الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وصلى الله عليه وآله وسلم. أمَّا بعدُ:
يقول الدكتور عبدالباري محمد الطاهر:
“بَحَث المستدمرون في جَعْبتهم بعد محاولاتهم المستمرة للسيطرة على دول الشرق الإسلامي، فاتخذوا في ذلك خطَّين متوازيين:
الخط الأول: استخدام أسلوب “فَرِّقْ تَسُدْ”، ففرَّقوا الأمة الإسلامية شِيَعًا وأحزابًا، وأسْهموا في أن يضرِبَ بعضُهم رقابَ بعض، فكانتْ بعض بلاد الشرق الإسلامي فريسةً سهلة لهم.
الخط الثاني: وهو المعروف بالغزو الفكري المتمثِّل في وضع خطط تحاول بها دول الاستدمار تفتيت دول الشرق الإسلامي – عقديًّا وسياسيًّا – فقد عَلِموا أنَّ سلاح الفكر أمْضَى من أسلحة البارود والنار، وبذلوا في هذا الاتجاه كلَّ ما استطاعوا بذْلَه.
ولعلَّ من أبرز هذه الخطط ما يلي:
1- نشْر الأفكار المنحرفة التي تَضرِبُ العقيدة الإسلامية.
2- نشْر العلمانيَّة، والسَّعْي مِنْ أجْل تدْعيمها.
3- تأصيل فكرة القوميَّة.
4- تهيئة دول الشَّرْق الإسلامي لفكرة العولَمة.
5- الاهتمام بالاستشراق، ودراسة دول الشرق الإسلامي بشكلٍ تفصيلي، ولو أدَّى ذلك إلى تعلُّم اللغة العربية، ونشْر التراث الإسلامي وتحقيقه، وترجمة العلوم الإسلاميَّة إلى لُغاتهم؛ ليدرسوها دراسةً متأنِّية، ثم يَضعوا الْخُطط لمواجهة الإسلام.
يقول الدكتور عبدالباري محمد الطاهر: “وكان من أشدِّ هذه الْخُطط خطرًا: إنشاء المذاهب والمبادئ الهدَّامة، كالماسونية، والقاديانية، والبهائيَّة وغيرها، ثم إشغال المسلمين بها، وإخراجهم من دينهم بواسطتها، وإنشاء الأحزاب السياسيَّة المتنافرة، والتيَّارات المختلفة المبادئ والاتجاهات، كالقومية والاشتراكية، والفلسفة الماركسية الملحِدة – الشيوعيَّة – التي تقومُ على إنكار وجود الله – عز وجل – وإثارة الفِتَن بين الطبقات، وقد سلَّموا زعامَتها لأشخاصٍ فارغين، يُوجَّهون من قِبَل أعداء الإسلام في الشرق والغرب.
وخيوط المؤامرة التي نسَجها أعداءُ الإسلام لغزو المسلمين فكريًّا، يُمكن أن تُلَخَّصَ في النقاط الآتية:
أولاً: كوَّن أعداء الإسلام فِرَقًا وجماعات هدَّامة انتسبتْ – زورًا وبهتانًا – إلى الإسلام، وكانتْ تهدِف إلى القضاء عليه من الداخل.
ومن هذه الفِرَق والجماعات الهدَّامة: القاديانية، البهائيَّة.
يقول الدكتور سعد الدين السيد صالح في كتابه: “احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام”: ولقد كان الهدف من إنشاء هذه الفِرَق والمذاهب:
1- ضرْب الإسلام كعقيدة وشريعة والقضاء عليه، وتشويه مبادئه في عقول المسلمين.
2- إسقاط شريعة الجهاد التي أقضَّتْ مضاجِعَ المستدمرين، وذلك يُعتبر ضمانًا لاستمرار احتلال أعداء الإسلام لبلدان العالَم الإسلامي.
3- إشاعة الفُرقة الفكريَّة بين المسلمين، وشغْلهم بالردِّ على بعضهم، واستنفاد قوَّتهم في الجدل والمناقشات.
4- أن تعمل هذه الفِرَق – وخصوصًا البهائيَّة – كجناح آخر للحركة الماسونية الصِّهْيَونيَّة، التي تحاول تحقيقَ السيْطرة العالمية لليهود أجْمَع.
5- إشاعة نظرية وَحْدة الأديان بين المسلمين.
وفي هذا الشأْن يقول الأستاذ عبدالرحمن حسن الميداني في كتابه “أجنحة المكر الثلاثة”:
“جرَّب الغُزاة أن ينشروا بين المسلمين عقائدَ جديدة تفسِّر نصوص الإسلام بحسب أهوائهم، وتنادي بالأخوَّة الإنسانيَّة دون تفريقٍ بين الأديان القائمة، وتفسِّر الإسلام على أنَّه واحدٌ من هذه الأديان المنتشرة في الأرض؛ يدعو إلى المحبة، وإلى التآخي العام بين البشر، مَهْمَا كانتْ مذاهبهم واتجاهاتهم، وأعمالهم ومعتقداتهم، ولا يفرض نفسَه على الناس فرضًا”، ثم يقول أيضًا:
“واستأْجروا للقيام بتنفيذ هذه المخطط أُجَرَاء ضمن صفوف المسلمين بألوان شتَّى وصُوَر مختلفة، وظهَر بعضُ هؤلاء بأثواب قادة سياسيين، وظهَر بعضهم بأثواب مصلحين دينيين، وابتدعَ بعضهم دينًا جديدًا دعا إليه، وجَمع فريقًا من المرتزقة عليه، فظهرتِ البهائيَّة في إيران والقاديانية في الهند، وكلٌّ منهما متضمِّن أخلاطه الاعتقاديَّة الملفقة، والتي منها:
• إلغاء الجهاد في سبيل الله.
• الدعوة إلى التعايُش في محبَّة وإخاء وتعاون مع السلطات الصليبيَّة الكافرة التي تمتصُّ خيرات البلاد وتنشر مبادئها، باعتبارها أُمَّةً غالبة مستعْمِرة”.
ثانيًا: أثار أعداء الإسلام النعرات القوميَّة والعِرْقيَّة؛ لتمزيق الوحدة الإسلامية التي تُفْزِع أعداءَ الإسلام.
يقول الدكتور عبدالباري محمد الطاهر:
“والتيارات القوميَّة التي جلبَها أعداء الإسلام من ديارهم، وفوَّضوا أمرَ نشْرها لنصارى العرب، ثم لأذيالهم ممن دفعَهم الإعجاب بأساتذتهم إلى التنكُّر لدينهم – خير دليلٍ على سَعْي أعداء الله؛ لتمزيق وحدة أُمَّتنا الإسلامية”.
وقد نقَل الشيخ الغزالي في كتابه “هموم داعية” تصريحَ وزير المستعمرات البريطانية “أورمس غو” الذي يقول فيه:
“إنَّ الحرب علَّمتْنا أنَّ الوَحْدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطوريَّة أن تحذرَه وتحارِبَه، وليستْ إنجلترا وحْدَها هي التي تلتزم بذلك، بل فرنسا أيضًا، ومن دواعي فرحتنا أنَّ الخلافة الإسلامية زالتْ، لقد ذهبتْ ونتمنَّى أن يكونَ ذلك إلى غير رجعة.
إنَّ سياستنا تهدِفُ دائمًا وأبدًا إلى منْع الوَحْدة الإسلاميَّة، أو التضامُن الإسلامي، ويجب أن تبقَى هذه المسألة كذلك”.
ويعقِّب الأستاذ أنور الجندي على هذا التصريح قائلاً:
“ويزول العجبُ من هذا إذا عَلِمْنا أنَّ القوميَّة التي جلَبها أعداء الإسلام إلى بلاد المسلمين، وفوَّضوا أمرَ نشْرها إلى نصارى العرب، كانتْ من أسباب سقوط دولة الخلافة الإسلاميَّة، وحلَّتْ محلَّها تيارات قوميَّة عملتْ على النخر في جسد الأمة من الداخل، وتمزَّقَتْ أوصال الدولة الإسلاميَّة لتسقط الخلافة الإسلامية”؛ انظر كتاب:
“كيف يحطم المسلمون قيد التبعية والحصار”.
ثالثًا: تمجيد وإحياء الحضارات القديمة؛ الآشورية، والفينيقية، والفرعونية، وتسليط الأضواء عليها.
يقول الدكتور عبدالباري محمد الطاهر:
“وهي محاولة من أعداء الإسلام؛ كي ينبهرَ الشباب المسلم بهذه الحضارات، وينسى حضارته الإسلامية الأصيلة، التي قد طمَس الأعداء عن الشباب أخبارَها، وشوَّهوا حقائقَها؛ حيث خفيتْ عن الشباب أنباؤها، فلم يفتحْ عينيه إلا على حضارات أعداء الإسلام وأمجادهم”.
رابعًا: استهداف المؤامرة على الإسلام أيضًا: انبعاث الفكر الصوفي الفلسفي، والفكر الباطني الوَثَني.
يقول الأستاذ أنور الجندي:
“إنَّ الحصن الحصين في حياة الأمة الإسلامية؛ وجودها، وقيامها، وبنائها، واستمرارها – هو الإسلام بمفهومه الجامع – منهج حياة ونظام مجتمع – القائم على التوحيد الخالص، الذي لا تشوبه شائبةٌ، وبمفهوم رسالة الإنسان في الأرض؛ لبناء المجتمع الإسلامي، ومسؤولية الفردية، والتزامه الأخلاقي، وإيمانه بالبعث والجزاء، وعقيدته الجامعة التي تؤمن بالله وملائكته، وكُتبه ورُسله، واليوم الآخِر، والتي تؤمن بأنَّ الأمور كلَّها بيد الله، وأنَّه خالقُ كلِّ شيءٍ، ومُدَبِّر كلِّ شيء”.
ومن أجْل ذلك عمَد أعداء الإسلام إلى نشْر الأفكار الباطنيَّة والصوفيَّة من جديد؛ لتَعملَ تلك العقائد المنحرفة على تدمير الإسلام، وتحطيمه، وإزالته.
فأعداء الإسلام – كما يقول الأستاذ أنور الجندي – حاوَلوا أن يُطَبِّقوا مفاهيمَ الأديان الأخرى عليه، وتناسوا أنَّ الإسلام يختلف عن هذه العقائد التي قد أصابَها التحريف، أو وضَعَها البشرُ لأنفسهم؛ إذ المحرِّك الوحيد لهذا الدين – وهو أيضًا المحرِّك الرئيس لكلِّ ما يصدر عنه من معتقدات وشرائع وأفكار – هو الله.
خامسًا: نشْر الكثير من الأفكار المشوَّهة عن الإسلام وتاريخ المسلمين، وإثارة الشُّبهات حول هذه الأمور:
يقول عبدالباري محمد الطاهر:
“وهذه المؤامرة من آثار دسائس الْمُنصِّرين، والمستشرقين، والمستدمرين ضد الإسلام، ومن ورائهم كيْدٌ يهودي يعمل في الْخَفاء لمصلحة نفسه، ويستغل جهودَ كلِّ مُفْسد يتسمَّى باسم الماسونية تارة، وباسم الصِّهْيَونيَّة أخرى، ومع هؤلاء في الغزو الفكري للمسلمين: الشيوعيون، والمنافقون، والملحدون، وسائر الكفرة بالله واليوم الآخِر”.
يقول الأستاذ أنور الجندي:
“وقد وفدَ بعضُ هؤلاء إلى بعض ديار المسلمين وفي حقائبهم تعليمات مكتوبة وغير مكتوبة، تحملهم مهمات متعدِّدة، من أخطرها هدْمُ الإسلام في عقائده، وعباداته، ونُظمه وأخلاقه”.
وهكذا رأيْنا الوسائل التي استخدمَها الاستدمار الغربي القذر للنَّيْل من الإسلام وأهله.
للمزيد يُرْجَى الرجوع إلى الكتب الآتية:
• الإسلام والدعوات الهدَّامة؛ أنور الجندي.
• أجنحة المكر الثلاثة؛ عبدالرحمن حسن الميداني.
• كيف يحطم المسلمون قيد التبعية والحصار؛ أنور الجندي.
• دول الشرق الإسلامي الحديث، قراءة في أسباب الاستدمار الأوروبي وآثاره؛ د. عبدالباري محمد الطاهر.
• هموم داعية؛ الشيخ الغزالي.
• احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام؛ د. سعد الدين السيد صالح.
(المصدر: شبكة الألوكة)