مقالاتمقالات مختارة

مصطلحات في القرآن الكريم .. مصطلح الأجل

بقلم د. محمد أمحزون

كما جعل الله عزوجل لكل فرد أجلا تنتهي به حياته الدنيا وهو الموت، جعل سبحانه للأمم والحضارات آجالا تنتهي إليها، وتسقط في نهايتها، ويسدل الستار عليها.

إن الله جل ذكره جعل لكل شيء أمد ينتهي إليه، فلا يزيد ولا ينقص، ولكل أمر قضاه الله جل ثناؤه مدة مضروبة ومقدار معين.

والإنسان إنما خلق في هذه الحياة الدنيا ليؤدي رسالة ائتمن عليها، وليقوم بواجب التكليف الذي أشفقت منه السموات والأرض والجبال. ومن ثم فالبشر محاطون بكل ما من شأنه أن يكون ابتلاء لهم: الزمان، والمكان، والأشياء، والأفكار، في مدة محددة وهي العمر، ثم بعدها ينتقلون إلى الآخرة حين ينقضي الأجل ليلاقوا الجزاء والحساب: وأجل مسمى عنده [الأنعام: 2].

وقد جاء أمر الله تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بينهم بمعاملات مؤجلة إلى مدة معلومة أن يكتبوها ويضبطوها، ليكون ذلك وسيلة للحفاظ على أواصر المحبة والمودة بينهم، ولأن عدم الكتابة يؤدي إلى النسيان والجحود، مما يعمق الشحناء والعداوة بن المسلمين، وهذا شيء منهي عنه، وله تبعة في الآخرة.

على أن كل شيء في هذه الدنيا مؤقت، سواء كان بشرا أو نباتا أو جمادا، له مدة محددة، ووقت معلوم ثم ينتهي. وفي هذا عبرة للإنسان ليستقين بأن الدنيا ظل زائل وسراب خادع، فلا يركن إليها ويأنس بها، ويغفل ويلهو عما ينتظره من الأهوال والشدائد في الآخرة إن هو فرط في جنب الله تعالى ونسي ما كسبت يداه من الآثام والسيئات: إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا [الإنسان: 27].

هذا على الصعيد الفردي. أما على الصعيد الجماعي، فلحركة التاريخ الجماعي للأمم سنن كثيرة دقيقة تسير عليها قدّرها الحكيم العليم سبحانه وتعالى، أوقاتها محددة، وأحداثها مقدرة مكتوبة: ولكل أمة أجل [الأعراف: 34].

والأجل المذكور في هذه الآية الكريمة هو الوقت المضروب لانقضاء مدة أو زمن الإمهال للأمم( 1 ). كما يلاحظ أنه أضيف إلى الأمة، وإلى الوجود الجماعي للناس، لا إلى هذا الفرد أو ذاك. إذ هناك وراء الأجل المحدود المحتوم لكل إنسان بوصفه الفردي، أجل  آخر وميقات آخر للوجود الاجتماعي للأفراد المعبر عنه بالأمة؛ وذلك بوصفها مجتمعا ينشأ ما بين أفراده العلاقات والصلات القائمة على أساس مجموعة من الأفكار والمبادئ المسندة بمجموعة من القوى والتوازنات والقابليات.

والأجل المضروب للأمم على نوعين:

أحدهما: أجل من يبعث الله تقدست أسماؤه فيهم رسلا لهدايتهم، فيردون دعوتهم كبرا وعنادا، مع إنذارهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا، فيكذبون فيهلكون. وهذا النوع من الهلاك كان خاصا بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة لأقوامهم: وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم* ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون [الحجر: 4-5].

فهو عذاب الإبادة أو الاستئصال الذي صبه الله تعالى على الأمم المشركة الظالمة المحادة لله تعالى ورسله. وقد انتهى ببعثة صاحب الدعوة العامة، خاتم النبيين عليه صلوات الله وسلامه. فقد رفع الله سبحانه وتعالى بكتابه القرآن العظيم العذاب العام عن أهل الأرض، فحصل لعموم العالمين النفع برسالته؛ إذ هو رحمة مهداة لعالم المكلفين من الإنس والجن: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين( 2 ).

وثانيهما: الأجل المقدر لحياة الأمم المرفهة القوية التي تنتهي بالفناء والمهانة أو الاستعباد والإذلال( 3 )، إن لم تنته بالفناء والزوال والذوبان والاختفاء الكامل في مجتمعات قوية ومتفوقة. وهذا النوع من الأجل منوط بسنن الله تعالى في الاجتماع البشري والعمران، وأسبابه محصورة في الإسراف في الزينة والمظاهر، والتمتع المسرف بالطيبات، واقتراف الفواحش والآثام، والبغي على الناس، ومتمثلة في أروقة الشرك والوثنية التي تشل التفكير، وتهوى بالمجتمع في دركات الانحراف والدجل والشعوذة، وبالكذب على الله تعالى، مما يؤدي إلى الانهيار والسقوط.

————————————-

1 – ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، 8/103.

2 – ابن قيم الجوزية: بدائع التفسير، 3/198.

3 – رشيد رضا: تفسير المنار، 8/402.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى