الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:
فقد طلب مني عدد من الإخوة الأفاضل من طلبة العلم الشرعي ومن غيرهم أن أكشف عن الموقف المطلوب في هذه الأيام تجاه الخلاف الذي برز على السطح بين شيخنا العلامة مفتي البلاد الشيخ الصادق الغرياني، والإخوة في حزب العدالة والبناء حفظ الله الجميع.
وسبب تأخري عن الكتابة هو قناعتي الراسخة بأنّ البيئة والمناخ المحيط بالوضع السياسي الليبي وبالعلاقات بين الأطراف الفاعلة في تيار الثورة يحوي أطرافًا متقابلة متضادة تنزع على الدوام إلى التعصب لرأيها وتنتهي إلى عدم الاستفادة من أيّ مشاركة أو موقف لا يتفق مع مواقفها وتوجهاتها السياسية، هذا هو المناخ العام للكتابة والنشر اليوم، أمّا إذا نظرنا إلى الأزمة الأخيرة- على وجه الخصوص- التي وقعت بين شيخنا الصادق الغرياني- حفظه الله – وحزب العدالة والبناء، فإنّ الأمر يزداد حرجًا لي، فحيثما توجهت بالخطاب فأنا متّهم فيما أقول من هذه الأطراف إذا لم يعجبها موقفي ورأيي تجاه ما حدث، وعليه فإنني إن دافعت عن شيخنا الصادق الغرياني – حفظه الله – دون الدخول في التفاصيل ومناقشة أصل الموقف فإنّ الأطراف المتعصبة في الاتجاه الثاني_ أقصد اتجاه الحزب – لن تنظر إلى محتوى ما أقول وستكون التهمة جاهزة ومضمونها أن هؤلاء مشايخ وهذا من دار الافتاء يتعصب لشيخه، وإن تحدثت مبيّنًا لموقفي من اتهام الإخوة الذين وقعوا على الصخيرات ومنهم الإخوة في العدالة والبناء فالتهمة جاهزة عند كثيرين: أن هذا من الإخوان ويدافع عنهم وقل مثل ذلك من التهم والتصنيفات؛ كل ذلك جعلني أتأخر عن البيان رجاء أن تهدأ النفوس وتنظر إلى الواقع والواقعة بعين الانصاف والعدل، ومن أجل ذلك جاء هذا البيان الذي أختصر فيه موقفي في النقاط الآتية:
1- إنّ الجميع يعلم موقفي من التوقيع على اتفاق الصخيرات وخلاصته أنني كتبت وبينت قبل التوقيع مباشرة عن رفضي لمسودة الاتفاق لما اشتملت عليه من تأخير لبعض القضايا التي ستكون سببًا في زيادة الخلاف ومصادمة مقصود الاتفاق الذي جاء من أجل إقرار التوافق والوفاق، وأن هذه القضايا مندرجة تحت ما يسمى بفقه المآلات في علم مقاصد الشريعة، وأن مراعاة المقاصد الشرعية في التصرفات السياسية لا تنحصر فقط في تقدير المصالح والمفاسد، وإنما يجب مراعاة ما ينتهي الاتفاق إليه، وهو ما يسمّى( مراعاة المآلات) عند أهل الاختصاص، ثم بعد التوقيع بيّنت أنني رغم رفضي للتوقيع إلّا أنّه قد وقع، وبما أنّ فريقًا من تيار الثورة قد ذهب مع التوقيع سواء من العدالة والبناء أو حزب الوطن أو غيرهم من المستقلين فليس أمام تيار الثورة – الجامع للرافضين للتوقيع أو الموافقين – إلا الجلوس على طاولة الحوار معاً والاتفاق على الخطوط الحمراء التي لا ينبغي أن يتجاوزها الاتفاق، وتحديد المعايير التي يقال عندها أن هذا الاتفاق لم يعد يمثلنا، ولم أقف عند الدعوة العامة، بل اتصلت بعدد من الإخوة لترتيب لقاء يجمعهم جميعًا من الموقعين على اتفاق الصخيرات والرافضين، وبدأت بشيخنا الشيخ الصادق الذي وافق وفوضني بالاتصال بالدكتور غيث الفاخري –حفظه الله – لمناقشة أسس هذا اللقاء، وكذلك الإخوة في المؤتمر الوطني والإخوة في حزب العدالة والبناء، ولن أدخل في تفاصيل ما حدث وأتركه لمذكرات خاصة في هذا الصدد، ثم بعد فترة كررت الدعوة وطلبت من الجميع الجلوس معًا وعدم السماح للغة الافتراق ولبعض المتعصبين من الطرفين أن يفسدوا صف الثورة.
2- سبق وأن بيّنت في أكثر من بيان ومنشور أنني لا أوافق على اتهام الإخوة الذين وقّعوا على اتفاق الصخيرات بالخيانة أو العمالة، وإنما القول عندي أنهم أخطأوا في تقديرهم للأمر، وأخطأوا أكثر في تركهم للاتفاق دون حدود ولا قيود ونحو ذلك من مواطن الغلط عندي، لكنهم في آخر المطاف لهم رأي سياسي أحسب أن منطلقهم فيه الحرص على مصلحة الوطن وإخراج البلاد من حالة الاحتراب والتقاتل وغير ذلك من الدوافع والمسوغات التي دفعتهم للتوقيع على اتفاق الصخيرات والاستمرار فيه مما يعرفه القريب والبعيد عن أكثر هؤلاء الإخوة.
3- إنّ الاتهام بالخيانة قد تكون لدى أصحابه مسوغات لذلك واجتهاد معيّن لكنه قطعا ليس رأيًا قطعيًّا لا يصح خلافه، بل هو رأي ظني يمكن الاختلاف فيه، والذي أتعبد لله به أنه اجتهاد ضعيف ورأي مرجوح.
4- إن البيان الذي صدر عن حزب العدالة والبناء لو اكتفى أصحابه بحق الدفاع عن النفس ورد التهمة بالخيانة المنسوبة إليهم وبيان أوجه الاجتهاد السياسي الذي دفعهم للسير في طريق اتفاق الصخيرات منذ التوقيع إلى يومنا هذا لكان هذا حقًّا لهم لا ينبغي أن يختلف عليه اثنان، فالدفاع عن النفس حق كفلته الشريعة واستقر عليه قانون العدل والعرف السليم، ولكنهم دافعوا عن أنفسهم بتوجيه التهمة إلى الشيخ الصادق بأنه يحرض عليهم وعلى سفك دمائهم، وهذا مما لا يقول به الشيخ الصادق ولا يُعرف عنه البتة في حق هؤلاء الإخوة، وإنما هو من اتباع لازم القول وهو اتجاه مرفوض وضعيف، وعليه فإنني أعتبر أن بيان الحزب قد جانبه الصواب وإذا عملنا بلازم القول الذي اتبعه الإخوة في البيان فإننا سنقول أن الحزب يحرض الجهات القانونية والحقوقية على اتهام الشيخ الصادق بأنه محرض عليهم، وندخل عندئذٍ في دائرة لا تنتهي، مع التنبيه على أنّ البيان اشتمل على مغالطات كثيرة تتعلق بوصف الواقع بعد توقيع الصخيرات مما يشهد له الواقع المر الذي يعيشه المواطن وحال البلاد الذي وصل إلى أتعس أوصافه .
5-إنني أناشد الجميع من الحريصين على المحافظة على تجاوز البلاد والعباد لحالة الافتراق والتناحر والحريصين على تحقيق أهداف ثورة السابع عشر من فبراير أن يعتمدوا أسلوب الحوار المباشر أسلوبًا وحيدًا لمناقشة القضايا المصيرية والمخاطر التي تعصف بمستقبل هذه الثورة، وإنني أدعو في هذا الصدد شيخنا العلامة الشيخ الصادق الغرياني مفتي البلاد – حفظه الله- وهو في مقام الوالد للجميع أن يبادر بهذه الدعوة، كما أدعو الإخوة الموقعين على اتفاق الصخيرات وعلى وجه الخصوص حزب العدالة والبناء والأستاذ جمعة القماطي والإخوة في حزب الوطن والرسالة وأخص منهم أخي الحبيب محمد العماري وغيرهم إلى الجلوس معاً للخروج من أزمة التفتت والافتراق التي عصفت بتيار الثورة.
سالم الشيخي
22-8-2017