ماذا نحن فاعلون؟
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وهداه النجدين: صراط الاستقامة وصراط الجحيم، وكفل له كامل حرية الاختيار أي الصراطين يتبع. وهيأ له كل أسباب الحياة الطيبة على الأرض وأمده بكل أدواتها، وأرسل إليه الرسل بالهدى ودين الحق الذي يحمل معالم الحياة الطيبة لمن تبع هداه.
وعلى مدى عمر البشرية المتطاول نجح أقوام في الاهتداء للصراط المستقيم باتباع ما أنزل الله فعزوا وسادوا وتمتعوا بحياة طيبة، وفشل آخرون في ذلك باتباعهم هوى النفس وخطوات الشيطان فعاشوا معيشة ضنكا وهلكوا وهم ظالمين.
وبمجيء رسالة الإسلام انقطعت عذابات الله المعجلة لأهل الأرض فلم يعد الهلاك الدنيوي وقطع دابر الكافرين هو العلاج للفساد، ولكن استبدل بسنة الدفع بين أهل الإيمان وأهل الخسران، باتباع هدي الله المبين في كتابه المجيد القرآن الكريم، والاجتهاد في تحصيل كل أسباب القوة وأدوات التمكين التي تؤهل المؤمنين للسيادة في الأرض بالحق ودفع إفساد الفاسدين من الكفار والمنافقين والمتهاونين من أهل الدين.
وعلى قدر عزم أهل الإيمان وتحققهم بحقيقته؛ التي تنعكس أول ما نتعكس في حيازتهم مقدرات القوة بأقصى ما يمكنهم وتسخيرهم بأقصى ما يمكن تسخيرها للتفوق في كافة مجالات ومناحي الحياة على غيرهم من غير المؤمنين، تتحقق لهم الحياة الطيبة ويسلم جميع أهل الأرض من الظلم والجور والاستبداد والفساد. وهذا ما قام به أهل الإيمان من جيل الإيمان الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسادوا الدنيا هم ومن اتبعهم بإحسان من التابعين وقدموا حضارة ستظل نموذجا للأمة الراشدة المرشدة إلى يوم الدين.
والحياة اليوم كما نرى ونعاين ونعاني صارت ملكا لمن لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، بعد أن تراجع المسلمون إلى مؤخرة الأمم عندما تخلفوا عن دينهم وعقيدتهم وتنازعوا وفشلوا في كافة مناحي الحياة، فارتفع الغرب وتبعه من الشرق كثيرون أخذوا بأسباب الرقي الدنيوي، فتحكم في الحياة ومصائر الناس الكفار والمشركون والمنافقون ومن لا هم لهم إلا اكتناز الأموال واستعباد الرجال والنساء والولدان.
أما عن المسلمين؛ والعرب منهم خاصة، فحدث ولا حرج عن الضيق الذي فيه يعيشون وكأس الذل الذين يشربون، فلا هم في العير ولا في النفير كما يقولون، على الرغم من امتلاكهم كل الأسباب المؤهلة للسيادة والتمكين؛ كما يعرف كل طفل اطلع على خريطة الأمة وعرف مكانها وموقعها بين الأمم وماذا تعني في مقادير السياسة والتجارة الاقتصاد، واطلع على توزيع الثروات في باطن الأرض وفي الجبال والبحار والأنهار فعلم مقدار ما تحوي من ثروات، ورأى ملايين البشر الذين يمكنهم أن يحولوا ذلك كله لإمكانات وقدرات لا يدانيهم فيها أمة، لكن الأمر على ما نرى ونعرف من التشتت والضياع والهوان وسوء التصرف واستيلاء الأعداء على ذلك كله، فكيف نخرج مما نحن فيه؟
واليوم في نهاية العام الرابع والعشرين في الألفية الثانية وفي استقبال الربع الثاني من هذا القرن والعالم في مرحلة تحول في موازين القوى بين الشمال والجنوب، وتغيرات محاور الثروة والقوة وتبدلات عالم التكنولوجيا والدخول في خضم ثورة جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الاتصالات وآثارها الغير محدودة على كافة مناحي الحياة والأمن الإنسانيين، تجد الأمة العربية نفسها في وضع أقل ما يقال عليه وضع إبادة بالمعنى الشامل يفوق المعنى القانوني الدولي كما بينته وثائق الأمم المتحدة المختلفة في تعريفها للإبادة الجماعية.
فلا يقتصر الأمر على إهلاك النفوس ولا منع المؤن والغذاء والطعام ولا طمس أو هدم التراث الثقافي والمؤسسات التاريخية والدينية والتعليمية ولا نقل أو تهجير الأفراد والأطفال منهم خصوصا، ولكن الأمر أبعد من ذلك فالأمة مهددة في عقيدتها وتاريخها ونهب ثرواتها عبر تفريغ إنسانها من كل المقومات التي تجعله إنسانا مستخلفا كما خلقه الله وزوده بالقدرات والمكنات التي تؤهله للقيام بما انتدبه إليه من مهمات.
ماذا نحن فاعلون؟
وكما تتجدد الحياة كل لحظة وكما يتمدد الكون كل لحظة ويزداد، فالوسائل تتجدد دوما بتجدد فكر الإنسان وتطور معارفه وتحويلها إلى أدوات ووسائل ومؤسسات تحرك الحياة وتحولها من حال لحال أفضل، والتنافس مفتوح على مصراعيه والسباق مفتوح لمن يسبق، فكل عصر له شروط للعيش فيه والحياة بكرامة وحرية؛ للفرد وللجماعة على سواء، أولها الإيمان بالله وثانيها السعي في الأرض والانتشار فيها والمشي في مناكبها والتنقيب في بواطنها: أرضها وبحارها وجبالها، والتفكر في سماواتها وارتيادها ما أمكن بحثا عن خيرات الله لاستغلالها في نفع خلق الله.
إن بداية الاستقامة على الطريق السليم نحو بعث جديد لهذه الأمة أن يشمر الذين بلغوا الأربعين فما فوق من أهل هذه الأمة العربية المسلمة عن ساعد الجد تائبين منيبن إلى ربهم عازمين على الرجوع الصادق إلى الله وبداية الإصلاح والبيان والاعتصام بحبل الله المتين، وأن يسألوا أنفسهم هذا السؤال ويجيبوا عليه مثنى وفرادى، لأن ذلك هو السبيل الوحيد أمامهم كي يكفروا عن تقصيرهم تجاه ربهم ورسولهم وكتابهم وأمتهم والأجيال الجديدة منها: ماذا نحن فاعلون؟
فلا سبيل للنهوض بهذه الأمة من كبوتها الشديدة التي تعاني منها إلا بشد الأعصاب وإعداد القوة والتجهز والاستغلال لكل الامكانات المتاحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتمهيد السبيل أمام الأجيال القادمة للنهوض مجددا بهذه الأمة، وهنا مهمات عاجلة عدة على هذا الجيل:
أولاها الاعتراف بكل التقصير الذي حدث منهم فرادى وجماعات وكتابة ذلك ونشره على الملأ ليحذر الغافل وينتبه النائم: “إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا“.
ثانيها الالتزام فيما تبقى من العمر بميزان الشرع في الحياة، والتزام حياة التقشف من خلال القبض بكل قوة على كل ثانية من العمر، وبكل مورد قل أو كثر وتسخيرهم لبناء الأمة: “ولى زمن النوم يا خديجة“.
ثالثها: تسخير ما تبقى من العمر وما اكتسب من مال أو علم أو جاه أو سلطة لتعليم وتربية الأجيال الجديدة على الخصال الموصلة لمرضاة الله والتهيؤ للجهاد والرباط في سبيل الله
رابعها: بناء المؤسسات الحاضنة لذلك والانفاق عليها من كل ما نملك من مال وأدوات وعلم ووقت.
خامسها: اقتراح الخطوات والمناهج لتربية النشء والشباب المسلم على الحياة الطيبة الموصلة برضوان الله لتحقيق تمكين الأمة ومنعتها واستقلالها وشهودها الحضاري.