أخبار ومتابعات

أ. د. علي القره داغي يبين الحكم الشرعي لمواقف المسلمين تجاه الأوضاع المأساوية في غزة؟

أ. د. علي القره داغي يبين الحكم الشرعي لمواقف المسلمين تجاه الأوضاع المأساوية في غزة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

النصوص الشرعية هي التي تبين مواقف المسلمين المطلوبة حول غزة، وليست فتاوى اجتهادية يسألونني حول ما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية وحرب تجويع؛ وحصار شامل ومنع قوي لكل مقومات الحياة؛ إلخ..

ما حكم ذلك بالنسبة للمسلمين: قادة؛ وعلماء؛ وإعلاميين؛ وأغنياء؛ الخ..

 

الجواب

بعد الحمد لله؛ والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله وصحبه، ومن تبع هداه إلى يوم الدين….

فنقول: إن القضية لا تعتمد على فتاوى علمائية، وإنما النصوص الشرعية القطعية والإجماع تؤكد على ما يأتي:

أولا: وجوب النصرة العسكرية والجهاد بالأنفس والمال وغيرهما، حتى يتم إنقاذ أهلنا في غزة، ودحر العدوان، وهزيمتهم، فهذا واجب الحكومات القادرة على فعل ذلك، وإلا فستكون آثمة، ومشاركة في إثم هذه الجرائم القطعية من القتل والتدمير والتجويع إلخ _ فهذا الحكم بالنسبة للقادر محل إجماع لم يختلف فيه علماؤنا سابقا ً فالجهاد أذن به، وفرض على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحبه الكرام بسبب ظلم المشركين حينما وجدت لهم دولة في المدينة فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:38-40).

والآيات الكثيرة في مجال وجوب الاستنفار والنصرة أكثر من أن تحصى في هذه العجالة،

ثانياً: وجوب النصرة العامة على الجميع من العلماء والإعلاميين، وأصحاب الأموال ونحوهم، كل في موقعه، وبمقدار استطاعته، وحاجة إخواننا في غزة، وعلى هذا تضافرت أدلة الشرع من الكتاب والسنة والإجماع.

ثالثا: إن من يوالي من المسلمين العدو الصهيوني المجرم، وينصره بأي شيء، أو يؤيده في عدوانه بأي شيء، أو يفرح بهزيمة المجاهدين المسلمين فهو داخل في المعتدين الصهاينة ومشارك معهم، وهذا بنص القرآن الكريم، وليس باجتهاد أحد، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51)

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة: 1)

رابعاً: إن كل من هو قادر على إيصال الغذاء والدواء، والماء ومستلزمات الحياة، ولم يقم بذلك، أو لم يبذل كل طاقته وجهده في سبيل ذلك، أو شارك في منع ذلك عنهم فهو مشارك في كل هذه الجرائم التي يرتكبها العدوان الصهيوني، وآثارها في القتل والتجويع، والتدمير، والموت بسبب ذلك المنع، وعلى ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، واتفاق الفقهاء، ومنها حديث البخاري، ومسلم <ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، وذكر منهم رجلا على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل> متفق عليه ؛ قال القاضي عياض في إكمال المعلم” لأنه منعه حقه وعرضه للتلف، فأشبه قاتله”.

ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم <أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى> رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه.

بل إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفى الإيمان عن مثل هؤلاء فقال: <ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم> رواه الكثيرون، وصححه الألباني وغيره.

وقد نص الفقهاء من جميع المذاهب الفقهية على حرمة منع الطعام والشراب والدواء من أي إنسان مسلما كان أو غيره، بل نصوا على أن من منع الطعام عن سجين عمدا، فتسبب في موته كان ضامنا له، ويقتل به عند جماعة من الفقهاء.

فهذه الأحكام الأربعة السابقة أحكام نصية ومحل اتفاق العلماء.

لذلك ندعو المسلمين إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله في مواقفهم حول غزة العزة.

وفق الله الجميع للالتزام بمقتضيات إيمانهم.

   

* يوم الأربعاء: 12 محرم 1446ه

الموافق: 17 تموز 2024م

 

كتبه

ا.د. علي محيي الدين القره داغي “رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”

المصدر: الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى