مقالاتمقالات مختارة

الثورة السورية.. بين المخطط الأمريكي والاختراق الداخلي

بقلم سيف الهاجري

تمر الثورة السورية بأخطر مرحلة من مراحل المخطط الأمريكي للحل السياسي النهائي في سوريا، والذي بدأت خطواته العملية مع زيارة الوزير الجبير لهيئة التفاوض العليا السورية في مقرها بالرياض يوم الجمعة 4/8/2017م ودعوته لإعادة هيكلتها بما يتوافق مع الحل السياسي القادم والذي سيبقي الأسد ونظامه في السلطة وللمعارضة المشاركة فيها، وهو الحل نفسه الذي طرحه السفير الأمريكي السابق فورد على قوى المعارضة السورية في دمشق في بداية الثورة، فإنهاء الثورة وبقاء النظام هو الهدف الإستراتيجي لأمريكا والأنظمة الوظيفية سياسيا أو عسكريا، وهو ما نص عليه في البيان الختامي للقمة الأمريكية العربية في الرياض على استعداد التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتوفير قوة احتياط قوامها (34) ألف جندي لدعم العمليات في العراق وسوريا

فمخططات الحلول السياسية القادمة تأتي ضمن مشروع ترامب الجديد ولكل ساحات ثورة الربيع العربي، كما في ليبيا وانعقاد لقاء باريس بين حفتر والسراج برعاية فرنسية والدعوة لانتخابات جديدة في ربيع 2018م بعد توافق ترامب وماكرون بعد احتفالهم بيوم الباستيل، وفي العراق بالتقارب الخليجي مع الأحزاب الشيعية تمهيدا لعملية سياسية جديدة ما بعد الموصل بالتوافق مع القوى الإسلامية السنية الداخلة في العملية السياسية كالحزب الإسلامي وغيره، وفي اليمن يمهد سياسيا لعودة نظام صالح مع تكريس التقسيم وإنهاك قوى الثورة للقبول بالحل السياسي.

فالمشروع الأمريكي للحل السياسي تم التمهيد له من خلال محاصرة القوى الداعمة لتطلعات شعوب الربيع العربي وعزلها، كتركيا وما تعرضت له من محاولة انقلاب عسكري، ومحاولة محاصرتها بالمليشيات الكردية اليسارية بإقامة حزام جغرافي يعزلها عن سوريا واشغالها من الداخل، أو قطر وفرض الحصار عليها لوقف دعمها للمقاومة وإنهاء دعمها السياسي والإعلامي للشعوب.

فالخط العام للسياسة الأمريكية في مواجهة ثورة الربيع العربي في كل الساحات هو محاصرة الحاضنة الشعبية وإنهاك قوى الثورة لدفعها للقبول بالحل السياسي، والذي سينهي الثورة ويبقي النظام، ومن ثم يعاد تشكيل المشهد السياسي لكل بلد بما يتناسب مع المشروع الأمريكي الجديد لترامب للشرق الأوسط تكون فيه إسرائيل محوره السياسي والإقتصادي.

فأمريكا تدرك أن الثورة السورية هي العقبة الكبرى أمام مشروعها لوقوعها في قلب جغرافية إتفاقية سايكس بيكو، وكونها من جانب آخر ثورة شعبية مسلحة خرجت عن السيطرة والتحكم واستمرارها لسنوات أعطى شعبها من القوة والحصانة ما جعل الثورة تستنزف جميع القوى المضادة سواء النظام أو قوى الاحتلال كأمريكا وروسيا وإيران، ولذا تعمل أمريكا ومن خلال أنظمة الثورة المضادة على اختراق الثورة السورية من الداخل لإحتواء قوى الثورة سياسيا والتحكم بقراراتها، سواء من خلال الدعم المالي والسياسي أو بدخول قوى سياسية وظيفية إلى جسم الثورة مرتبطة بتفاهمات مع النظام العربي، أو بطرح مبادرات سياسية وإنسانية تحت شعار أصدقاء سوريا.

والثورة السورية اليوم لم تعد كما كانت في بداياتها تواجه نظاما مستبدا تسعى لإسقاطه، بل أصبحت تواجه احتلالا أمريكيا وروسيا على الأرض، ومن الخطأ التعامل مع الواقع السوري ثوريا وسياسيا بتجاهل حقيقة الاحتلال، وهو مما يفرض على قوى الثورة السورية تغيير إستراتيجيتها الثورية والسياسية، من ثورة على نظام إلى ثورة تحرير من الاحتلال، فهذا سيسقط المبادرات السياسية المشبوهة ويعيد الثورة للشعب من جديد بعد محاولة مصادراتها في دهاليز الحلول السياسية الدولية والإقليمية المشبوهة.

إن خطورة المرحلة القادمة تفرض على قوى الثورة السورية تطوير أدائها الثوري والسياسي، والبعد عن الغرق في الصراع الداخلي والتفاصيل القاتلة والتي تفتح للعدو طريقا للاختراق الداخلي، وضرورة إدراكها لطبيعة الصراع الأممي في سوريا والذي تدخلت فيه أمريكا وروسيا بشكل مباشر وأرسلت قواتها لمواجهة الثورة، ولم تلتفت هذه القوى لدعوى ضرورة إخراج الأجانب من سوريا بل فتحت الطريق للمليشيات الطائفية والمرتزقة وشذاذ الآفاق تقاتل الشعب السوري، وفي نفس الوقت تحاول منع قوى الأمة من مساندة الشعب السوري بحجة محاربة الإرهاب ومنع الأجانب ليصادروا حق الشعب السوري بالتواصل والتعاون مع قوى الأمة كافة، والشعب السوري جزء من هذه الأمة وثورته جزء من ثورة الربيع العربي وله الحق الكامل لطلب النصرة من الأمة وهذا ما لا يريده له أعداؤه.

إن مجريات الأحداث في ساحات ثورة الربيع العربي تؤكد على تراجع الثورة المضادة وعجز القوى الدولية وتقدم الدور التركي المساند للشعوب، فالزمن في صالح الثورة ولذا فسياسة المرابطة والمصابرة في ساحات الثورة في غاية الأهمية لحين حدوث تحولات كبرى في باقي دول المنطقة وهي متوقعة وقادمة، وهذا ما يفسر استعجال القوى الدولية والأنظمة الوظيفية بالحلول السياسية قبل هذه التحولات القادمة والتي حتما ستكون في صالح الشعوب وثوراتها وعلى رأسها الثورة السورية.

فالدعوة التي يروج لها من قبل قوى سياسية للقبول بالحل السياسي، سواء تحت ضغط الأمر الواقع أو وفق تفاهمات مسبقة بينها وبين المنظومة الدولية والعربية، قد تجاوزها الواقع الثوري والسياسي بعد سنوات من عمر الثورة وليس أمام هذه القوى إلا مراجعة إستراتيجيتها وقراءتها للمشهد السياسي للثورة ليس في سوريا فقط بل في كل ساحات ثورة الربيع العربي لتدرك مدى عمق الثورة ورفضها للحلول السياسية المشبوهة من قبل أنظمة وظيفية أو قوى استعمارية، ففي سوريا وباقي ساحات الربيع العربي ثورة شعوب وليست فوضى كما يشيع البعض ليبرر موقفه السياسي بالقبول بالحلول السياسية المشبوه أو علاقته مع الأنظمة الوظيفية أو إيران.

إن الصراع في ساحات الثورة بين الأمة وأعدائها وواقع الثورة السورية، وهو ما غاب عن قوى الثورة السورية نتيجة الوعود الدولية والإقليمية بالحل السياسي في جنيف وغيرها، ليؤكد على دور شعوب الأمة في دعم الشعب السوري في بداية الثورة ووقوفها على أقدامها لمواجهة النظام، ومع تحول الصراع إلى صراع أممي أصبح أكثر إلحاحا وضرورة ووجوبا على الثورة وقواها العودة للأمة وقواها لمواجهة هذا التداعي الأممي، ولا تلتفت للخطوط الحمراء من إرهاب وتطرف وغيرها من الخطوط الزائفة التي يرسمها العدو لها فهي وهمية أكثر منها حقيقية، فالقوى الدولية وقوى الثورة المضادة في تراجع وضعف ويحاولون تمرير مخططاتهم بالسياسة ما لم يستطيعوا تحقيقه على أرض الثورة لعزل الثورة السورية عن الأمة ودعمها لإنهائها وتنفيذ مخططهم المشبوه.

إن خروج قوى الثورة السورية من عزلتها القطرية وصراعاتها الضيقة وتعاونها مع قوى الأمة كما كانت في بداية الثورة سيفتح لها آفاقا واسعة من الوعي السياسي والقدرات الهائلة لمواجهة مخططات أعداء الثورة وسيحصنها من الاختراق الداخلي الخطير، فهذا التعاون هو مما أوجبه الله على الأمة وقواها ‏﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، والله عز وجل سينصر هذه الأمة على أعدائها وسيهدي مجاهديها بلا شك ولا ريب إلى الحق والهدى والوحدة لنصرة شعوبهم في ثورتهم الملحمية الكبرى.

‏﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

(المصدر: موقع الأمة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى