تقارير وإضاءات

عام على طوفان الأقصى

عام على طوفان الأقصى

(خاص بالمنتدى)

كانت السنة الميلادية ٢٠٢٣ سنة أحداث وتحولات كبرى، ففي بدايتها حدث الزلزال المدمر في سوريا وتركيا في السادس في فبراير وراح ضحيته أكثر من خمسين ألف شهيد ودُمرت أكثر من عشر مدن، وتأثرت حياة الملايين من البشر في تلك البقعة نتيجة الزلزال، وفي سبتمبر حدث زلزال في المغرب، خلف آلاف الشهداء والمشردين، وبعد يومين فقط حدث إعصار دانيال الذي ضرب البحر الأبيض المتوسط، وخلف أضرار كبيرة في تركيا واليونان، ولكن الكارثة الكبرى كانت في ليبيا حين انفجر السد، وجرف أجزاء كبيرة من مدينة درنة مخلفا آلاف الشهداء والمفقودين، وأضعافهم من المشردين.

هذه الأحداث الكبيرة كانت مقدمة لأمر أراده الله تعالى، فبعد شهر منها حدث انطلقت ملحمة طوفان الأقصى البطولية، وحدث العبور العظيم لأكثر من ألف فدائي من المجاهدين الذين عبروا السياج الفاصل الذي نصبه الاحتلال، ووضع عليه أحدث تقنيات الرصد والتنبيه، التي لم تغن عنهم شيئا، كان العبور العظيم لثلة الشباب المجاهدين عبور للأمة كلها، وأحدث تحولا كبيرا في الوعي العالمي، وفضح الازدواجية الغربية في التعامل مع القضايا، وأيقظ شعوب العالم، وحرك الجماهير في كل الساحات والميادين، في الكثير من دول العالم، وجامعاته ذات التصنيف العالمي المرتفع.

كان طوفان الاقصى تحولا طبيعا لمراحل المقاومة والجهاد التي سلكها الشعب الفلسطيني، الذي لم يستسلم أبدا رغم انعدام الامكانات، فكان الفلسطينيون الشعب الوحيد الذي يواجه الدبابة والمدفع والرشاش بالحجارة، بل كان الأطفال هم من يرمون الآليات بالحجارة، وبالمقارنة بين الحجر والآلة، فما تغني الحجر أمام الآلة ولا تؤثر فيها، ولكن الرفض، والحرية والتربية على المقاومة والجهاد، والتضحية في سبيل الله لاستعادة الارض وطرد المحتل هي الدافع، وهذا الاصرار على الجهاد والمقاومة تحول تدريجيا من الحجارة إلى البندقية إلى الصاروخ، ثم العبور العظيم باقتحام السياج الفاصل، للتأكيد أنه لا شرعية لهذا السياج الفاصل، وأن الأرض كلها فلسطينية، يجب أن تعود لأهلها.

انطلقت معركة طوفان الاقصى ودفع الفلسطينيون فيها ثمنا باهظا، بقدر الثمرة التي سيقطفونها في نهاية المعركة، ولكن كما أشرنا في مطلع المقال، أن الله أرانا أحداثا سريعة، وأثارها المدمرة كبيرة، حتى لا يعتقد احد أن ما يحدث اليوم في فلسطين عامة وغزة خاصة، يعني تهلكة، وعبث بالدماء، بل هو ثمن واجب، للتحرير في الدنيا، وللجنة في الآخرة.

يقول الشاعر أحمد شوقي:

وللحريّة الحمراء بابٌ…بكلِّ يَدٍ مضَرَّجَةٍ يُدقُّ

وفي هذا التقرير نذكر بعض آثار طوفان الأقصى، والتي منها:

  • تحريك ملف القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة والعالم، ونظر العالم إلى المظلومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتاريخه ونضاله من أجل نيل حريته واستقلاله، وتحركات دولية للاعتراف بفلسطين.
  • إيقاف قطار التطبيع والقضاء على صفقة القرن التي كانت تقوم على استسلام دول المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية وتشريد من تبقى منهم، وتوزيعهم على الدول المجاورة، وجميع دول العالم، وتحويل قضيتهم من قضية استعادة وطنهم إلى قضية إغاثية إنسانية تتولاها دول المنطقة مقابل الاستسلام للاحتلال (التطبيع)
  • كسر هيبة الاحتلال وإهانته وإذلاله، وكشف هشاشته، حيث بنى الاحتلال لنفسه سمعة أكبر من حجمه، وأن جيشه لا يُقهر، وأنه يعلم كل شيء في كل مكان، ويستطيع القضاء على اي تهديد قبل أن يحدث، لكن ما حدث يوم السابع من أكتوبر كان مفاجئا للاحتلال وصادما له، أفقده توازنه، ولم يستفق من الصدمة والذعر والخوف حتى الان، ومن اليوم الاول، لم تتوقف الوفود، والزيارات، على مستوى عال من الدول الداعمة للاحتلال، من أجل تسكين روعه، وتخفيف الصدمة عنه، فهم لا يستطيعون العيش إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وقد قطع الله الحبل عنه، وبقي حبل الناس يتعلقون به، وسيُقطع قريبا بإذن الله،  وكنتَ إذا نظرت إلى جنود الاحتلال وقادته، وإلى المستوطنين، ترى أعينهم تدور كالذي يُغشى عليه من الموت، وما من مواجهة ميدانية إلا ويتكبد فيها الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
  • تحرر الشعب الفلسطيني واعتماده على نفسه وترك التواكل وانتظار جحافل الجيوش العربية والاسلامية القادمة لتحرير أرضه، هذه المبادرة التي اطلقها المجاهدون يوم السابع من أكتوبر حركت الشعب الفلسطيني أولا وجعلته يشعر أن تحرير أرضه أصبح قريبا، وأن النصر يلوح في الأفق، وحركت هذه المبادة أيضا الامة الاسلامية بدعمها ومساندتها وتفاعلها وشعورها الواحد، وحركت شعوب العالم لتنظر لمعاناة شعب كامل يعيش تحت الاحتلال، أو بين اللجوء والتشريد.
  • انكشاف ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع القضايا، حيث منح الاحتلال ضوءا أخضر ليمارس الإجرام، ويرتكب المجازر، وينتهك القانون الدولي، دون قدرة على إيقافه، أو الضغط عليه، بل تحركت حاملات الطائرات، والأساطيل البحرية لحماية الاحتلال وتقديم الدعم له، ولم تتوقف قوافل الأسلحة والذخيرة عن الاحتلال يوما ما، ليمارس بها القتل والتنكيل والتدمير والتشريد بحق المواطنين الأبرياء العزّل.
  • الهجرة العكسية لليهود من الأراضي المحتلة حيث تحطمت آمالهم في إقامة وطن بديل لهم على أرض فلسطين، وتيقنوا من استحالة ذلك، ووفقا لتقرير أعدّه مراسل الجزيرة إلياس كرّام، فإن الأرقام الرسمية تقول إن قرابة نصف مليون ممن كانوا خارج البلاد قبل عملية طوفان الأقصى لم يعودوا حتى الآن، فيما غادر 375 ألفا بعد الحرب.

هذا ليس كل شيء فهناك الكثير من الآثار القريبة والاستراتيجية لعملية طوفان الاقصى، حيث يتفق الجميع أن يوم السابع من أكتوبر غير وجه المنطقة وصنع واقعا جديدا، سينتهى معه الاحتلال، وتعود الحرية لأرض فلسطين إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى