إعداد د. زياد الشامي
لا ينبغي أن يكون خبرا اعتياديا ونبأ عابرا يمر عليه القارئ مرور الكرام دون أن يكون له وقع أو حتى شيء من الاهتمام….إلا أنه قد أصبح كذلك مع مرور الوقت – وللأسف الشديد – إذ لم تعد قراءة خبر يومي جديد عن اضطهاد المسلمين في القارة العجوز يثير ما ينبغي من الاستهجان والاستنكار في دول ما زالت تزعم أنها رائدة الحريات وتدّعي حمايتها ورعايتها لما يسمى “حقوق الإنسان” .
لا أتحدث هنا عن الأنباء المفجعة التي تتناقلها وسائل الإعلام بشكل شبه يومي عن أهوال ما يتعرض له المسلمون في دول شرق وجنوب آسيا وفي مقدمتها “ميانمار” , ولا عن المآسي التي خلفتها الحرب الشرسة المستمرة منذ أكثر من ست سنوات على الشعب السوري , ولا عن مثيلتها في العراق وأفغانستان و….. وإنما عن الأنباء اليومية التي تؤكد تفاقم أزمة المسلمين في أوروبا و تنامي محنتهم و تضاعف موجة الكراهية والعنصرية ضدهم .
يكفي أن يطالع القارئ الكريم بعض أخبار اليوم أوالأمس عن أحوال المسلمين في القارة العجوز ليتأكد له حجم معاناتهم التي تزداد وتتفاقم كل يوم , ففي الدنمارك مقترح يقضي بإغلاق جميع مدارس المسلمين وتعديل التشريع الدنماركي لمنع فتح مدارس جديدة لهم في المستقبل , وفي اليونان يعاني المسلمون من عدم وجود أي مسجد لهم في العاصمة أثينا ناهيك عن عدم وجود مقبرة لدفن موتاهم , وفي بريطانيا يستيقظ المسلمون هناك على وقع خبر إطلاق سراح السلطات لــ “إرهابي” هدد المسلمين بالقتل علنا …….الخ .
المقترح الدنماركي يدعو إلى سحب التمويل الحكومي من جميع المدارس التي تصل فيها نسبة الطلبة من خلفيات أجنبية لنحو 50% ، وهو ما يعني إغلاق جميع المدارس الإسلامية البالغ عددها 26 مدرسة و التي تعتمد على التمويل العام لتغطي 75% من الميزانية المطلوبة لسير عملها .
زعيمة الحزب الديمقراطي الاشتراكي (أكبر حزب في البرلمان الدنماركي) “ميتا فريدريكسن” كانت قد صرّحت بشكل علني و واضح بأن الهدف من هذا المقترح هو إغلاق جميع المدارس الإسلامية , وفي حال لم ينجح فإن الديمقراطيين الاشتراكيين جنبًا إلى جنب مع بعض الأحزاب الأخرى سيحاولون إيجاد طريقة أخرى لتحقيق هدفهم !!
انتقاد “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” للمقترح الدنماركي الأخير لا يغني ولا يسمن المسلمين من مسلسل تدهور أوضاعهم وتفاقم خطاب الكراهية ضدهم وتوالي اتخاذ الإجراءات التعسفية العنصرية بحقهم في دول القارة العجوز التي ما زالت تزعم أنها موئل الحريات وملتقى تعايش الأقليات .
الخبر القادم من اليونان يرسم هو الآخر صورة أخرى لشكل آخر من أشكال المعاناة التي تزداد وطأتها على المسلمين هناك , إذ تعاني الأسر المسلمة التي لجأت إلى اليونان هربا من الحرب المشتعلة في دولهم الشرق أوسطية من مشكلة عدم وجود مقبرة للمسلمين بالعاصمة أثينا .
حرمان المسلمين من تخصيص مكان ليكون مقبرة لموتاهم في أثينا التي يقطن فيها نحو 300 ألف مسلم بعد عدة مطالبات كان له الكثير من الأضرار والتداعيات على المسلمين , فهذا “محمد ليجار” (33 عاما) اللاجئ الفلسطيني الذي فر من حلب شمالي سورية يضطر لقطع مسافة 750 كم شمال “أثينا” لدفن ابنه الجنين الذي توفي بالأمس بعد أن تطوعت منظمة غير حكومية بنقله إلى مدينة “كوموتيني” .
وإذا علمنا أن “أثينا” خالية من أي مسجد للمسلمين اللهم إلا إذا صدقت التوقعات التي تتحدث عن احتمال الانتهاء من بناء أول مسجد رسمي بحلول نهاية هذا العام……فإن تصور حجم معاناة المسلمين في أقدم مستوطنة اوروبية ومهد ما يسمى “الحضارة والديمقراطية” الغربية سيكون ماثلا أمام بصيرة أي قارئ أو مطلع .
لا يمكن تبرئة ساحة الحكومات الغربية من تهمة تورطها في اضطهاد المسلمين وممارسة أبشع أنواع العنصرية والتمييز ضدهم , فها هي السلطات البريطانية تقوم بإطلاق سراح الإرهابي “إريك كينج” البالغ من العمر 63 عاما رغم تورطه بمنشورات على “فيسبوك” يقول فيها علنا : “إنه لا يخشى بشأن إنهاء حياة أي مسلم” وفقا لصحيفة “ميترو” البريطانية .
ليس هذا فحسب بل نشر “كينج” على حسابه منشورا يهاجم فيه دين أكثر من 3 ملايين مسلم في المملكة المتحدة وعقيدة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم حيث تطاول فقال : “إن الإسلام في حاجة للاجتثاث من على وجه الأرض وإذا كان معنى ذلك قتل كل المسلمين ..فليكن هذا” …..
لا حاجة لتخيل مدى ردة الفعل الحكومات الغربية و وسائل إعلامها لو أن مسلما قام بنشر مثل هذه المنشورات على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي….. إذ إن سجل سوابق ردات فعلها السابقة على حالات أقل من ذلك بكثير ثابتة وموثقة فهي لا تكتفي باتهام الفاعل بالتطرف والعنصرية ونشر خطاب الكراهية والمطالبة بمحاسبته ومعاقبته فورا بل تعمم تصرفه على كل المسلمين وتتهمهم جميعا بــ “الإرهاب” .
لا يبدو أن تفاقم الحملة الشرسة ضد المسلمين في دول القارة العجوز سيهدأ أو يتناقص ما لم تكن هناك مواجهة جدية لهذه الحملة من قبل الدول الإسلامية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا و….
(المصدر: موقع المسلم)