مقالاتمقالات المنتدى

معاناة المرأة في زمن موسى (16)

المرأة والأعمال الشاقة خارج البيت

معاناة المرأة في زمن موسى (16)
المرأة والأعمال الشاقة خارج البيت

بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد ( خاص بالمنتدى)

خرجت المرأتان من بيتهما لرعي الغنم اضطرارًا، لعدم وجود رجل يقوم بهذه المهمة نيابة عنهما، فالأب كما وصفوه (شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص: 23] لا يقوى على مجالدة رعي الأغنام، فلا بديل عنهما، فخرجتا اضطرارًا للرعي، وليس حبًّا في العمل خارج البيت.
ودليل ذلك أنهما في أول فرصة لوجود البديل تقدَّمت إحداهما بالمشورة على أبيها بقولها: (يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26]، ولو كانتا تُحبَّان العمل خارج البيت لما تقدَّما لأبيهما بهذا المقترح.

قال ابن كثير رحمه الله: (قَالَتْ لِأَبِيهَا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ)؛ أَيْ لِرِعْيَةِ هَذِهِ الْغَنَمِ). (تفسير ابن كثير 6/ 206)
والدليل الآخر، فطرتهما السليمة، فالمرأة تميل إلى القرار في البيت فطرةً، ولا تضيق نفسها بذلك. ويمكن إدراك ذلك فيها منذ الطفولة، فرغبة الطفل في الخروج من البيت واللعب خارج البيت أكثر من رغبة الطفلة. وعندما تُؤمر البنت بالبقاء في البيت وعدم الخروج لا تتضجر من ذلك، بخلاف الصبي، فإنه يضيق صدره بالبقاء في البيت.

إن الدعوة إلى خروج المرأة من بيتها والتنكُّر لفطرتها خرجت أول ما خرجت في الغرب، وكان من دواعي ذلك: تنصُّل الرجل من مسؤولياته تجاه المرأة، ورغبة الفسَّاق منهم في الاستمتاع بالمرأة في كلِّ الميادين. فماذا أفرزت هذه الدعوة؟

لقد أفرزت واقعًا مؤلمًا لا يختلف العقلاء في ذلك؛ يقول الدكتور السباعي رحمه الله: (يُجمع كلُّ مَن زار الغرب من الشرقيين وبخاصة العرب المسلمين على أن المرأة هناك أصبحت في وضع مؤلم لا تحسد عليه. وقد زرت أوروبا أربع مرات فما تألمت فيها لشيء كما تألمت لشقاء المرأة الغربية وابتذالها في سبيل لقمة العيش، أو رغبتها في أن تكون مثل الرجل تمامًا، وقد استطاع الرجل الغربي أن يستغل ضعف المرأة في هذه الناحية فسخَّرها إلى أقصى الحدود في سبيل منافعه المادية وشهواته الجنسية، قد تأكد لي بعد كل ما رأيته أن المرأة المسلمة على ما هي عليه اليوم أسعد حالًا وأكرم منزلة من المرأة الغربية). (المرأة بين الفقه والقانون 182).

فلا غرابة بعد ذلك إذا سمعنا وقرأنا من يطالب من النساء في الغرب بعودة المرأة إلى بيتها والتفرُّغ لأولادها وزوجها لتجد حقيقة نفسها.
وفي هذا المقترح الذي طرحته إحداهما دليل ثالث على رغبتهما في القرار في البيت وترك العمل في رعاية الأغنام، لعدم انسجام ذلك مع فطرتهما وطبيعة خلقتهما، وهو في قولها: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26].

قال السَّعْدِي رَحِمَهُ الله: (أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمعهما، أي: القوة والقدرة عَلَى ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة). (تفسير السعدي 614).
والمعنى المراد هنا هو القوة، فهي التي فُقدت في الشيخ الكبير، وهي التي جعلت البنت تقترح على أبيها هذا المقترح، لأنها مفقودة في المرأة عمومًا، فالمرأة ضعيفة فطرة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ). (رواه ابن ماجه). فعدَّها النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة، وجمعها مع اليتيم في نفس الصفة وهي صفة الضعف.

وإذا كانت المرأة ضعيفةً فطرةً، فمِن الظلم لها أن تُعامل معاملة الرجل، وتُعطى أعمال الرجال الشاقَّة، تنفيذًا لقرارات اتفاقية (سيداو)!
ومن صور ذلك: ساعات العمل المفروضة على المرأة، وبدء دوام العمل، لا يتناسبان مع طبيعة المرأة وخلقتها والوظيفة الرئيسة التي أُسندت لها وهي رعاية الأسرة، من الأمومة والحضانة ورعاية الزوج والبيت وغيره.

فنجد المرأة تقوم قبل الفجر لتجهز نفسها للخروج إلى العمل، وتقف في طوابير الناس التي تنتظر المواصلات العامة لتركب معهم في ازدحام مخيف بين الرجال والنساء، لتصل إلى عملها في الوقت المحدد، ثم تعطي أفضل ما عندها من الطاقة وبشاشة الوجه فترة العمل والتي هي في الغالب ثمان ساعات متواصلة، لترجع مرة ثانية إلى دوامة انتظار المواصلات المزدحمة لتصل إلى بيتها منهوكة متعبة فترمي نفسها على فراشها لتأخذ قسطًا من الراحة، أو تزجَّ بنفسها في الأعمال التي تنتظرها في البيت، لتزيد من أعباء هذا الجسد المنهك!

فماذا يُتوقَّع من مثل هذه المرأة العاملة أن تقدم لأطفالها من الحبِّ والحنان والابتسامة قبل خروجهم من البيت إلى المدرسة؟!
ماذا نتوقع منها أن تُقدِّم لهم من حُسن الاستقبال، وطيب العيش في المأكل والمسكن إذا عادوا إلى البيت بعد عناء يوم دراسي لم يراعِ طفولتهم البريئة؟!
ماذا نتوقَّع منها أن تُقدِّم لحياتها الزوجية من رعاية لهذا الزوج الذي يبحث عن سكن يأوي إليه من عناء الدنيا؟!

إن الإسلام لم يُحرِّم على المرأة العمل، ولكن وضع له ضوابط، فمن حقَّقت هذه الضوابط جاز لها أن تعمل، ومَن أخلَّت بهذه الضوابط، أصبح العمل في دائرة الحرام، أو في دائرة الوبال على المرأة.

ومن هذه الضوابط:
1) أن يكون العمل مباحًا؛ فالغناء والرقص من الأعمال المحرمة، ووصل الشعر والنمص من الأعمال المحرمة. والبغاء من الأعمال المحرمة.
2) أن تنضبط المرأة بالضوابط الشرعية لخروجها من البيت، مثل ألا تخرج متطيبة ولا متبرجة.
3) ألا تزاحم الرجال، فالأعمال المختلطة لا يجوز للمرأة العمل فيها، لأنها توقع المرأة في مخالفات شرعية كثيرة، منها: اختلال الستر في لباسها، وكسر حاجز الحياء بينها وبين الرجل، وتأثُّر عفَّتها، وتسبُّبها في هيجان شهوة الرجال، وغيرها.
4) ألا يؤدي عملها إلى التقصير في حقِّ الزوج، أو إلى ضياع الأطفال، أو التقصير في رعاية البيت.
5) ألا يؤدي عملها إلى مصاحبة الفاسقات، فالصاحب ساحب.
6) ألا يؤدي العمل إلى الإضرار بها، ففي الحديث: “أَنْ لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ”. (رواه ابن ماجه).
7) ألا يؤدي العمل إلى ضياع دينها، وهو من أهم الضوابط.
8) ألا يقتل العمل صفة الأنوثة فيها.
وغيرها من الضوابط الشرعية لعمل المرأة.

وإليك هذا الاعتراف المتأخِّر للمثلة الأمريكية (بربارة سترياند) في آخر مقالة صحفية لها، حيث قالت: (لقد بدأت أتأكد من أن أشياء كثيرة تنقصني، اهتممت أكثر مما يجب بحياتي الفنية، ونسيت حياتي كامرأة وكإنسانة، مما جعلني اليوم أحسد النساء اللواتي عندهنَّ الوقت الكافي للاعتناء بأزواجهنَّ وأطفالهنَّ، والحقيقة إن النجاح والشهرة لا معنى لهما في غياب الحياة العائلية العادية حيث تشعر المرأة أنها امرأة!). (خطر التبرج والاختلاط 165).

فهل أدركت نعمة القرار في البيت كملكة يرعاها رجلٌ يَشقى في حياته خارج البيت من أجلها؟!

16 رمضان 1446هـ

��المرأة والأعمال الشاقة خارج البيت_16�

إقرأ أيضا:أوراق دستورية …. أزمة في الهوية الوطنية السورية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى