![](https://www.msf-online.com/wp-content/uploads/2025/02/WhatsApp-Image-2025-02-07-at-6.06.30-AM-780x470.jpeg)
عبدالله بن سلام رضي الله عنه
بقلم د. علي الصلابي (خاص بالمنتدى)
عبد الله بن سَلَام بن الحارث (رضي الله عنه)، وكان اسمه في الجاهلية حُصَينًا، فلما أسلم سماه رسول الله ﷺ، عبد الله، وهو حليف القواقلة من بني عوف بن الخزرج، ويُكنَّى أبا يوسف الإسرائيلي. وهو صحابي جليل، من ذُرِّية النبي يوسف (عليه السلام)، من بني إسرائيل، وكان يهوديًّا من يهود بني قينقاع فأسلم أول هجرة النبيِّ محمد ﷺ إلى المدينة. قال عنه الذهبي (رحمه الله) في السِّيَر: «الإمام الحَبْر، المشهود له بالجنَّة، حَليف الأنصار، من خواصِّ أصحاب النبي ﷺ».
ولقد كان “الحصين” عبد الله بن سلام (رضى الله عنه)، حبراً من أحبار اليهود، ولكنه كان أتقاهم لله وأكثرهم علماً، وكان يعيش في يثرب (المدينة)، وكان أهل المدينة جميعاً يوقرونه ويحبونه ويعظمونه، وذلك لما رأوا عليه من علامات الصلاح والتقوى والصدق والاستقامة. وكان عالماً بالتوراة، وكان كلما وقعت عيناه على الأخبار التي تبشر بظهور خاتم الأنبياء يزداد شوقاً لبعثته ولرؤيته والإيمان برسالته .. وكان يزداد سعادة عندما يقرأ أن النبي سيترك بلده ويهاجر إلى يثرب (المدينة) لتكون مستقراً له بعد ذلك. (أصحاب الرسول، محمود المصري، ج2 ص61).
عن عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) قال: لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ. (صحيح ابن ماجه، 2648).
وعن أنس أن عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) أتى رسول الله ﷺ مقدمه إلى المدينة فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ثلاث خصالٍ لا يعلمها إلا نبي.
قال: سلْ.
قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟
قال رسول الله ﷺ: أخبرني بهنّ جبريل آنفاً، قال: جبريل! ذاك عدو اليهود من الملائكة.
قال: ((أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تخرج من المشرق تحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وأما الشبه، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها)).
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وقال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني عندك، فأرسل إليهم فسلهم عني أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم فقال: أيرجلعبداللهبنسلامفيكم؟
قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا..
قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟
قالوا: أعاذهُ الله من ذلك..
قال: فخرج ابن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..
قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا..
فقال (رضي الله عنه): يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قومٌ بهت. (صفة الصفوة، ابن الجوزي، ج1 ص281).
وعاش عبد الله بن سلام (رضى الله عنه) مع القرآن والسنة وتعايش معهما، وتعلق بالنبي ﷺ حتى غدا له ألزم من ظله، ونذر نفسه للعمل للجنة حتى بشره بها رسول الله ﷺ، فعن قيس بن عباد قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة. فصلى ركعتين، فأوجز فيهما. فلما خرج، اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه فحدثته؛ فلما استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا.
قال: سبحان الله، ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا، فقصصتها على النبي: رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه فصعدت حتى أخذت بالعروة. فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها لفي يدي. فلما أصبحت، أتيت رسول الله ﷺ فقصصتها عليه.
فقال: «أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود، فعمود الإسلام، وأما العروة، فهي العروة الوثقى؛ أنت على الإسلام حتى تموت. قال: وهو عبد الله بن سلام (رضى الله عنه). (أخرجه البخاري، المناقب، ج7 ص97)
ولزم عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) المدينة المنورة، يعظ ويفتي ويشرح أمور الدين حتى تقدم به العمر، وتوفي سنة (43هـ) وقد قارب السبعين من عمره، ودُفن في المدينة المنورة. ويُقال إنه دُفن في غوطة دمشق الشرقية ببلدة تُدعى سَقْبا، وبني عند قبره مسجد يحمل اسمه. (تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 29، ص 135).
المراجع:
- صفة الصفوة،للإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي،تحقيق: أحمد بن علي، دار الحديث – القاهرة، 1430هـ – 2009م.
- أصحاب الرسولﷺ، جمع وترتيب: محمود المصري، مكتبة أبو بكر الصديق – القاهرة، ط2، 1422هـ – 2000م.
- تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر، دارالفكر – دمشق. ١٤١٥هـ – ١٩٩٥م.
- مختصر صحيح الإِمام البخاري، باب مناقب الأنصار، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط، ١٤٢٢ه – ٢٠٠٢م.
اقرأ أيضا: نماذج علمائيّة مُلهمة | سعيد بن المسيب “متين الدين وأجلُّ التابعين”