهيونية النصرانية, قديما وحديثا. (2)
ما هو المذهب البروتستانتي ؟
هو مذهب نصراني نشأ عن ما يسمى بحركة الإصلاح الديني داخل النصرانية, لا ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية, ولا إلى كنيسة شرقية, يدعو إلى الأخذ من الكتاب المقدس عندهم مباشرة, لا من قرارات المجامع وأراء الباباوات, فكل نصراني له الحق في تفسير وفهم الكتاب المقدس عندهم, دون الرجوع إلى رجل الكنيسة, كما أن هذا المذهب ينكر أن يكون لرجل الكنيسة الحق في غفران الذنوب, كما أنه يلغي نظام الرهبنة, إلى غير ذلك مما دعا إليه من مبادئ و أفكار.
مؤسس هذا المذهب هو مارتن لوثر (1483-1546), ولهذا بدأ إطلاق اسم ” اللوثريين) أو المذهب ” اللوثري” منذ القرن السادس عشر الميلادي للإشارة إلى جماعات البروتستانت, الذين يرتكز إيمانهم على مبادئ وتعاليم مارتن لوثر, على الرغم من أ، مارتن لوثر نفسه قاوم هذه التسمية.
فالمذهب البروتستانتي, بأفكاره وتعاليمه, نشأ منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي, تقريبا, ثم تغلغل في التفكير الأوروبي والغربي, وأثر في كثير من القرارات السياسية, والفكرية, وهو الذي شجع أفكار الصهيونية اليهودية على الظهور والإعلان عن نفسها (3).
مارتن لوثر ودعوته واعتقاده بأفكار يهودية منها:
1- أن اليهود أبناء الرب وأحباؤه .
2- أن اليهود شعب مختار من الرب, وهذه أخذها من التوراة ا لمحرفة.
3- أن غير اليهود كالكلاب التي تعيش على فتات موائد اليهود, وهذه أخذها من التلمود. (4)
فقد تسربت إلى العقيدة النصرانية عقائد يهودية صهيونية أسهمت في إحياء الصهيونية النصرانية, ومن أهم تلك العقائد ما يلي:
1- إن اليهود هم شعب الله المختار, وأنهم يكونون بذلك الأمة المختارة والمفضلة على جميع الأمم.
2-الإيمان بأن ثمة ميثاقا إلهيا ووعدا ربانيا سرمديا أعطاه الرب لإبراهيم عليه السلام, ثم ذريته اليهود من بعده, بأن فلسطين حق خاص ودائم لليهود.
3- الاعتقاد بأن عودة المسيح ثانية مرتبطة بقيام دولة يهودية على أرض فلسطين, والتي لا بد أن تسبقه, وأن على النصارى أن يعملوا على جمع اليهود في فلسطين, وإقامة دولتهم على أرضها, ودعمها وحمايتها, حتى مجيء المسيح (5).
أسباب عناية الصهاينة النصارى بالصهاينة اليهود, وتأييدهم, ودعمهم, وحمايتهم, كثيرة وظاهرة, أجملها فيما يلي:
السبب الأول : وهو السبب الرئيس للاحتضان والدعم والحماية, بل وهو ما يفسر تخبط الحكومات الصهيونية النصرانية في حربها ضد المسلمين في جميع بقاع العالم, تحت شعارات لا تخفى على القارئ, وهو سبب التراث الديني المشترك بين اليهود والنصارى, وهو ما يوجد في كتابهم” العهد القديم” أي التوراة والأسفار اليهودية, المحرفة طبعا, والمفسرة بما تهوى أنفسهم و تتوافق مع مصالحهم.
السبب الثاني: التغلغل اليهودي” اللوبي الصهيوني” في الدول والمجتمعات النصرانية الأوروبية و الأمريكية, وهو نفوذ شامل في جميع المجالات, الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية.
السبب الثالث: الخوف المشترك بين اليهود والنصارى من الإسلام والمسلمين؛ وبخاصة وهو يرون سرعة توسعة, وإقبال الناس على الدخول فيه, حتى في بلدانهم؛ ولهذا يصورون الإسلام على أنه الخطر القادم عليهم.
السبب الرابع: توافق الأهداف الاستعمارية الغربية مع الأهداف اليهودية في السيطرة على العالم , فهناك مصالح مادية مشتركة بين صهاينة النصارى, وصهاينة اليهود, فإقامة دولة صهيونية يهودية, في الشرق الأوسط, وعلى إحدى البقاع المقدسة عند المسلمين, هي فرصه استعمارية إمبريالية كبيرة للعالم الصليبي الأوروبي والأمريكي, يسهل لهم الهيمنة على المصادر المائية والبترولية, وخيرات العالم الإسلامي. (6)
العهد الجديد مصدر رئيس للصهيونية النصرانية :
المصدر الرئيس لأفكار الصهيونية النصرانية, هو ” العهد القديم” إذ يستقون منه تعاليمهم وعقائدهم, وبخاصة المتعلق منها بنهاية الزمان وقيام دولة اليهود, ومجيء المسيح, وما يتعلق بذلك من أحداث. أما ” العهد الجديد” فهو مصدر رئيس, إلا أنه يفهم وفق النصوص التوراتية, ويؤخذ بتعاليمه ويستشهد بها, بما يتوافق وتفسيرات العهد القديم, ولهذا نجد المحرك الأول للصهاينة النصارى هو” العهد القديم” لاعتباره أصلا تفرع عنه” العهد الجديد” ؛ ولهذا يقوم أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني في فلسطين” ديفيد بن غوريون” :” إن الكتاب المقدس المسيحي هو صك اليهود لملكية فلسطين ” ؛ فمثلا تعتقد الصهيونية اليهودية بأن” إعادة بناء الهيكل” في فلسطين سيؤدي إلى مجيء ا لسميح, وهو ملك من نسل داود, يحكم اليهود, بينما تعتقد الصهيونية النصرانية بأن بناء الهيكل سيعجل بمجيء المسيح عيسى عليه السلام, ومن ثم فهم يتعاونون مع اليهود من أجل الوصول إلى ذلك الهدف, هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه, ثم انتظار مجيء المخلص.
ويقول أحد اليهود لأحد الصهاينة النصارى :” إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية, وتحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى, فنبدأ أولا ببناء الهيكل, وبعد مجيء المسيح, ورؤيته, نسعى لحل القضايا المتبقية سويا” (7).
أهم مبادئ الصهيونية النصرانية :
- دعوى عصمة الكتاب المقدس عندهم :
بعهديه , وادعاء عصمته من الخطاء, وقد جاء هذا الاعتقاد ردة فعل ضد طغيان الكنيسة الكاثوليكية وتسلطها؛ إذ ادعت أنه لا يفهم الكتاب المقدس على حقيقته إلا بعض رجالات الكنيسة, ولا يحق لأحد تفسيره وشرحه إلا هم, ومن ثم شرعوا لذلك صكوك الغفران والحرمان (8).
- دعوى ألوهية المسيح و أنه ابن الله تعالى الله عن ذلك :
يعتقد الصهاينة النصارى ألوهية المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام, ويعبدونه مع الله تعالى, ويقولون بأنه ثالث ثلاثة, وهو بذلك يسيرون على نهج أسلافهم النصارى المحرفين لكتابهم, المنحرفين عن الدين الحق الذي جاء به عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام من الله تعالى (9)
- القيامة الجسدية, والمجيء الثاني للمسيح :
يعتقد النصارى بوقوع ” القيامة” أي بقيام المسيح عيسى بن مريم ومجيئه إلى العالم مرة ثانية آخر الزمان.
ويعتقد الصهاينة النصارى بأن المسيح سيأتي لأهداف وأعمال محددة وهي:
1- من أجل أن يظهر مجده ومجد شعبه, ويعلن عن ذاته وأتباعه, لأنهم لم يروه منذ زمن بعيد.
2- لينقذ الخليقة ويباركها
3- ليقيد الشيطان
4- ستقدم الوحوش بقيادة النبي الكذاب لحرب اليهود وتحطيم أورشليم, فإذا أوشكوا على النصر نزل المسيح من السماء, فحطمهم, وانتصر عليهم هو وأتباعه, وبهذا يمهد لظهور مملكة عالمية جديدة.
5- ليخلص من بقى من اليهود, ويضع معهم عهدا جديدا, إذ سينتصرون ويدخلون في المملكة الجديدة.
6- ليحاسب الأمم, ويجازيهم بعد معركة هرمجدون .
7- ثم يحقق الغاية الكبرى, وهي قيامة المملكة الأرضية, وعاصمتها القدس (10)
- دعوى إيمان اليهود بالمسيح في آخر الزمان :
التزام الصهيونية النصرانية بتفسيرات الكتاب المقدس الحرفية أنتجت لهم الاعتقاد بأن اليهود سيجتمعون في فلسطين, قبيل نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام, فإذا أنزل قتل أعداءه من غير النصارى ومنهم اليهود, كما أن أكثر أمم الأرض سيقتل في المعركة الكبرى السابقة لنزل المسح مباشرة, كما أنهم يعتقدون أن طائفة من اليهود ستبقى ولن تموت في تلك ا لمعركة وإنما سيدخلون في النصرانية حينئذ, ومن ثم فسوف يعيش النصارى مع اليهود المنتصرين, مع السميح في القدس مدة ألف عام. فالصهيونية النصرانية تعتقد بضرورة اجتماع اليهود في فلسطين واتخاذ القدس عاصمة لهم تمهيدا لتنصير من لن يقتل منهم (11).
الحق الوارد في مكث عيسى بن مريم عليه السلام :
الحق الثابت في دين الله تعالى, الذي جاء في شرع خاتم الأنبياء والمرسلين, أن عيسى عليه السلام سينزل آخر الزمان ويقود الطائفة المصورة لقتال الدجال, الرجل اليهودي, قائد اليهود وملكهم, ثم ينتصر المسلمون, ويحكم فيهم عيسى بن مريم بشريعة محمد عليه الصلاة و السلام (12).
هل اليهود شعب الله المختار؟
الحق أنه ليس هناك شعب معين, اختاره الله سبحانه وتعالى, لميزة في ذاته دون بقية الشعوب الأخرى, كما يدعي الصهاينة من اليهود والنصارى, فالشعوب كلها , والناس كلهم مخلوقين من تراب, فهم متحدون في المنشأ, كما قال تعالى((الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14))) (المؤمنون, الآيات[11-14]) أما التفاضل فهو بالتقوى فقط, قال سبحانه((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) )) (الحجرات, الآيات[13]) وقد ذكر الله تعالى في كتابه, القرآن الكريم, أنه اختار بني إسرائيل ليقوموا يحمل رسالته, في عهد تلك الرسالة, وفضلهم بذلك على العالمين في زمانهم, لتحمل تلك الرسالة, لا بسبب عنصرهم, أو عرقهم, أو سلالتهم, وإنما كان تكليفا لبني إسرائيل و اختيارا وابتلاء لهم, أيشكرون, أم يكفرون, قال تعالى:(( وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ (33) )) (الدخان, الآيات 32-33) وقد أخفقوا بعد ذلك في هذا البلاء والاختبار ,بما حرفوا في دين الله, وبما عصوا وكانوا يعتدون , قال تعالى: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) )) (المائدة, الآيات[78-79]) وكتبهم أنفسهم تعترف وتقر بلعن الرب لهم, وفي ذلك نصوص كثيرة, في أسفارهم (13).
عقيدتهم في لإقامة دولة يهودية :
اجتماع اليهود في فلسطين وإقامة اليهود دولة لهم للإسراع بالمجيء الثاني لمسيح
يشترك الصهاينة النصارى مع الصهاينة اليهود في الاعتقاد والعمل من أجل اجتماع اليهود في فلسطين و إقامة دولة لهم فيها, واتخاذ القدس عاصمة ومركزا رئيا لدولتهم.
أما اليهود, فيعتقدون ذلك,ويعملون من اجله؛ لاعتقادهم بأن الله سبحانه وتعالى عقد عهدا وابرم وعدا مع إبراهيم عليه السلام , على أن تكون فلسطين ملكا له ولذريته من اليهود فقط , ويستدلون على ذلك بنصوص من كتبهم المحرفة, المقدسة عندهم. أما النصارى فيرون أنهم هم الأحق بفلسطين ؛ و أنها لهم , إلا أنهم يرون أنها البلد الأصلي لليهود,وأن الله جل وعلا, قدر أن اليهود سيجتمعون فيها ويقيمون دولتهم, ويتخذون القدس عاصمة لها, ويقيموا هيكلهم, وذلك في آخر الزمان, قبيل مجيء السميح ثانية إلى الأرض, فهم –أ عنى النصارى – يسعدون باجتماع اليهود في فلسطين, ويشجعونهم علة, ويعملون من أجله؛لاعتقادهم أن ذلك أمر مقدر من الرب, تمهيدا لمجيء المسيح, وتمهيدا لتنصير اليهود؛ إذ يعتقدون أن بعضا من اليهود سيدخل النصرانية عند قدوم المسيح عليه السلام (14).
تعقيب على هذه العقيدة:
زعم الصهاينة, من اليهود والنصارى, ملكية فلسطين لليهود, زعم باطل مخالف للوحي والعقل والواقع.
وإبراهيم عليه السلام لم يكن يهوديا ولا نصرانيا, وإنما كان حنيفا مسلما موحدا لله تعالى, ونبيا من أنبيائه , كما قال تعالى ” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ” ( آل عمران 67).
كتب اليهود والنصارى محرفة, كما هو معلوم, فأين لنا التصديق بذلك الوعد والعهد, ولو فرض صحته جدلا, فقد أعطى له ولم يكن له ولد سوى إسماعيل, وقبل أن يولد إسحاق, فالوعد, إذا لإسماعيل جد العرب, دون غيره .
ثم إن اسم اليهود لم يكن معروفا في عهد إبراهيم, عليه السلام ولا عهد إسحاق عليه السلام, وإنما كانوا معروفين بالعبرانيين, ثم أطلق عليهم اسم اليهود نسبة ليهوذا الابن الرابع ليعقوب عليه السلام, ثم أصبحت الكلمة تطلق على رعايا مملكة يهوذا, التي نشأت تحت رعاية الاحتلال الفارسي لفلسطين, ثم أطلقت فيما بعد على كل من يعتنق الديانة اليهودية, وقيل غير ذلك في سبب إطلاقها (15).
ثم إن المتتبع لكتابات اليهود وكتبهم يجد أنهم يحولون الوعد المزعوم من نبي إلى آخر, حسب مصالحهم, فقد نسبوه إلى إبراهيم, ثم نسبوه إلى إسحاق, ليخرجوا إسماعيل, ثم نسبوه إلى يعقوب, ثم حولوه إلى داود .
والأرض التي يطلق عليها أهل الكتاب أرض الموعد, هي الأرض التي وعد الله الصالحين من ذرية إبراهيم عليه السلام, ليؤموا بها العالمين بالدين الصحيح, وذلك في قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام((قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) ( البقرة, 124), وكان الصالحون من ذرية إبراهيم عليه السلام, هم أبناء إسحاق وأبناء إسماعيل, أي بنو إسرائيل والعرب, ولقد تناوبوا على وراثة الأرض وراثة شرعية بحسب تمسكهم بالدين بالحق (16).
حدوث معركة كبرى :
يشترك الصهاينة النصارى مع الصهاينة اليهود في الاعتقاد بوقوع معركة كبرى, آخر الزمان بعد اجتماع اليهود في فلسطين, وإقامة دولة لهم فيها, بعد ذلك ستقع معركة كبرى يموت فيها أكثر أهل الأرض.
فيعتقد الصهاينة اليهود أنها ستقع حرب مدمرة, بسبب إسرائيل, وعلى أرضها , وستكون لصالحها. جاء في كتبهم المقدسة عندهم : ” في الأيام الأخيرة, عندما تتجمع إسرائيل من الأمم, سوف تتسبب في أمر ما, هذا ما سوف يحدث, إني سوف أضع صنارة في أفواه القوى المؤتلفة” .
يعتقد أولئك اليهود النصارى أن جيوشا كبيرة معادية لإسرائيل ستأتي إلى الأرض المقدسة, من جهة الشرق, وهي جيوش يطلق عليها:” يأجوج ومأجوج ” جاء في التوراة المحرفة ما نصه :” في ذلك اليوم يأتي يأجوج على أرض إسرائيل يقول السيد الرب يطلع حنقي في وجهي. وفي غيرتي ونار غضبي تكلمت, ليكونن في ذلك اليوم ارتعاش عظيم على أرض إسرائيل فيرتعش من وجهي سمك البحر وطير السماء ووحش الصحراء و جميع الدبابات الدابة على الأرض وجميع البشر الذين على وجه الأرض وتندك الجبال وتسقط المعاقل وكل سور يسقط إلى الأرض” .
والصهاينة النصارى يحددون مكان وقوع المعركة, بذكر اسمها منسوبا لذلك المكان, فهم يسمونها” هرمجدون”, فالاعتقاد بوقوع المعركة الكبرى هو اعتقاد مشترك بين الصهيونيتين, اليهودية والنصرانية, فاليهودية تعتقد بها وبأن خلاص اليهود سيأتي بعدها, بقيادة ملك يهودي من نسل داود, والنصرانية تعتقد بها وبأن خلاص النصارى سيأتي بعدها, بقيادة يسوع المخلص, المسيح عيسى بن مريم عليه السلام, وهذا الخلاص تتفق الصهيونيتان على أنه لن يتم إلا بقتل أكثر سكان الأرض في الحرب المدمرة هرمجدون, ويعتقد الصهاينة النصارى أن تلك الحرب سوف تستغرق مدة سبع سنين, وهي مدة كافية تعطي لليهود فرصة كي يروا بأنفسهم كيف ينتقم الرب من أعداء المسيح, مما يدل على صدقه, فيؤمنوا حينئذ به, كما يعتقدون, وفق إنجيلهم المحرف, أن مدة دفن جثث الضحايا, وتنظيف الأرض منها, ستستمر لمدة سبعة أشهر.
إن المؤمنين بهذه العقيدة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط يصل عددهم قرابة 90 مليون نسمه.
وعقب نهاية المعركة التي ينتصر فيها المسيح, يقبض على الشيطان ويؤسر ويسجن, وأثناء المعركة يرفع الأبرار من النصارى المؤمنين بهذه العقيدة إلى السماء لمراقبة أحداثها, من خلال السحاب, ثم يعودون سالمين إلى الأرض, ليعيشوا مع المسيح لمدة ألف سنة في الفردوس الأرضي.
نعم لقد كثرت المؤلفات, والكتابات, والمحاضرات, ونحوها من الوسائل المكثفة في المجتمع الغربي , عامة, والأمريكي على وجه الخصوص, تستثير همم المجتمع النصراني نحو انتظار معركة هرمجدون, التي يتحدث عنها كثر منهم بأنها ستكون حربا نووية, و أنها حرب عالمية ثالثة (17).
قدوم مخلص للبشرية :
يشترك الصهاينة اليهود والنصارى, بأنه سيأتي في آخر الزمان مخلص منتظر للبشرية, يحكم العالم, من أورشليم (القدس) , ومن الهيكل الثالث, رمز الدولة اليهودية حينئذ, وهو قدوم له للمرة الأولى في عقيدة اليهود, ومجيء ثان في عقيدة النصارى.
كما يتفقون على أنه لا بد أن يسبق قدومه أحداث مهمة, وهي :
1-قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل , في فلسطين.
2- اتخاذ القدم عاصمة لتلك الدولة.
3- إقامة المعبد اليهودي(الهيكل).
4-وقوع معركة كبرى(هرمجدون) (18).
عقيدة الصهيونية النصرانية في قدوم المخلص :
ويختلف الصهاينة النصارى فيما بينهم, في أسبقية مجيء المسيح المخلص على معركة هرمجدون, إذ يرى بعضهم, بل كثير منهم أن المعركة سابقة على مجيء المخلص, ولعل الأكثر على أن ا لمجيء سابق على المعركة .
كما أن كثيرا منهم يرى عدم تحديد زمن قدوم المسيح المخلص, و إنما على كل صهيوني أن ينتظر قدومه, ويتوقعه في وقت قريب, ويستدلون على ذلك بفقرات من الكتاب المقدس عندهم .
هناك أمور يعتقد النصارى ضرورة العمل على إنجازها وتحقيقها قبل قدوم المسيح ,هي ما يلي:
أولا: اجتماع اليهود في فلسطين و إقامة دولة لهم فيها.
ثانيا: احتلال مدينة القدس
ثالثا: هدم المسجد الأقصى , وبناء ” الهيكل اليهودي” مكانه.
رابعا: وقوع معركة هرمجدون.
والخلاصة أن الصهاينة من اليهود والنصارى يعتقدون القرب الشديد لمجيء المخلص؛ إذ قد ظهرت علامتان, وتحقق شرطان لمجيئه, وهما قيام دولة إسرائيل, واتخاذ اليهود عاصمة, ولم يبق عند أكثرهم إلا علامة واحدة, يسعون إلى تحقيقها بقوة وسرعة, وهي هدم المسجد الأقصى, وبناء الهيكل مكانه, وبعد ذلك مباشرة, سيأتي المسيح المخلص؛ ليقود اليهود في حربهم, في معركة هرمجدون, ضد الأمم الأخرى, كما هو معتقد للصهاينة اليهود, أو سيقود النصارى في حربهم أعدائهم, كما هو معتقد الصهاينة النصارى (19).
وسائل الصهيونية النصرانية التغلغل في منافذ القرار :
- المؤتمرات والندوات .
- وسائل الإعلام .
- الهيئات العامة والجمعيات .
- الهيمنة الاقتصادية (20).
موقف الصهيونية النصرانية من المسلمين :
لقد توجهت جهود صهيونية كثيرة للنيل من الإسلام والمسلمين, ولكون أقوى سلام لهدم كيان أمة هو النيل من عقيدتها ومنهج حياتها, فقد توجهت جهود الصهاينة للطعن في دين الأمة المسلمة, والتشكيك في عقيدتها, ومصدر تلقيها.
وعملت الكتابات الصهيونية مع قرارات الدول الصهيونية لإبعاد المسلمين عن منافذ القرار, والتأثير بكافة صوره ومجالاته, وتعدى ذلك إلى تشويه عقيدتهم والحط من شريعتهم, و إثارة الشبه حول رسولهم, وكتابهم القرآن الكريم.
ولا عجب في ذلك, فإن المسلمين يعتقدون أن فلسطين بلدا إسلاميا, فيه أولى القبلتين وثالث المسجدين, الذي أسرى إليه بمحمد عليه الصلاة والسلام, وعرج به منه إلى السماوات العلا.
وهذا ما يتناقض مع جميع المبادئ والمعتقدات الصهيونية النصرانية, التي تعطي الحق في ذلك لليهود, ثم للنصارى. ولقد استطاعت الصهيونية على صنع وتشجيع ملل ونحل, قد تنتسب إلى الإسلام, وهي في الحقيقة خارجة عنه , وتتعاون مع الصهيونية في تحقيق لهما وجودا ظاهرا و أثرا كبيرا في خدمة الصهيونية و أهدافها, وذلك بسبب ما تعتقده الطائفتان من عقائد تؤيد كثيرا من أفكار الصهيونية ومخططاتها (21).
واجب المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية :
أولا: إن أعظم الواجبات, التي تجب على المسلمين جميعا, في جميع أحوالهم, ويتعين ذلك أكثر, في مواجهة الملل والنحل والمذاهب المخالفة, تربية الأمة كلها, بأفرادها و أسرها وجماعاتها, ودولها, على صحة المعتقد وسلامة المنهج, والعمل بالشرع الحنيف, بإخلاص لله تعالى.
ثانيا: تربية الأمة, بأفرادها وجماعاتها, على أن يكون حبها وبغضها, وغضبها و رضاها, في الله و لله, أعنى تربيتها على عقيدة الولاء والبراء ؛ فإن هذه العقيدة من أصول الإيمان عند المسلمين.
ثالثا: العمل بشرع الله تعالى, والتحاكم إليه, في السراء والضراء, وفي جميع الأحوال, وبجميع المجالات, السياسية و الإعلامية و الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية, فلا بد أن تكون جميع أعمال المسلمين وعلاقاتهم خاضعة لحكم الله تعالى, لأن شرع الله عز وجل لا يأمر إلا بما هو خير البشرية , و لا ينهي إلا عما فيه ضرر لها, في الدنيا والآخرة.
رابعا: ومن أعظم واجبات المسلمين تجاه أعدائهم الصهاينة, وغيرهم التسلح بالعلم الشرعي, وتفقيه الناس بدينهم؛ فإن ذلك من أبلغ الأسلحة في صيانة الأمة وحفظها من مخططات الصهيونية النصرانية وما دار في فلكها. فالعلم الشرعي الصحيح, يجعل الأمة, تعرف كيف تتعامل مع أعدائها, ومن يجاريها, أو يخطط ضدها, وتعرف السبل الكفيلة بإيقاف شرور الأعداء وإبطال تدبيراتهم.
و إن العلم الشرعي , الذي يجب أن يفطن له المسلمون, حكاما ومحكومين, أشراط الساعة, و الأحداث الكبرى, والفتن العظيمة, التي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, أعني أحداث آخر الزمان؛ إذ هي من أكبر المسائل التي تدور عليها مبادئ وعقائد الصهيونية النصرانية, وعلى ضوئها وضعوا خططهم المستقبلية, إلا إن تلك الأخبار والحوادث الإسرائيلية الصهيونية التي تحدثوا عنها وتوقعوها, وبنوا عليها أفكارهم وعقائدهم, هي أخبار أخذوها من كتابهم المقدس عندهم, وهو كتاب محرف, كما لا يخفى, وخلطوا تلك الأخبار بأفهامهم وتفسيراتهم و فصنفوها لمصالحهم.
فكان الواجب على المسلمين أن يتعلموا العلم الصحيح الثابت من الوحي, في تلك الأحداث الكبرى, والوقائع العظمى, وبخاصة الحروب والفتن مع اليهود والنصارى والدجال, ويأجوج ومأجوج, وغير ذلك من أشراط الساعة وعلامات قرب وقوعها, مما لا يمكن أن يعرف إلا عن طريق الوحي المعصوم.
خامسا: إعداد القوة, وتربية الأمة على الجهاد في سبيل الله, ونشر فضائله وضوابطه, والعلوم المتعلقة به, ففيه العزة والنصر والتمكين, وفيه إذلال المحاربين والمتآمرين, قال تعالى” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم و أنتم لا تظلمون ” ( الأنفال, 60)
وهذا الإعداد, لا بد أن يتضمن التخطيط الدقيق مع الإعداد المعنوي والنفسي, و الإعداد العسكري, بحيازة الأسلحة اللازمة, والمناسبة للوقت, مع أخذ الحذر, قال تعالى:( يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) ( النساء, 71) ؛ ولا بد أن يكون الإعداد للجهاد متلازما مع العلم الشرعي, والعمل الصالح, والإخلاص لله تعالى .
سادساً : يجب على المسلمين أن يكون بغضهم وجهادهم وقتالهم للصهاينة النصارى, وغيرهم من الأعداء, ودفاعهم عن مقدساتهم, والسعي لتحرير المسجد الأقصى وبلاد المسلمين, من الكفار, كل ذلك يجب أن يكون الهدف منه إعلاء كلمة الله, بإخلاص تلك الأعمال له سبحانه وتعالى, وأن تضبط كل الأقوال والأعمال والشعارات بميزان الشرع الحنيف, فلا يكون القتال من أجل وطنية أو قومية أو عروبة , أو تراب, أو نحو ذلك مما قد نسمعه من شعارات جوفاء.
بل يجب أن يحرض المسلمون على إخلاص أعمالهم و أقوالهم وشعاراتهم لله تعالى, و أن يجعلوها وقف شرعة الحكيم, قال تعالى )) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ))( التوبة,123).
سابعا: يجب على المسلمين أن يحذروا من أن يخدعهم أعداؤهم, بإبعاد” الإسلام” عن المعركة بينهم, فهذا ما يريده الأعداء, ويخططون له. فالأعداء لا يريدون أن تكون الحرب بينهم وبيننا باسم الدين والعقيدة, لا يريدونها حربا إسلامية جهادية؛لأنهم يعرفون أن المسلمين, أصحاب العقيدة الصحيحة و المنهج السليم, لا يبالون في القتال, بل يقدمون عليه وهم يريدون إحدى الحسنيين, إما النصر و إما الشهادة, أما من يقاتل لدنيا أو شهرة أو شعارات غير دينية, فهو يفر من الموت ولا يريده, بل يخاف منه, ويحرص على الحياة. أما الأعداء, فقد يرغبون بني جلدتهم بأنها حرب صليبية, أو باسم التوراة أو الإنجيل و نحو ذلك, لتقوية الجانب الروحي عندهم.
تحتاج الأمة إلى متخصصين لدراسة المذهب الفكرية والتيارات العقدية, والاتجاهات الوافدة, وتتبعها كلها, ومن ثم عرضها على المعيار الحق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى ضوء ذلك يبين للناس الحق من الباطل, فيفضح الباطل ويرد على أدباره.
ثامناً : ومما يجب على المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية, وبخاصة لأحداث كبرى في آخر الزمان, وكلها ضد المسلمين وبلدانهم, ولذا أرى من الواجب أن يقوم المسلمون بإعداد مراكز كبرى في مدنهم الكبرى لدراسة وتتبع مسيرة الصهيونية النصرانية, في الماضي والحاضر, وخططها المستقبلية, وتزود هذه المراكز المختصة بدراسة شؤون الصهيونية النصرانية بمختصين مبرزين على مستوى العالم, وبكافة اللغات الحية, مع تهيئة المصادر والوسائل اللازمة لذلك.
ومن ثم دراسة النتائج, بين كل مدة وأخرى, ويبني على تلك النتائج دراسات عملية تستعد للمواجهة.
تاسعاً : وعلى المسلمين إن يبينوا للناس, بطلان مبادئ وعقائد الصهيونية النصرانية, وذلك من وجهين:
الوجه الأول: وهو عرض تلك المبادئ والعقائد على ما جاء في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, أي عرضها على الوحي المعصوم, المتلقى من الله عز وجل, ومن ثم يتبين للناس بطلان تلك الأفكار الصهيونية, ومخالفتها لما قدرة الله تعالى من وقائع و أحداث, مما جاء خبره على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين.
الوجه الثاني: بيان مخالفة تلك العقائد والمبادئ للكتاب المقدس عند أهل الكتاب, من اليهود والنصارى, فقد قامت طوائف كثيرة, من اليهود والنصارى بمخالفة تلك العقائد والمبادئ للكتاب المقدس عند أهل الكتاب , من اليهود والنصارى, فقد قامت طوائف كثيرة, من اليهود والنصارى بمخالفة أفكار الصهيونية و الاحتجاج عليها, وتبنت تلك المخالفة والردود كنائس كثيرة, وعقدت لها الندوات واللقاءات, بل قامت تيارات كبرى بالتحذير من الأفكار الصهيونية النصرانية.
فعلى المسلمين أن يتصدوا لتلك العقائد, ويبينوا تناقضها وتعارضها , ومن ثم تهافتها, وباستعمال كافة الوسائل , وبخاصة الوسائل الإعلامية, التي تبث للعالم كله.
عاشراً : على المراكز والمؤتمرات والجامعات, في العالم الإسلامي أن تعتني عناية خاصة بدراسة المذهب الصهيوني النصراني, وسبل مواجهة وتقديم المقترحات في ذلك.كرابطة العالم الإسلامي ، والمؤتمر الإسلامي ، والندوة العالمية للشباب الإسلامي ، والجامعات والمدارس والمراكز الإسلامية, في بلاد المسلمين وخارجها.
لعل هذه الوسائل الكبرى تزيد من عنايتها بحفظ كيان الأمة الإسلامية من الشرور العظيمة التي تخطط لها وتتآمر عليها الصهيونية النصرانية.
وعلى هذه المؤسسات, ورجال الأعمال, وكبار التجار, أن يعتنوا بفتح قنوات إعلامية إسلامية عالمية, تهدف إلى نشر الإسلام في بلاد الغرب؛ لأن الجهل به كبير, ووسائل أعلام أليهود والنصارى تجهل الناس به, والناس متعطشون لمعرفته, ولهذا نرى سرعة وكثرة انتشاره ولله الحمد والمنه.
كما أن على تلك القنوات, أو قنوات إسلامية خاصة, أن تتبنى نقض الأفكار الصهيونية, وتوضح تناقضها ومخالفتها للحقائق, وذلك على مستوى عالمي.
وإننا نعجب من جلد أهل التنصير في نشر نصرانيتهم, في بلدان كثيرة, مع عجز وضعف نشاط المسلمين, في نشر دعوتهم الإسلامية الحقة, والله المستعان (22).
في الختام : نقول ؛ الكتاب يستحق أن يقرأ بعناية كبيرة، لما يتمتع فيه من أسلوب علمي توثيقي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويأخذ بيد المسلمين ليفهموا عدوهم على أسس علمية، نسأل الله تعالى أن يوفق الباحث الكريم لكل خير، ويبارك في جهده وعمله، ويعينه ليقدم للمكتبة الإسلامية الكثير من الدراسات الجادة .
1- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية- أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 6-7 .
2- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 35-36-37-38 .
3- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 50-51-52 .
4- الصهيونية النصرانية -دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 67 .
5- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 105-106 .
الصهيونية النصرانية -دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص (110-115-118 )
7- الصهيونية النصرانية؛ ص ( 146-147-148 ) .
8- الصهيونية النصرانية ؛ص 177.
9- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ، ص 181.
10- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 190-192.
11- الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية-أ.د محمد بن عبد العزيز العلي ص 199 .
12- الصهيونية النصرانية ، ص 207.
13- الصهيونية النصرانية ؛ ص( 218-219-220)
14- الصهيونية النصرانية ؛ ص221.
15- أنظر : الشعب الملعون في القرآن ص 69,70 , والصهيونية وبيبتها إسرائيل ص 44 , 45 , والصهيونية والعنف ص 66 , والفكر الصهيوني والسياسة اليهودية ص 68, والصهيونية وخطرها على البشرية ص 72 – 76.)
16- الصهيونية النصرانية ؛ ص228-229.
17- الصهيونية النصرانية ص (243-244-246-247-248-251) .
18- الصهيونية النصرانية ؛ ص 260 .
19- الصهيونية النصرانية ؛ ص 268-270-271-272-273 .
20- الصهيونية النصرانية ؛ ص 277 .
21- الصهيونية النصرانية ؛ ص ( 416-418-419 )
22- الصهيونية النصرانية ؛ ص ( 499-452-453-455-456-457-460-461-469-470-471-472)
(المصدر: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية)