مقالاتمقالات المنتدى

بعثة النبي ﷺ ورسالته .. أعظم نعمة وخير عطية

بعثة النبي ﷺ ورسالته .. أعظم نعمة وخير عطية

 بقلم د. علي محمد الصلابي(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ( خاص بالمنتدى)

إنه مهما تفكر الإنسان في نعم الله تعالى عليه فلن يستطيع عدّها ولا حصرها، ولن يدرك عظمتها، ففضل الله تعالى على عباده عظيم، وعطاؤه لا نظير له، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [ النحل: 18]، والمؤمن يعلم أنه مهما اجتهد في عبادته فلن يستطيع شكر هذه النعم على أكمل وجه، بل لن يؤدي حق أقلها وأدناها، ولو قضى عمرَه يصومُ النهار ويقوم الليل، ولذلك فإن المؤمن إذا اجتهد في العبادة وأكثر من الحمد والشكر له سبحانه، فإنما يفعل ذلك معذرةً إلى ربه وتنفيذاً لأمره.

وإن العبد إذا أراد معرفة كيفية شكر الله تعالى وحمده على نعمه، فإنه لابدّ أن يعلم قيمة هذه النعم، وما يترتب عليها من لوازم الشكر والحمد، وإنه لا ريب أن أعظم نعمةٍ أنعم الله بها على الناس أجمعين هي الهداية إلى الصراط المستقيم، وهذا ما يعرفه المسلمون ويوقنون به حق اليقين، ذلك أن الإسلام هو ذروة النعم، لا يتقدمه ولا يعلوه منها شيء، وأن الإيمان خيرُ ما يتنعم به العبد، فليس بعد فقد الإيمان مصاب.

ولذلك كان الطريق المؤدي إلى الإيمان والداعي إلى الإسلام هو العنوان الأكبر لنعمة الهداية إنه الرحمة المهداة للعالمين، وصاحب الخلق العظيم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على الثقلين الإنس والجن أن بعث فيهم عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم به من ذل العبودية للمخلوق إلى عز العبودية للخالق الكريم، ويرشدهم إلى سبيل النجاة والسعادة في الدارين، ويحذرهم من سبل الهلاك والشقاوة، قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: 28]. وقال عزّ وجل: ﴿ يَٰا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ** وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [ الأحزاب: 45-46]، ولعظم هذه النعمة فقد خصها الله تعالى بالذكر الحكيم، وذكّر بها عباده المؤمنين، وامتنّ عليهم بها، فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سورة آل عمران: 164].

وفي فضل نعمة الرسالة والنبوة قال ابن تيمية رحمه الله: ” الرسالة ضرورية للعباد، لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، …. والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها؛ فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال الله تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ [ الأنعام: 122]” ……  حتى وصل لقوله: “من استقرأ أحوال العالم، تبيَّن له أن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إنعامه بإرساله صلى الله عليه وسلم، وأن الذين ردُّوا رسالته هم ممن قال الله فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [ إبراهيم: 28].

فالحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أن جعلنا من أتباع نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم، والحمدلله ملء السموات والأرض أن شرفنا بالانتساب للأمة المحمدية، ويكفي لمعرفة عظمة هذه النعمة وفضلها أن نتفكر في حال الناس الذي لم يستجيبوا لدعوته ورسالته صلى الله عليه وسلم، فهاهم في جاهليَّة جَهْلاء، وضلالة عمياء، مشركين بربِّهم، متوجِّهين بالعبادة لغيره ممن لا يملكون ضراً ولا نفعاً، يسألون المخلوقات ولا يعرفون الخالق، ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.

ولذلك فإن من أوجب الواجبات على المسلمين أن يذكروا نعمة الله عليهم؛ إذ هداهم للإسلام، وجَعَلهم من أُمَّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فيشكروه ويحمدوه على هذه النعمة العظيمة، وإن شكرها لا يكون إلا بالإيمان برسالته صلى الله عليه وسلم حق الإيمان، وطاعة أوامره، فطاعته من طاعة الله سبحانه، قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [ النساء: 80]، واجتناب ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، َقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]، ومن أوجه الشكر الواجبة اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بها، ومحبّته والإكثار من الصلاة والسلام عليه.

إقرأ أيضا:أخي المرابط أحسن الظّنّ بربّك 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى