مقالاتمقالات مختارة

مزمل فقيري.. الداعية الذي حمل لواء الثورة المضادة!

مزمل فقيري.. الداعية الذي حمل لواء الثورة المضادة!

بقلم النور عادل

على غرار (ياسر برهامي) و(محمد سعيد الرسلان) في مصر، و(محمود الورفلي) في ليبيا، و(هاني بن بريك) في اليمن، وجدت الثورة المضادة في السودان ضالتها الملائمة في شخصية الداعية المثير للجدل (أبو حواء مزمل عوض فقيري). فمن هو مزمل فقيري؟ وكيف يمكن استخدامه لضرب الثورة في مقتل إن لم يتم تداركه قبل استفحاله.

شخصية نحيلة الجسد لكن مملوءة بالطاقة للعمل والدعوة، متوسط الذكاء، ويكره العمل الإداري والتنظير التنظيمي، ميال للتنفيذ وهو شخصية سريعة التأثر، تميل للقطع والفصل والوفاق المنهجي، ومهجوسة بمسألة النقاء المنهجي والتوافق الفكري التام. له ملكات قيادية مؤثرة ما جمع حوله عدد من الأتباع المخلصين، له أسلوب وديع في المخاطبة الفردية، غير ميالة للعنف مع جنوح لتحقيق انتصاراتها عبر الخطابة وفن المناظرة.

لكن أهم ما يميز مناظراته أنه لا يناظر من يعلم مسبقا أنهم ربما قد يغلبونه، فيختار الأضعف والهامشيين والمغمورين للمناظرة، لكنه يرفع عقيرته بطلب مناظرة الرؤوس الكبيرة للتيارات الإسلامية، لعلمه أن كبار المشايخ والدعاة والإداريين لا يهتمون بجداله، ولو تنزل أحدهم لقبول مناظرته رفض بحجة أنه يريد الأكبر منه، كما أنه يفضل اتباع تكتيك الأرض والجمهور، فغالبا ما يحشد الرجل معه مناصريه في حافلات كبيرة قبل ذهابه لأي مناظرة، وعندنا معلومات على هذا وليس مجرد استنتاج.

درس في جامعة النيلين كلية الاقتصاد، ولم يكمل دراسته الجامعية وقتها بحسب ما نعلم. شخصية هادئة، تتقن فن الخطابة وله تسجيلات منتشرة اليوم في الميديا والشارع السوداني لأسلوبه البسيط الدارجي قريبة الشبه من أسلوب شيخه السابق (محمد مصطفى عبدالقادر) وهذا الأخير يحتاج لمقالة منفصلة تأتي -إن شاء الله- لاحقا ضمن سلسلة مقالات عن السلفية في السودان.

انخرط قبل سنوات مضت في جماعة أنصار السنة المحمدية، برغم تحفظ كثير من قياداتها عليه ولا نعلم له دور تنظيمي محدد بخلاف أنه كادر خطابي. كان أحد أهم وأميز كوادرها الخطابية في الفترة من 2005 إلى قرابة 2013 قبل إعلانه البراءة منها وتبديعها ووصمها وشيوخها بالسرورية –التيار المنسوب لمحمد بن سرور زين العابدين السوري- إثر خلاف نظري حول قضايا عدة كان أبرزها رأيه المهاجم لثورات الربيع العربي.

بعد تفجر ثورات الربيع العربي بتونس ومصر وليبيا، كان مزمل لتوه أو لبضع سنوات قريبة عائدا من المملكة السعودية متشربا بالفكر المدخلي بكل آراءه وتنظيراته في الفقه السياسي وخاصة في الحاكمية، لاحظ المقربون من الرجل لتحوله المفاجئ لشن الحملة على تيار الصحوة، ولمزه مواربة لبعض المشايخ السودانيين الذين درسوا العلوم الشرعية في المدينة المنورة. شن مزمل حملات ضد الحركيين بالسودان وأشهرهم الشيخ الدكتور (عبدالحي يوسف)، والأخير رقم معروف في الشارع العام لبرامجه العديدة. ثم توالت الحملات إلى أن وصلت إلى السلفيين أنفسهم كالشيخ الدكتور (محمد الأمين إسماعيل) نائب الأمين لجماعة أنصار السنة بالسودان، وأخيرا وصلت الشيخ (أبوزيد محمد حمزة) رحمه الله، في عملية جرد منهجي طالت الأحياء والأموات، وهو نزع تكفيري خارجي شديد الميل إلى المراجعات المحمومة للماضي والحاضر، وهو ما يعزز من قناعتنا بأن المدخلية تحمل في أحشاءها جرثومة الخوارج ولكن بثوب قشيب يتلفع بفقه السمع والطاعة باستثناءات كل يوم تمضي في الاتساع.

نشهد لمزمل أنه كان في فترة من تاريخ نشاطه الطلابي شديد القسوة على نظام البشير الأمر الذي جاء واعتذر منه لاحقا وأعلن التوبة عنه بعد رجوعه من المملكة وتبنيه راية المدخلية في البلاد، لم يكن الطالب وقتها، الداعية الآن مزمل يتصور أن من يناوئهم السجال الفكري ذلك الوقت قد يتحولون في يوم إلى مربع القداسة الذي عنده يتحنث (ولاة الأمر). فمن السخرية أن شخصية مثل عضو المجلس السيادي (محمد حسن التعايشي) كان طالبا حزبيا مفوها من أهم كوادر حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي. كان التعايشي في فقه مزمل آنذاك ضالا مضلا وينتمي لحزب علماني طائفي. الآن ليس التعايشي وحده في سدة الحكم بل معه مستشارة نصرانية الديانة في مجلس السيادة (رجاء نيكولا). وهكذا سيجد التيار المدخلي نفسه دائما محاطاً بما لا يحط به صبرا وعلما، ولا يعرف لهذا التيار أي جهد في الاجتهاد في فقه النوازل، فالأمر كله عند ربيع المدخلي قولا واحدا!

ما جعلني أزعم أن الثورة المضادة بدأت مبكرا بمزمل فقيري، هو الإعلان الضخم والمكثف للرجل في قاعة الصداقة بعد سقوط المخلوع الذي كان آخر صنم عجوة ينصبه مداخلة السودان وليا للأمر، تفاجئ الناس بإعلانات صارخة مكثفة (حقيقة قوى الحرية والتغيير يقدمها الشيخ مزمل فقيري)، من دون أن أحضر الندوة أستطيع أن أعرف خطها وفكرها وما تدور حوله لعلمي السابق بإمكانات الرجل وما يحويه فكره من قابلية للتوجيه والاستخدام. فالفكر المدخلي أشبه بالفيلم المكرر يوميا في دولة شيوعية نمطية مغلقة.

الان تتحرك الثورة المضادة بكثافة معلنة مبكرا دخولها في حرب فكرية وعقدية ضد الفترة الانتقالية بالبلاد، إذ يبدو أن الحركة الإسلامية لن ترضى الهزيمة بسهولة أمام خصمها التقليدي، التيارات السياسية السودانية بكل تشكيلاتها العلمانية الديمقراطية والطائفية واليسارية، بدأت حملات الدجاج الإلكتروني على غرار الذباب الإلكتروني السعودي، بدأت تروج مقاطع للرجل، بجانب حملتها الشرسة على كل كلمة تصدر من قيادات العهد الانتقالي الجديد -وقد تبرع قيادات الحكومة الجديدة بسخاء بالتصريحات المربكة المثيرة لشهية الثورة المضادة- الأمر الذي أحسبه سوء تقدير من الحركة الإسلامية ومؤشراً خطيراً أنها لم تحسن قراءة المشهد السوداني وتصر على تكرار نفس خطأ تجرية الإسلاميين في مصر مع اختلاف الأدوار وغض الطرف عن التحولات الدولية والإقليمية الكارثية بعد صعود ترامب والأزمة الخليجية وظهور محمد بن سلمان المقلق للتيار السلفي عامة.

تحاول الحركة بالسودان عبر أذرعها تصدر المشهد والعودة من خلال بعض الأسماء والواجهات التي هي نفسها لا تلقى رواجا في الشارع العام. لم تتعظ الحركة الإسلامية وبدأت ترتب صفوفها من جديد وتحشد أبواقها لإفشال العهد الجديد في بواكيره، لكن الغريب هذه المرة من خلال تتبعي لما ينشر على التواصل الاجتماعي، ألاحظ استخدام الثورة المضادة، إسلامية كانت أم عسكرية نفس الصوت القديم المتكرر مزمل فقيري. فجأة اتفق العسكريون والحركيون على تصدير مزمل وبثه في الأسافير بغزارة ليرد على الشيوعيين والعلمانيين في عملية تهئية فكرية كمقدمة للسياسي الذي لا يحسنه مزمل، فهو هنا يلعب دور المغفل النافع بجدارة.

ومن عجائب المصادفات الكونية طبعا أن هنالك إرهاصات لثورة انفصالية في شرق السودان لفصيل عرقي يدعو للانفصال، في منطقة حساسة تمتد لألاف الكيلومترات حتى ساحل البحر الأحمر، الأمر الذي جعلني أتذكر اليمن والنخبة الشبوانية والمجلس الانتقالي وجزيرة سوقطرة وهاني بن بريك، وجعلني أتساءل هل هي مصادفة، أن نفس الإسكربت في اليمن يتكرر عندنا في السودان؟ أم أن المُنتج والممول واحد؟

وليس آخرا لا أستبعد أن ينخرط مزمل بكل صدق وتجرد في صفوف أي كيان مضاد للحكم الحالي، وهو سابقا كان لا يخفي إيمانه بالعمل مع أجهزة الأمن ضد من أسماهم بالتكفيريين أو أهل البدع. الحكم الحالي بالنسبة للتيار المدخلي عامة حتى الآن غير متاح للنقد فالبرهان عسكري وولي أمر ومسنود من محور داعم للثورات العسكرية، وبالنسبة لحمدوك فالأمر متوقف على حجم مسافته من المحور السعودي الإماراتي، وأغلب الظن أنهم ينتظرون الفتوى من الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي لكيفية التصرف إزاءه، فليس هنالك صوت فوق صوت ربيعهم، لو حدث انفلات أمني في السودان، ذكروني أنني قلت مرة أن مزمل فقيري هو هاني بن بريك آخر.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى