مقالاتمقالات مختارة

دعاة على الميزان

عمار العيسى – مدونات الجزيرة

عندما ترى الفتنة قد بلغت أشدها، والبلاء قد وصل إلى الذروة، وأن أوضاع الأمة تزداد سوءاً يوما بعد يوم؛ فاعلم بأن الدعوة الإسلامية في خطر، وأن الذي يقودها هم دعاة على أبواب جهنم، أو دعاة على أبواب السلاطين. إن مما ابتلى الله به هذه الأمة في عصرنا أن ولى أمورها الدينية والدنيوية أئمة فاسدين؛ فكانوا السبب الأبرز في انحطاطها وضعفها بين الأمم، بعد أن كانت على رأسها.

ولنعلم أن الأئمة نوعان: الأمراء والعلماء. فالأمير أو الحاكم هو من صار حاكماً بالبيعة الشرعية المعروفة، وأصبح مسؤولاً عن رعيته، وعلى الرعية طاعته وامتثال أمره. أما العلماء وأعني الصادقين منهم، فهم أئمة الأرواح وقادتها لذلك يقال: إن الحكام هم قادة الأجساد، والعلماء هم قادة الأرواح، وما نريد الحديث عنه هم العلماء (الدعاة) وكي نعدل وننصف لن نحكم عليهم من خلال فكر، أو رأي أو هوى، إنما سنتعامل معهم من خلال قواعد شرعية، هم ينادون بها ويدعون لتطبيقها (كما يقال من فمك أدينك) ومن أهم هذه القواعد قولهم: (يقاس الرجال على الشرع ولا يقاس الشرع على الرجال) لذلك سنضعهم على الميزان الشرعي؛ لنرى من منهم سيبقى في كفة الميزان، ومن منهم سيصبح في قمامة التاريخ ينتظر يوم الحساب، ليصبح حطباً لنار جهنم، بل ليكون أول ما تسعر به النار.

الميزان الأول: كما ورد في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام على إمام جائر فأمره ونهاه؛ فقتله) قس نفسك أيها العالم، والداعية، على هذا الحديث، فهل ستكون مع سيد الشهداء حمزة، أم أنك ستكون ممن يزوجون فتواهم ودعواتهم بهوى الحاكم، وضلاله وظلمه، وأصبحت ناطقاً رسمياً بالنيابة عنه؟

مع كل أسف وغصة حزن أقول: إن أغلب العلماء والدعاة يلوون أعناق النصوص؛ ليخرجوا بفتوى تناسب الحاكم، وتأتي على مقاسه وتحول الكثير منهم إلى إعلامين يناصرون ببياناتهم قرارات حكامهم الجائرة الظالمة الخاطئة الكاذبة.

الميزان الثاني: أغلب الناس يعلم قصة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، عندما أفتى بعدم جواز ولاية المماليك على الأحرار في مصر؛ لأنهم في حكم الرقيق والعبد الذي لا تصح ولايته، وكان آنذاك قاضياً فلم يقبل السلطان فتواه، فضغطوا عليه وهددوه كي يتراجع عنها فلم يرض ولم يضعف تحت كل الضغوط، وببساطة خلع نفسه من منصبه، وركب حماره ليخرج من مصر؛ لأنه يعلم بأن الله سائله عن سكوته إن بقي ورضي بذلك، فلحقه آلاف من الناس يريدون الخروج معه؛ فأسرع السلطان بنفسه خلف الشيخ فاسترضاه كي يرجع فما قبل إلا أن تنفذ الفتوى، فوافق السلطان على ذلك، فباعهم العز بن عبد السلام بنفسه، ثم أعتقهم السلطان ليصبحوا أحراراً تصح ولايتهم، وهم قادة وسلاطين وأمراء، لكن لايهتم العز لذلك مقابل رضى الله عز وجل، والحفاظ على الأمانة الربانية التي يحملها.

وأسفاه! عهد العز بن عبد السلام ولى، وحل محله عهد بيع العلماء والدعاة وشرائهم من قبل الحكام والملوك، فما أسهل أن يغير العالم الفتوى مقابل عرض من الدنيا زائل، ونسي أنه وارث الأنبياء الذين لم يتراجعوا عن دعوتهم مع كل ما واجههم من ظلم واضطهاد وتعذيب، ونسي أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك فيه).

أيها العلماء والدعاة، إن الدعوة والدين أمانة حملها سلفكم الصالح وتحملوا ثقلها ومشاقها، ولم يخونوها حتى أصبحت بأيديكم، فهل حافظتم عليها حق حفاظها؟ ضعوا أنفسكم على ميزان الشرع قبل أن يضعكم الناس، وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى