مقالاتمقالات المنتدى

أسرار الخلق بين (كيف؟) و(لماذا؟)

أسرار الخلق بين (كيف؟) و(لماذا؟)

بقلم د. بشير المساري( خاص بالمنتدى)

قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف…).
في حدود علمنا لم يمنح الله مهمة الاستخلاف غير الإنسان .. وبه سمى الله آدم خليفة، وفيه ما فيه من التفويض وانظر كيف فوض الله ذا القرنين: (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) وهذا الاستخلاف في إدارة الدنيا الذي حدوده مقيده بالشرع يأخذ جزءا من معناه بمعنى التوكيل (التفويض) والجزء الآخر بمعنى يخلف الناس بعضهم بعضا.

فإذا قد سلمنا بمعنى التفويض من الله في إدارة ما سخره الله لنا فإن مقتضاه يرفع من سقف صلاحية كشف قوانين الموجودات وإدراك كنهها .. ولذلك ندبنا الله لمعرفة (الكيف) بدرجة مناسبة لمكانة المهمة، وهي عمارة الأرض قبل أن نبحث في الطرف الثاني لسر الخلق (لماذا).

فالكيف متعلق بنشاط المخلوق لتحسين معايشة وعمارة دار الاستخلاف كما قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) وللنظر فيها كنعمة مبسوطة من صاحب الإيجاد والإمداد، فحض وحث على الكشف والتدبر: (قل سيروا في الأرض فانظروا (كيف) بدأ الخلق).

وبهذا الإطلاق لقانون التسخير ذهب الإنسان لينقب عن سبل تطوير حياته من الذرة إلى المجرة، بل وما هو متصل بنواميس السماوات والأرض بلا قيود .. ألم يقل المولى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مِّنۡهُۚ…)
[سُورَةُ الجَاثِيَةِ: ١٣].

والتسخير التذليل ولن يسخر الله ما في السماوات وما في الأرض للإنسان ثم يحجب عنه قوانينها وأسرارها.. فكيف ينتفع بها وهي بعيدة عن تناوله لصالحه وعصية عن تطويعها لنفسه.
ومنه نعود إلى السر المودع في أمر الله للملائكة أن تسجد لآدم، وإنما كان ذلك لطبيعة المهمة التي ليست للملائكة .. ولمكانة علم واسع هو فوق علمها المحدود المتوقف عند وظائفها المختصة بها .. ولذلك قالت حينما (علّم آدم الأسماء كلها) أي حقائق الأشياء، وعجزت هي عن معرفتها قالت: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) أي علْمنا غير مطلق بإدراك ما في السماوات وما في الأرض، بل بما علمتنا أنت وفقا لوظائفنا الخاصة.

من هنا فإن معرفة (الكيف؟) موجه للإنسان كيف كان الوجود؟ وكيف هو كائن؟ وكيف سيكون؟ (فانظروا كيف بدأ الخلق) فلم يكن غريبا أن يصل الإنسان إلى معرفة بدء الخلق .. ويصل إلى حقيقة الرتق والفتق .. وأن ينفذ من أقطار السماوات والأرض إلى القمر وإلى حيث يريد متى وجد إلى ذلك سبيلا .. وبعدُ .. إذا قال الإنسان إن الكون قد نشأ قبل نحو 12 مليار سنة .. وإذا قال إنه يملك تحديد تاريخ ظهور الكائنات عبر المستحثات .. ويعرف تاريخ الحضارات .. فذلك كله وارد بقانون التسخير.

وتأسيسا عليه فالقرآن الكريم دعوة مفتوحة للنظر في كل شيء .. النظر إلى خلق الأحياء (فلينظر الإنسان مم خلق)..
إلى النباتات (فلينظر الإنسان إلى طعامه).. و إلى الحيوانات (كيف خلقت) (وإلى السماء كيف رفعت) (وإلى الجبال كيف نصبت) (وإلى الأرض كيف سطحت).

ولم تقف قدرات علمه عند معرفة الأشياء بل ومضى إلى التدخل في تغييرها مثل التلاعب بالجينات الوراثية وهذا الزائد عن الحاجة من عمل الشيطان (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) (النساء:١١٩).

السؤال (لماذا)
أما سؤال الغاية (لماذا) فليس للإنسان بل هو لخالق الإنسان فالتسحير بالسؤال (كيف) لتأمين سبل البقاء وبقي السؤال عن الغاية من البقاء (لماذا) وهذا الله وحده من يملك الإجابة عليه، فإذا كان كل شيء مسخر للإنسان فإن الإنسان نفسه مسخر لله : { وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ }
[سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: ٥٦].

على أن الإنسان عن معرفة العلة من الخلق جاهل جهلا تاما ورغم أهميتها إلا أنه لايحب أن يخوض فيها لأن مفهوم العبثية تحرير من قيود الالتزام، فيتحاشا الإجابة عنها لكن الله تعالى لم يترك علة الاستخلاف بلا جواب .. بل أرسل الرسل ليجيبوا عنها وأنزل الكتب لإقامة الحجة وفقها .. وبعد ذلك { قَدۡ جَاۤءَكُم بَصَاۤئرٌ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِیَ فَعَلَیۡهَاۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ }
[سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ١٠٤]

إقرأ أيضا:بيان لمؤسسة القدس الدولية بخصوص الفصح 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى