مقالاتمقالات مختارة

حائط البراق معلم إسلامي وجزء من المسجد الأقصى المبارك وعقيدة الأمة

بقلم الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي

للمرة الأولى في تاريخها عقدت حكومة نتنياهو جلستها الأسبوعية يوم الأحد الماضي قرب ساحة البراق في مدينة القدس المحتلة احتفالاً بمرور (50) خمسين عاماً على احتلالها وتوحيد شطريْها، حيث صوتت على خطة تطويرها ، وفي الحقيقة هي خطة ممنهجة تهدف الى تهويد المدينة المقدسة المحتلة وبالأخص البلدة القديمة منها.

جاءت هذه الخطوة الخبيثة نتيجة زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى فلسطين الذي زار ساحة البراق على أنها معلم يهودي ، والذي منح الكيان الصهيوني المحتل الغاصب الدعم المطلق والإسناد التام ، وربما جاءت هذه الخطوة أيضاً تحدياً للعالم أجمع وللمجتمع الدولي وقراراته الكثيرة التي صدرت بإبطال كافة الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال لتغيير الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس المحتلة منذ احتلالها عام 1967 ، ولعلها جاءت ايضاً رداً عملياً على قرار منظمة اليونسكو الذي اعتبر حائط البراق من التراث الإسلامي.

فالثابت في التاريخ أن حائط البراق وقف إسلامي شأنه شأن كل أرض فلسطين، يمتد هذا الجدار بين باب المغاربة جنوباً والمدرسة التنكزية شمالاً بطول 50 متر تقريباً وارتفاع يقل عن 20 متراً ، وهو جزء من السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك الذي هو جزء من عقيدة الأمة المسلمة كلها ، فقد جاءت تسميته بحائط البراق من أحداث معجزة الإسراء والمعراج ، قال صلى الله عليه وسلم عن تلك المعجزة { أُتِيتُ بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس ، قال فربطتُه بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، قال ثم دخلتُ المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل عليه السلام اخترت الفطرة ؛ ثم عرج بنا إلى السماء } رواه مسلم.

ومنذ الفتح العمري الإسلامي لبيت المقدس في السنة الخامسة عشرة للهجرة النبوية الشريفة تحولت إدارة الحرم القدسي وما حوله (بما فيها حائط البراق) إلى المسلمين حتى في فترة احتلال الفرنجة (الصليبيين) ، وظل إسلامي الهوية على مدى التاريخ الإسلامي حتى سقوط مدينة القدس في يد الاحتلال عام 1967.

هذه مكانة حائط البراق عند المسلمين ، أما مكانته عند اليهود فليس له ذكر في الديانة اليهودية ، لكنها السياسة وليست القداسة ، حيث يعتبر الصهاينة حائط البراق الجزء الباقي من الهيكل المزعوم ولهذا يقفون أمامه ينوحون ويبكون خرابه ، ففي عام 1887م حاول اليهودي الفرنسي أدموند دي روتشيلد شراء حائط البراق ليصبح ملكاً يهودياً لكن محاولته باءت بالفشل ، وفي عام 1914 حاول الأديب اليهودي ديفيد يالين أيضاً شراء الحائط ولكن محاولته فشلت كسابقتها.

واعتماداً على وعد بلفور الذي وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سعى اليهود جادّين في اكتساب حقوق واسعة لهم في هذا المكان من خلال تغيير الحالة الراهنة التي كان عليها الحائط قبل الحرب ، حيث أحضروا الكراسي للجلوس عليها أثناء زيارتهم لحائط البراق التي اعتادوا أداءها وقوفاً ، فاحتج متولي الأوقاف أبو مدين الغوث على ذلك وطلب ايقاف هذه الحالة تجنباً لادعاء اليهود في المستقبل بملكية المكان، فأصدر مجلس إدارة لواء القدس تعليمات من الانتداب بتنظم زيارة اليهود للحائط وتمنعهم جلب أي مقاعد أو ستائر عنده .

وعندما وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني صادقت عصبة الأمم المتحدة عام 1922 على صك الانتداب الذي تضمنت مادته الرابعة عشرة وجوب تعيين لجنة خاصة تتولى تقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة الخاصة بالطوائف الدينية في فلسطين ، لكن بريطانيا لم تقم بتشكيل هذه اللجنة، فتزايدت المحاولات اليهودية لجلب مقاعد عند الحائط ، وفي عام 1928 حاولوا استخدام خزانة ومصابيح وحصر وستائر ، فأرسل مفتي فلسطين رسائل إلى حاكم القدس ، فصدرت التعليمات بمنع اليهود من جلب كراسي أو ستائر إلى الحائط .

ولكن اليهود لم يلتزموا ، وهذا ديدنهم ، فانطلقت في مدن فلسطين عام 1929 ثورة البراق نتيجة اعتداء اليهود على قدسية الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك (حائط البراق) ودفاعاً عن إسلامية المسجد ، وعلى إثرها صدر المرسوم البريطاني المسمى بِ (الحائط الغربي في فلسطين) عام 1931 بناء على قرار عصبة الأمم المتحدة الصادر في 14/1/1930 م بتشكيل لجنة من ثلاثة أعضاء غير بريطانيين للنظر والتحقيق في هذه المسألة ، فطلبت من الطرفين ابراز ما لديهما من مستندات لتتمكن من الفصل في الموضوع ، فقدم المجلس الإسلامي ما لديه من مستندات ، بينما لم تقدم الجهة اليهودية أية مستندات ، فأصدرت اللجنة قرارها التالي :

1- للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي (حائط البراق) ، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي ، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي على جهات البر والخير .

2- يحظر على أيٍّ كان استعمال المكان الكائن أمام الحائط أو ما جاوره لأجل إلقاء الخطب وإقامة المظاهرات السياسية مهما كان نوعها .

3- بالنظر إلى كون الحائط أثراً تاريخياً يُناط بإدارة فلسطين تعميره التعمير اللازم بعد مشاورة المجلس الإسلامي الأعلى .

يعتبر هذا القرار وثيقة دولية واجبة التطبيق ، ولكن منذ متى تقيم سلطات الاحتلال الإسرائيلية وزناً لأحد !

أما عن محاولة تهويد هوية حائط البراق ونسبته إلى غير الإسلام والمسلمين فلا تعدو كونها عملية تزوير تاريخية وانتحالٍ مكشوفة للعالم أجمع تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية ، وأنها مجرد عملية استيلاء على المكان دون أي وجه حق ، فلا فرق بين جريمة انتزاع ملكية الأراضي من الفلسطينيين وتهجيرهم من بلادهم ومدنهم وقراهم بالقوة الغاشمة وبين اغتصاب نسبة وهوية حائط البراق الذي ثبت أنه تراث إسلامي ومعلم بارز من معالم الحرم القدسي الشريف وجزء منه .

إن زيارة ترامب لأرض فلسطين المغتصبة ، وإن مبالغته في الثناء على الكيان الغاصب وعلى قوته وتقدمه المادي وسعيه على السلام ـ كما سمعنا جميعاً ـ لا تعطي الشرعية لقرارات سلطات الاحتلال الإسرائيلية التي تتخذها بحق حائط البراق والمسجد الأقصى المبارك ، ولا تنشئ للاحتلال فيهما او في غيرهما من أرض فلسطين المقدسة أية حقوق ، ولن تغير الحقيقة التاريخية الثابتة أن حائط البراق معلم إسلامي وجزء من المسجد الأقصى المبارك .

وإنني أستغرب ردود الفعل المنعدمة تجاه عقد حكومة الاحتلال اجتماعها في هذا المكان الإسلامي المقدس للأمة كلها لانطوائه على اختبار لمواقف الأمة ، وعلى دلالات استفزازية لمشاعر مليار وسبعمائة مليون مسلم ، وعلى الاستخفاف بكل الشرائع الإلهية والقوانين والمواثيق العالمية وبالقرارات الصادرة عن الهيئات الدولية .

لذا فإنني أناشد أبناء شعبنا الفلسطيني الصابر المصابر المرابط في جميع مواقعه وبالأخص أبناء مدينة القدس المحتلة والأراضي المحتلة عام 48 ، بل وأناشد كل من يتمكن من أبناء الأمة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ، وللتأكيد على تمسكهم بكل جزء من أجزائه ومكوناته ، ولرفض كافة المؤامرات الساعية إلى تدنيسه وانتهاك حرمته وتهويد محيطه ، تمهيداً للهيمنة عليه ثم هدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه ، فهو جزء من عقيدة الأمة ورمز كرامتها وعزتها ، وهوية عنوان هوية أرض الإسراء والمعراج التي فرض الله عز وجل إسلاميتها من فوق سبع سماوات في قرآن يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَمِيعُ الْبَصِير } الإسراء 1.

حكومة نتنياهو عند حائط البراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى