مقالاتمقالات المنتدى

ملخصٌ للثوابتُ في القضيةِ الفلسطينيةِ

ملخصٌ للثوابتُ في القضيةِ الفلسطينيةِ

بقلم الشيخ عارف بن أحمد الصبري( خاص بالمنتدى)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين:
وبعد:
فهذه خلاصةٌ شرعيةٌ للثوابتِ في القضية الفلسطينيةِ: قضيةِ المسلمين الأولى، وبيانُ الموقف الشرعي منها.

الداعي لهذه الرسالة:
أولاً:
إن معرفةَ هذه الأحكام الشرعيةِ فريضةٌ وضرورةٌ؛ لإن القضية الفلسطينية قضيةُ المسلمين جميعاً، ونصرةُ أهلها صارت فرضَ عينٍ على كل مكلفٍ من المسلمين، كلٍّ بحسبه؛ فتعين على كل مكلفٍ معرفة الحكم الشرعي لما تعلق بذمته.

ثانياً:
لأن غياب التَّصور الشرعي والاعتقاد الصحيح بشأن القضية الفلسطينية أفضى إلى تباين الآراء والمواقف؛ بسبب الخلط بين الثابت والمتغير، وبين القطعي والظني؛ فكان لزاماً أن نبين الثوابت والمحكمات الشرعية التي تُعتبر قاسماً مشتركاً بين جميع المكلفين، والتي ليست محلَ خلافٍ، وليست مذهباً لأحدٍ؛ بل هي دينٌ مشتركٌ بين جميع المسلمين.

ثالثاً:
لأن معرفةَ الحكم الشرعي، والعملَ به واجبٌ، وهو الطريق الصحيحُ الوحيدُ للنصرةِ الشرعية، وهو الطريق الوحيد الذي تبرأ به الذمة، وهو الطريق الوحيد الذي تُحمدُ عواقبه، ولا يلحقهُ ندمٌ.

والمأمول من العلماء بيانُ هذه المسائل، وشرحها للمسلمين.

وأسأل الله أن يجعل هذا العملَ موافقاً لكتابه سبحانه، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكتب له القبول والنفع للإسلام والمسلمين، وأن يجعله في ميزان حسناتنا جميعاً.

مسألة:
إن قضيةَ فلسطين هي قضيةُ أمةٍ بكاملها، لا قضية شعبٍ بمفرده، هي قضيةُ كل عربيٍ، وكل مسلمٍ أينما كان.
إنها قضيةُ عدوانٍ واحتلالٍ وتحريرٍ، لا قضية مفاوضاتٍ وتطبيعٍ واتفاقياتٍ.

مسألة:
فلسطين أرضُ وقفٍ إسلاميٍ على جميع أجيال المسلمين إلى يوم القيامة.
مع بقاء الأرض بأيدي أصحابها ينتفعون بها وبخيراتها؛ فرقبة الأرضِ للمسلمين جميعاً، والمنفعةُ لسكانها من المسلمين والمسالمين.

مسألة:
أرضُ فلسطين دارُ إسلام لا تقبل التجزئة ولا القسمةَ بين اثنين، ولا هي معروضةٌ لبيعٍ وليست ملكاً لسلطةٍ أو حاكمٍ أو غيرهما، بل هي لله ولرسوله وللمؤمنين طيبةً مباركةً إلى يوم الدين.

مسألة:
لأن فلسطين أرض المسلمين، فلا سلام مع الغاصبين ما داموا يحتلون شبراً واحداً منها.

مسألة:
فلسطينُ حقٌ ثابتٌ لكلِ المسلمين، ووقفٌ مُشاعٌ لهم جميعاً، ولا يختص بجيلٍ دون جيلٍ؛ بل لكل أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، ولا يملك أحدٌ فرداً كان أو جماعةً، أو حكومةً التنازلَ عن ذَرَّةٍ من ترابها لغاصبٍ، ومن تصرّف بشيءٍ من ذلك فقد تصرَّف فيما لا يملكُ، وتصرُّفه باطلٌ شرعاً، ولا يترتب عليه أيّ أثرٍ شرعيٍ أو قانونيٍ.

مسألة:
الحقُ الثابتُ للمسلمين في فلسطين لا تُسقِطه معاهدةٌ، ولا وعدٌ، ولا وثيقةٌ، ويحرمُ الصلح على التنازل عن شبرٍ منها وعلى هذا إجماع العلماء.

مسألة:
كلُّ معاهدةٍ تقع على التفريط أو التنازل عن جزءٍ من أرض فلسطين تقعُ باطلةً.
والمسلمون جميعاً غيرُ معنيين ولا محجوجين بعقودِ أو معاهداتِ الإذعانِ والإذلال المفروضةِ عليهم، وليسوا ملزمين بأيٍ منها.

مسألة:
إن فلسطين ليست هي الجزء المحتل في عام 1967م فحسب، ليست هي غزة والضفة الغربية، ولا هي المسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ بل هي كل فلسطين، لا فرق بين الصخرة المشرفة وبين أي جزءٍ لا ينبت في صحراء النَّقَب، فالحكم الشرعي في تحريرها واحدٌ.

مسألة:
ليس لليهود حقٌ في فلسطين لا من جهة الأقدمية، ولا من الجهة الدينية، بل هم محتلون غاصبون محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين.
وكل اليهود في فلسطين محاربون وليس فيهم مدنيٌ؛ لأنهم جميعاً جاءوا من خارج فلسطين غزاةً معتدين، وبالنسبة للصبيان والنساء غير المشاركات بالرأي ولا بالحربِ فهؤلا نهى النبيُ صلى الله عليه وسلم عن تَعمُّدِ قتلهم؛ لكنهم يقاتلون جميعاً حتى يخرجوا من فلسطين التي اغتصبها هؤلاء المستوطنون كلُّهم، وطردوا أصحابَ الحق من أرضهم وديارهم.

مسألة:
القتالُ ضد الصهاينة المعتدين فرضُ عينٍ على جميع أبناء فلسطين، ولعدم حصول الكفاية بأبناء فلسطين فإن الجهاد يُفترض على من يليهم من المسلمين فرضَ عينٍ كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، ثم الذين يلونهم، إلى أن تحصل الكفاية، فإذا لم تحصل الكفاية؛ فَيُفترض على جميع أهل الإسلام شرقاً وغرباً على هذا التَّدرج.

مسألة:
كلُّ مسلمٍ يجب عليه الجهاد، والنصرةُ بحسب الإمكان، بالنفس، وباللسان، وبالقلب، وبالكلمة، وبالمال مع القلة والكثرة، وبكل مقدورٍ.

مسألة:
القتالُ في فلسطين جهادٌ في سبيل الله دفاعاً عن الدين، والحرمات، والأنفس والأوطان، والأموال.

مسألة:
الجهاد في فلسطين هو جهاد دفعٍ، لدفع اليهود الذين صالوا على الدين والأنفس والأعراض والأموال، فجهادهم من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض وهو أعظم صور دفع الصائل.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرطٌ؛ بل يُدفع بحسب الإمكان).

مسألة:
حكم الجيوش العربية والإسلامية:
إذا كان الجهادُ اليوم ضد الصهاينة المعتدين واجباً متعيناً على كل المسلمين؛ فإن وجوبه على الجيوش العربية والإسلامية أوكدُ وأوجب؛ لأنه واجبٌ عليهم بأعيانهم من وجوه:
واجبٌ بخطاب الشرع الذي يشملهم؛ لأنهم من المسلمين.

وواجبٌ بالعقد الذي دخلوا فيه مع الأمة بقبولهم الانتساب إلى الجيش الذي يوكل إليه الدفاعُ عن الدين، والأنفس، والأعراض، والأموال، والأوطان، وحمايةُ بيضة الإسلام.

وواجب عليهم بالعوض وهو الأجر الذي يتقاضونه على عملهم في الجيش، فإنه لو لم يكن واجباً عليهم بشرعٍ، ولا بعقدٍ، لوجب عليهم بالمعاوضة عليه، كما يجب العمل على الأجير الذي قبض الأجرة عليه، فإن قصَّر هؤلاء الجند أثموا وكان ما يتقاضونه من الأجر سحتاً لا يحلُّ لهم.
وبناءً على ذلك فواجب الجيوش العربية والإسلامية أن تقوم بقتال المعتدين على المسلمين في فلسطين، وفي غيرها من البلاد الإسلامية المغتصبة.

مسألة:
لا يجوز أن يقتصرَ دعم المرابطين في فلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية المحتلة على المال فقط؛ بل يجب دعمهم بالمال والرجال والسلاح الذي يردع المعتدي ويرد كيده ويكف أذاه.

مسألة:
حكم التَّخاذل عن قتال العدو المحارب:
إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير بلا إذن والدٍ ولا غريمٍ.
ولا يجوز لأحدٍ التخلف؛ لأن الجهاد صار جهاد اضطرارٍ لدفع ضرر الصهاينة عن الدين والنفس والحرمة فهو واجب إجماعاً.
لذلك فإن التَّخلفَ عن جهاد الصهاينة المعتدين فرارٌ من الزحف، وهو كبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ بل هو من السبع الموبقات.

مسألة:
من عجز عن الجهاد بيده وقدر على الجهاد بماله، وجب عليه الجهاد بماله لقوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله كما يجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضلٌ.
وكذلك في أموال الصغار إذا احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة.
بل إن الجهاد المتعين لدفع الضرر مُقدَّمٌ على الوفاءِ بالدَّين والنفقة، فإذا ضاق المال عن إطعام الجياعِ، والجهاد الذي يُتَضررُ بتركه قدّمنا الجهادَ، وإن مات الجياع كما في مسألة الترس.

مسألة:
بسبب عجز أبناء فلسطين عن دفع هذا العدو الغاصب فالجهاد متعين كذلك على غير أبناء فلسطين من أبناء المسلمين كما تقدم معنا.

مسألة:
حكمُ المتخاذل عن الجهاد ضد الصهاينة المعتدين:
فيه تفصيلٌ:
أولاً:
إن كان المتخاذلُ عن الجهاد ضد الصهاينة فرداً، وكان تركُهُ تكاسلاً وجُبناً فهو مذنبٌ عاصٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومرتكبٌ لكبيرة من كبائر الذنوب.

ثانياً:
أما إذا كان المتخاذلُ عن الجهاد ضد الصهاينةِ، جماعةً أو طائفةً من المسلمين تواطأوا فيما بينهم واتفقوا على ترك الجهادِ الواجب عليهم، فقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها.
كما لو امتنعوا عن إقامة الصلاة أو أداء الزكاة أو الصيام أو تركوا جهاد العدو ونحو ذلك من شرائع الإسلام.

مسألة:
القاعدون عن الجهاد لعذرٍ من الأعذار الشرعيةِ يجبُ عليهم أن يخلفوا المجاهدين في أهليهم وأموالهم بخيرٍ.

مسألة:
حكم التعاون مع العدو الصهيوني ضدّ المسلمين:
ما تقدّم هو حكم المتخاذل عن النصرة والدفع، أما المشاركة والتعاون مع العدو المحارب ضد المسلمين فردةٌ عن الإسلام، فلا يجوز التعاون مع العدو الكافر ولا التعامل معه فيما من شأنه تثبيتُ يَدِ العدو على بلاد المسلمين؛ بل يُعدُّ هذا من المظاهرة للكفار على المسلمين، وهو كفرٌ وردةٌ وخروجٌ عن ملة الإسلام بدليل الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

مسألة:
حكم ما يسمى باتفاقيات السلام:
إن معاهدات الإذعان والمسماة زوراً بمعاهدات السلام مع العدو الصهيوني السابقة بشأن فلسطين محرمةٌ، ومجرمةٌ، وباطلةٌ، ولاغيةٌ، ومنها كذلك مبادرة السلام العربية الأخيرة لمخالفتها للأحكام الشرعية من وجوه كثيرةٍ نذكرُ منها:
الوجه الأول:
فلسطينُ أرض المسلمين، وإنما اليهود محتلون غاصبون لأرضنا ومقدساتنا، ومعتدون على دمائنا وأعراضنا وحرماتنا، ومحاربون لديننا، وجهادهم وقتالهم ودفعهم مُتعيّنٌ على جميع المسلمين، بدليل الكتاب والسنة والإجماع، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه؛ ولأن الجهاد ضد الصهاينة متعينٌ، فالصلحُ معهم محرمٌ وباطلٌ.
ومما تقرر عند فقهاء الإسلام: (إذا تعيَّن الجهادُ بَطَلَ الصلح، كما إذا دخل العدو أرض المسلمين أو كان طالباً لهم.

الوجه الثاني:
أن المبادرة تضمنت الإقرار للصهاينة المعتدين المحاربين بإقامةِ دولةٍ لهم على أرضِ المسلمين في فلسطين وهو ما يسمى زوراً بـ “حل الدوليتين”،
والإجماعُ منعقدٌ على حرمةِ التنازل لأعداء المسلمين عن شبرٍ من أرض الإسلام فضلاً عن السماح لهم بإقامة دولةٍ في ديار الإسلام.

مسألة:
حكم التطبيع مع العدو الصهيوني:
المراد بالتطبيع مع العدو الصهيوني أن تكون العلاقات بين المسلمين وبين العدو الصهيوني المحارب المحتل طبيعية.
والمقصود بالتطبيع أن نُعدِّل من سلوكنا العدائي لليهود المعتدين، وأن نُعدِّل من مواقفنا الرافضة لعدوانه، ليصبح ما يمارسه الصهاينة علينا من العدوان والانتهاك والقهر والإذلال والاحتلال أمراً طبيعياً عادياً.
إن القبول بالتطبيع يعني التكذيب بقوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ).
وبقوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
وبما نقرأه كل يومٍ في كل ركعةٍ من صلاتنا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).

إن التطبيع مع الصهاينة المحتلين من المحرمات القطعية، وإن التعاون مع العدو الصهيوني ضد المسلمين مظاهرة للكفار على المسلمين وردةٌ عن الإسلام.

وهذا الكيان الصهيوني المحتل الغاصب المحارب لا تجوز العلاقة معهم بحالٍ من الأحوال، ولا يترتب على التطبيع معه أي أثرٍ شرعيٍ ولا قانوني، ولسنا كمسلمين محجوجين بذلك.

مسألة:
بيان الحكم الشرعي في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني:

اتفق الفقهاء على وجوب إغاثة المضطر إلى الطعام والشراب بإعطائه ما يحفظُ عليه حياته، وكذلك بإنقاذه من كل ما يُعرضهُ للهلاك من غَرَقٍ أو حَرَقٍ أو مرضٍ، فمن كان قادراً على ذلك دون غيره وجبت الإغاثة عليه عينياً، وإن كان ثمَّ غيره كان ذلك واجباً كفائياً على القادرين، فإن قام به أحدهم سقط عن الباقين وإلا أثموا جميعاً.

مسألة:
وأما الذي يمنع عن المضطر ما يقيم حياته مع علمه أن المنع يؤدي إلى الهلاك فالمانع في حكم القاتل العمد يجب فيه القصاص.

مسألة:
إذا فقد المضطرُ الطعامَ، أو الشراب، أو الدواء ولم يجد ذلك إلا عند غيره، فإن كان صاحب الطعام أو الشراب أو الدواء مضطراً إليه فهو أحقُّ به، ولم يجز لأحدٍ أن يأخذه منه؛ لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك.

أما إذا لم تكن بالمانع ضرورةٌ وجب عليه دفع ماله للمضطر، فإن منعه عنه، فللمضطرِ أن يقاتله ليحصل على ما يحفظ حياته، ويكون دمُ المانع هدراً ولا ضمان على المضطر، فإن قُتِل المضطرُ فهو شهيد وعلى قاتله الضمان.

مسألة:
حكم استنقاذ الأسرى:
وأما أسرانا من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال في سجون الاحتلال الصهيوني فهم في ذمة المسلمين، وسيبقى المسلمون في دائرة الإثم ما بقي أسيرٌ واحدٌ منهم لدى الكافرين.
وحق هؤلاء الأسرى على الأمة المسلمة أن تقوم باستنقاذهم بكل السبل المشروعة كالقتال، والتفاوض والمفاداة سواء بأسرى العدو لدينا أو بالمال، والمالُ يكون من بيت مال المسلمين.

إن بقاء ولو أسير واحد في أيدي الكافرين هو من موجبات الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً).
فهذا الاستفهام يراد به التحريض والأمر بالجهاد على سبيل الوجوب، ومعناه: لا عذر لكم أيها المسلمون في ترك المقاتلة وقد بلغ حالُ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف.
فهذا الحث شديدٌ، وبيانُ العلة التي صار القتال لها واجباً، وهذه العلة هي ما في القتال من تخليص المستضعفين من أيدي الكفار؛ لأن هذا يجمع مع الجهاد ما يجري مجرى فكاك الأسير.
وفي سبيل إنقاذ هؤلاء الأسرى الأحرار تهون لدينا الأرواح والأموال، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأن أستنقذ رجلاً من أيدي الكافرين أحبُّ إليَّ من جزيرة العرب).

أيها المسلمون:
لا خلاف بين الناس جميعاً فضلاً عن أهل العلم أن المريض الميؤس منه لا يجوز تركه يموت مع إمكان بذل شيء له، فكيف يُخلَّى بين هؤلاء الأسرى من النساء والرجال والأطفال والشيوخ وبين هذا العدو الصهيوني المتوحش يقهرهم، ويذلهم، ويستبيح دماءهم وأعراضهم، ويفتنهم في دينهم وفينا عينٌ تطرف؟!
أيها المجاهدون في سبيل الله:
كما أن إنقاذ أسرانا من أعظم الواجبات الشرعية، فهو كذلك من أعظم القربات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات).
ولذلك فليكن من أولويات المجاهدين الإثخان في العدو بالقتل، وأسر من يمكن أسره منهم لمفاداة أسرانا الأحرار بهم.

مسألة:
حكم تهجير أهل فلسطين خارج أرضهم:
قبل أيام اقترح الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) تهجير الفلسطينين من أرضهم إلى وطنٍ بديلٍ، وهذا المقترح تأكيدٌ على موقف الإدارة الأمريكية المشارك والداعم للكيان الصهيوني في احتلاله وحربه وعدوانه على أصحاب الحق من أبناء فلسطين، وهو كذلك موقفٌ معادٍ لجميع المسلمين.

إن فلسطين وقفٌ إسلامي إلى يوم القيامة، وهي أرضُ المسلمين ودارُ الإسلام، ولا يجوز التنازل عن شبرٍ منها لليهود، ولا يجوز لمسلمٍ أن يترك أرضه لليهود الغاصبين بأي حالٍ، أو بيعها لهم، وتحرمُ السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيله بأي شكلٍ من الأشكال.
وليعلم الجميع أن الأمر عندنا أبعد من ذلك، فإن عودة اللاجئين والمشردين السابقين إلى ديارهم في فلسطين حقٌ وفريضةٌ، ولا يجوز بحال التفريط بهذا الحق أو التخلي عنه.

إن عودة المهجرين حقٌّ لا تسقطه معاهدةٌ، ولا وثيقةٌ، ولا صلحٌ، وهذا الحق لا يسقط بالتقادم.

ومن جهة أخرى فإن عودة اللاجئين فريضةٌ؛ لانتزاع هذا الحق من أيدي هؤلاء الغاصبين، وحتى لا يتم إقرارهم في ديار المسلمين، وأما من مات من اللاجئين أو رفض العودة فإن الحق بعده لورثته، فإن تعذّرَ فالحقُّ لجميع المسلمين؛ لأن فلسطين أرض المسلمين، والدار دار الإسلام.
وقولنا: بأن العودة واجبةٌ، فذلك أيضاً من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ حتى لا يقر الغاصب على غصبه؛ لأنه لا يجوز لمسلمٍ أن يتنازل أو يبيع أو يُملِّك المحاربين الصهاينة أي شبرٍ من أرض المسلمين بحال من الأحوال.

وختاماً:
فإننا نحذر الأمة الإسلامية من عقوبة الخذلان لأبناء فلسطين، ونحذر دولَ الطوق خصوصاً من ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ).

كما نقدر لإخواننا المجاهدين المرابطين في غزة خصوصاً وفي فلسطين عموماً جهادهم وثباتهم، ورفضهم الذل والهوان والاستسلام في كل الظروف والأحوال، ونبشرهم بالنصر الكامل من الله تعالى، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم هل بلغتُ اللهم فاشهد.

إقرأ أيضا: الرد على الشيخ عثمان الخميس(٢)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى