غزوة بدرٍ الكبرى في مرويَّات السُّنّة[1]
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال: (سَمِعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا مِنْ قُرَيْشٍ, تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ , فِيهِمْ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لَنَا طَلِبَةً (أي شيئاً نطلبه) فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا.
فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ (دوابّهم) فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: “لَا، إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا).
وفي رواية: (فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُسْلِمِينَ , وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَافِلَا بِتِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فَاخْرُجُوا لَهَا, لَعَلَّ اللهَ -عز وجل- يُنَفِّلُكُمُوهَا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ” وَالْمُسْلِمُونَ، فَخَفَّ مَعَهُ رِجَالٌ , وَأَبْطَأَ آخَرُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَلْقَى حَرْبًا، إِنَّمَا كَانَتْ نَدْبَةً لِمَالٍ يُصِيبُونَهُ, لَا يَظُنُّونَ أَنْ يَلْقَوْا حَرْبًا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي ثَلَاثمِائَةِ رَاكِبٍ وَنَيِّفٍ”، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مُشَاةٌ، مَعَهُمْ ثَمَانُونَ بَعِيرًا , وَفَرَسٌ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لِلْمِقْدَادِ ” فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَكَانَ بَيْنَهُ , وَبَيْنَ عَلِيٍّ , وَمَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ , بَعِيرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ, مِنَ الْحَرَّةِ عَلَى الْعَقِيقِ، فَذَكَرَ طُرُقَهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ, لَقِيَ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا “، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَحَسَّسُ الأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنَ الرُّكْبَانِ , تَخَوُّفًا عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ , حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ وَلِعِيرِكَ , فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ ضَمْضَمٌ سَرِيعًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ , وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ (الجِمَال التي تَحْمِل العِطْر والْبَزَّ , غَيْر المِيرَة , أَيْ: أدْرِكُوها) قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ – وَالَلَّطِيمَةُ هِيَ التِّجَارَةُ – الْغَوْثَ الْغَوْثَ (الإعانة والنصرة) وَمَا أَظُنُّ أَنْ تُدْرِكُوهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ؟، فَخَرَجُوا عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ (أَصْل الصَّعْب وَالذَّلُول فِي الْإِبِل , فَالصَّعْب: الْعَسِر الْمَرْغُوب عَنْهُ , وَالذَّلُول: السَّهْل الطَّيِّب الْمَحْبُوب) وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ , وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ مُقَاتِلا، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ يَقُودُونَهَا، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالْقِيَانِ (جمع قَيْنَة، وهي: الجارية المغنِّية) يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَيَتَغَنَّيْنَ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ – ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ الْمُطْعِمِينَ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ رُجُوعَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ – حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْجُحْفَةِ , رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ رُؤْيَا , فَبَلَغَتْ أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ: وَهَذَا نَبِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِيِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى قُرَيْشٍ مَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْعَسْكَرِ، فَقَالَ: قُتِلَ فُلَانٌ , وَفُلَانٌ , وَفُلَانٌ , – يُعَدِّدُ رِجَالا مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ , مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ – ثُمَّ طَعَنَ فِي لَبَّةِ بَعِيرِهِ (موضع الذبح) ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ، فَلَمْ يَبْقَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ قُرَيْشٍ إِلَّا أَصَابَهُ دَمُهُ، ” وَمَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ – فَذَكَرَ مَسِيرَهُ – حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الصَّفْرَاءِ , بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو , وَعَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ الْجُهَنِيَّيْنِ , يَلْتَمِسَانِ الْخَبَرَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ “، فَانْطَلَقَا حَتَّى وَرَدَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا بَعِيرَيْهِمَا إِلَى تَلٍّ مِنَ الْبَطْحَاءِ , وَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا مِنَ الْمَاءِ، فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ تَقُولُ إِحْدَاهُمَا لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا تَأتِي الْعِيرُ غَدًا، فَلَخَّصَ بَيْنَهُمَا مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو , وَقَالَ: صَدَقَتْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسٌ وَعَدِيٌّ، فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ وَلَّيَا وَقَدْ حَذِرَ، فَتَقَدَّمَ أَمَامَ عِيرِهِ، فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْتَ عَلَى هَذَا الْمَاءِ مِنْ أَحَدٍ تُنْكِرُهُ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ، إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ أَنَاخَا إِلَى هَذَا التَّلِّ , فَاسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا ثُمَّ انْطَلَقَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مَنَاخَ بَعِيرَيْهِمَا , فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِهِمَا وَفَتَّهُ , فَإِذَا فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللهِ عَلائِفُ يَثْرِبَ، ثُمَّ رَجَعَ سَرِيعًا , فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ , فَانْطَلَقَ بِهَا مُسَاحِلا (أَيْ: نحو الساحل) حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ , بَعَثَ إِلَى قُرَيْشٍ أَنَّ اللهَ قَدْ نَجَّى عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَرِجَالَكُمْ , فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَأتِيَ بَدْرًا – وَكَانَتْ بَدْرٌ سُوقًا مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ – فَنُقِيمَ بِهَا ثَلَاثا، فَنُطْعِمَ بِهَا الطَّعَامَ، وَنَنْحَرَ بِهَا الْجُزُرَ، وَنَسْقِيَ بِهَا الْخَمْرَ، وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا، فلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا بَعْدَهَا أَبَدًا , فَقَالَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ: يَا مَعْشَرَ بَنِي زُهْرَةَ، إِنَّ اللهَ قَدْ نَجَّى أَمْوَالَكُمْ , وَنَجَّى صَاحِبَكُمْ، فَارْجِعُوا، فَأَطَاعُوهُ , فَرَجَعَتْ زُهْرَةُ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا وَلَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، ” وَارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ وَادِي ذَفَارٍ , نَزَلَ وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – النَّاسَ “، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ – رضي الله عنه – فَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ – رضي الله عنه – فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو – رضي الله عنه – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى:{اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا , إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: 24) وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا , إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ , لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ , لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَهُ، ” فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – خَيْرًا , وَدَعَا لَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ – وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ، وَكَانُوا حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا , فَأَنْتَ فِي ذِمَمِنَا، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى أَنَّ عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ بِغَيْرِ بِلادِهِمْ – ” , فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللهِ لَكَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تُرِيدُنَا؟ , قَالَ: ” أَجَلْ ” , فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَا أَرَدْتَ , فَنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ , لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ , لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ نَلْقَى عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، ” فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا , فَإِنَّ اللهَ – عز وجل – قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ مَصَارِعَ الْقَوْمِ، َانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابُهُ ” وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي، وَالْقُلُبُ بِبَدْرٍ فِي الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ التَّلِّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلَ اللهُ السَّمَاءَ، وَكَانَ الْوَادِي دَهِسًا (لا يُنبت شجراً , وتغيب فيه القوائم) فَأَصَابَ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَصْحَابَهُ مِنْهَا مَا لَبَّدَ لَهُمُ الْأَرْضَ , وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْمَسِيرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ، ” فَسَارَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يُبَادِرُهُمْ إِلَى الْمَاءِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا , فَسَبَقَ قُرَيْشًا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ “، فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ وَلَا نُقَصِّرُ عَنْهُ؟، أَمْ هُوَ الرَّأيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” بَلْ هُوَ الرَّأيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ “، فَقَالَ الْحُبَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، وَلَكِنِ انْهَضْ حَتَّى تَجْعَلَ الْقُلُبَ كُلَّهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِكَ، ثُمَّ غَوِّرْ كُلَّ قَلِيبٍ بِهَا , إِلَّا قَلِيبًا وَاحِدًا، ثُمَّ احْفِرْ عَلَيْهِ حَوْضًا، فَنُقَاتِلُ الْقَوْمَ , فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: ” قَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأيِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَغُوِّرَتِ الْقُلُبُ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ ” , فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الآنِيَةَ، فَإِذَا هُمْ بِرَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ , فَيَقُولُ: وَاللهِ مَالِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ , فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ , فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَيَقُولُ: دَعُونِي، دَعُونِي أُخْبِرْكُمْ , فَإِذَا تَرَكُوهُ قَالَ: وَاللهِ مَالِي بِأَبِي سُفْيَانَ مِنْ عِلْمٍ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ , فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قَدْ أَقْبَلُوا، فِي النَّاسِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ، ” – وَرَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَائِمٌ يُصَلِّي، وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ – فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إِذَا صَدَقَكُمْ , وَتَدَعُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أَبَا سُفْيَانَ. كَمِ النَّاسُ؟ “، قَالُوا: كَثِيرٌ مَا نَدْرِي مَا عَدَدُهُمْ , قَالَ: “كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ “، قَالُوا: يَوْمًا عَشْرًا، وَيَوْمًا تِسْعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” الْقَوْمُ بَيْنَ الأَلْفِ وَالْتِسْعِ مِائَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: مَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ ” , فَقَالا: عُتْبَةُ , وَشَيْبَةُ – وَذَكَرَا صَنَادِيدَهُمْ- ” ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ” هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلاذَ كَبِدِهَا “، قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – لَيُرِينَا مَصَارِعَهُمْ , فَقَالَ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ الله – وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ – وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا – وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ – وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا – وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ – ” قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا جَاوَزَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عن مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ , يَقْدُمُهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ، ” فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَنْحَطُّونَ مِنَ الْكَثِيبِ، قَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ , قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا , وَفَخْرِهَا , تُحَادُّكَ , وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ اللَّهُمَّ فَأَحْنِهِمُ الْغَدَاةَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ “. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ إِشَارَةَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِتَرْكِ الْقِتَالِ، وَمُوَافَقَةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ إِيَّاهُ , وَمُخَالَفَةَ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ , وَتَعْيِيرَهُ عُتْبَةَ، حَتَّى دَعَا عُتْبَةُ إِلَى الْبِرَازِ، فَلَمَّا دَنَا الْمُشْرِكُونَ , قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ , فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ , قَالَ: ” نَعَمْ “، قَالَ: بَخٍ بَخٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ ” , قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ , إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ” فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ” , فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ , فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ , إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ رحمه الله.
—————————————-
المراجع
[1] من: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (14/ 411)، بعد أن تم تجريدها من الهوامش.
(المصدر: الملتقى الفقهي)