مصير المعتقلين بين اليائسين والحالمين
بقلم د. عطية عدلان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
هل يمكن للأحرار الثوار أن يفرطوا في إخوانهم المعتقلين؟ أو يسلموهم لمصير كمصير من سبقوهم؛ فيمكثوا في السجون عقودًا؟ سؤال حرج يتردد صداه في أوساط المعارضين بالخارج، ويتفاوت رد الفعل تجاهه بحسب درجة البعد عن القضية والتغاضي عنها، والواقع أن الجميع – لأسباب مختلفة – ابتعدوا وتغاضوا وغضوا الطرف كذلك، وجميع ما يراه المتابعون في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لا يعدو أن يكون (فضفضة)، لكن درجة هذا البعد تتفاوت فيتفاوت معها رد الفعل تجاه قضية المعتقلين، التي تحولت إلى مطالب صريحة من الكثيرين منهم.
ودعونا نحسن الظن ببعض القيادات التي صرحت بأنه لم يجبر أحد من القيادات واحدًا من الأفراد المعتقلين على المضي في هذا الطريق، ونحاول أن نحمله على معنى: أن شباب الإخوان اختاروا هذا الطريق لأنفسهم؛ ومن ثم فهم أهل لتحمل تبعاته؛ لكن حتى مع هذا التأويل – الذي يراه البعض بعيدًا – هو خطاب استهلاكي ينم عن إفلاس مخيف، فهو يطالب من يصرخ قائلاً: (لم أعد أتحمل) بأن يتحمل! وليس لهذا الخطاب مثيل في الهزال والهزل معًا.
ولكي لا يكون الكلام مجرد وصف للحال التي هي معلومة للجميع بالضرورة، أحب أن أعرض الخيارات التي أرى أن الحلول تنحصر فيها، وهي مجرد اجتهادات ليس إلا.
الخيار (الذي عليه الناس عندنا!) هو (الصمود!) مع الالتزام بالسلمية والبراءة من (العنف!) والحفاظ على (مؤسسات الدولة!) حتى يأتي الفرج، إما بأسباب داخلية أو خارجية أو حتى كونية؛ إذ إنها مدلهمة ليس لها من دون الله كاشفة، ونحن بذلك على الطريق إلى إحدى الحسنيين، ولا للتنازل! ولا للتصالح مع السيسي تحديدًا ذلك المنقلب الصهيوني العميل (وكأن باقي رموز النظام مغلوب على أمرهم أبرياء من العمالة والنذالة!!)، وأنظار هؤلاء تمتد بالرجاء إلى (شرفاء الجيش!) وإلى مؤسسات النظام الدولي، وإن كانت مع ذلك تتجه بالدعاء إلى الله تعالى.
الخيار الثاني: وهو خيار فريق من الشباب الذين طغت عليهم مشاعر التعاطف مع المعتقلين فقصروا أنظارهم على أقفال الزنازين، دون النظر إلى مفاتيح هذه الأقفال ولا إلى من يحملها ومن يضع لها شفرتها؛ فراحوا يصرخون بصدق ممزوج بالسذاجة: اخرجوا المعتقلين مهما كان الثمن، افعلوا اي شيء تنازلوا عن كل شيء!! وليتهم يدرون أن هؤلاء الذين يصيحون فيهم ليس بأيديهم ما يتنازلون عنه ولا في قدرتهم فعل شيء؛ إن التنازل يكون عن مملوك مقدور عليه لا عن مفترض أو متخيل، وأنه لا يتنازل إلا من يقدر أن يقول لن أتنازل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر توجد معضلة أساسية علمت بالتجربة التي يدركها الكافة وهي طريقة إخراج هؤلاء المعتقلين؛ فالظن الغالب أن النظام بعد أن يبالغ في إذلالك وفي محو كل ما تبقى من انتمائك لفكرتك؛ سوف يخرج من ليس لهم علاقة بالقضية إلا كعلاقة المار بجوار معركة فأصابه سهم غرب، وذلك بعد إعلانه توبة لو أعلنها لرب العالمين لأدخلته جنة الفردوس بغير حساب ولا سابقة عذاب، أما أصحاب الفكر وقادة العمل وخلاصة شباب الأمة فلن يخرجوا إلا بعد عمل مراجعات عامة، تذبح من خلالها الجماعة جميع ما قامت عليه منذ نشأتها من الوريد إلى الوريد. وعندئذ يكون إعلانها حل الجماعة أولى وأبقى.
الخيار الثالث: وهو الذي يتبناه المغضوب عليهم المستثنون من كل عمل ولو كانوا من أهل الاختصاص، والمترفعون عن كل ما يمارس من خلاله صناعة الأفكار الخادعة.
هؤلاء (الشرذمة القليلون!) المبعدون يرون الآتي:
أولًا: لا يمكن فصل ملف المعتقلين عن باقي الملفات، والتي منها حرية الشعب الذي قام بثورة فضيعها من ضيعها، فهذا الفصل لا وجود له إلا في الخيال الحالم.
ثانيًا: لا يمكن إخراج المعتقلين ولا حتى تخفيف الضغط عنهم إلا بالتفاوض الحقيقي الجاد، والتفاوض هذا لا يكون بين (مائة بالمائة) و(صفر بالمائة)، ولا يكون إلا بين أطراف تملك بأيديها أدوات ضغط وهذا كله لا يكون إلا بحراك خارج الصندوق، حراك يوجع النظام ويهدد استقراره، ويهدد كذلك مصالح من يملكون توجيهه.
إنهم (أعني هؤلاء المنبوذين المبعدين) يقولون لابد من توحد القيادات أولًا، ثم وضع رؤية جديدة تبنى على فكر مستمد من ثقافة أمتنا ومن التجارب الإنسانية للثورات عبر التاريخ، ثم تنطلق لتجيش طاقات الأمة في اتجاه التغيير المنشود، عندها سوف يتحرك النظام لطلب الجلوس والتفاوض؛ وساعتها يأتي النقاش عن المعتقلين، ويكون تداول الرأي بين اتجاهين: نكمل أم نكتفي مرحليًا بهذا؟ ويكون لكل حدث حديث.
ويواصل المنبوذون المبعدون طرحهم قائلين:
إن طاقات الأمة ليست قليلة ولا ضئيلة، ولكنها مبعثرة، وإن (القادة!) هم من بيدهم جمع الكلمة ولم الشمل؛ فإن فعلوا فقد اقتربت النهاية ودنت الغاية وتحقق النصر وشيكًا.
ويزعمون أن هناك بديل لهذا الطريق، ولكنه بعيد المدى بطيء الخطى، وإن كان أكيد الجنى. وهو أن ينبري لهذه الرؤية المخلصون ويدعوا الكبار يتخبطون، فهل أنت مثلي تجنح إلى رؤية هؤلاء المنبوذين المبعدين وتميل إليها؟
(المصدر: مجلة “كلمة حق”)