مقالاتمقالات المنتدى

الحسن بن الصباح والدعوة النزارية الإسماعيلية (الحشيشية)

الحسن بن الصباح والدعوة النزارية الإسماعيلية (الحشيشية)

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

نشأت الدعوة الإسماعيلية النزارية بصورة خاصة في المشرق الإسلامي، وكان أنصارها يعرفون كذلكَ بالباطنية، والحشيشية أو الحشاشين، تعود جذور الدعوة النزارية إلى سنة (478 هـ)، حين توفي الخليفة الفاطمي المستنصر دون أن يبايع لابنه الأكبر نزار، رغم أنه أبدى رغبته في ذلكَ في أواخر أيامهِ، إلا أن الحاشية وعلى رأسها أمير الجيوش الوزير بدر الجمالي حالت دونَ ذلك، وقد بويع بعد وفاة المستنصر ابنهُ الأصغر المستعلي بالله، وبذلكَ انشقت الدعوة الإسماعيلية إلى شقين: النزارية والمستعلية، وكان الحسن ابن الصباح الحميري قد نشأ بالري في بلاد فارس، وتأثر في شبابهِ بالدعوة الإسماعيلية الفاطمية، وزار مصر والتقى بالمستنصر، وظل الحسن بن الصباح مقيماً في مصر زهاء ثمانية عشر شهراً، كان خلالها موضع حفاوة المستنصر، فأمدَّهُ بالأموالِ، وأمرهُ بأن يدعو الناسَ على إمامتهِ في بلاد العجم، وكانَ الحسنُ بن الصباح يرى أن تولية نزار تتفق مع التعاليم الإسماعيلية، التي تشترط في الإمام أن يكونَ أكبر أبناء أبيه، ولا شك بأن إقامة الحسن بن الصباح في مصر، أتاحت لهُ التعرُّف على أحوال الدولة الفاطمية، وما آلت إليهِ الدعوة الإسماعيلية في ظل سيطرة بدر الجمالي، وقد عزم على إقامة الدعوة للمستنصر في فارس وخراسان، وحرص على تكوين مجتمع إسماعيلي صرف، وحين عاد إلى بلاد فارس بدأ بنشر دعوته إلى نزار رافضاً البيعةَ للمستعلي معتبراً نفسهُ نائب الإمام مخططاً لإنشاء دولة إسماعيلية جديدة في المشرق الإسلامي.

مراتب ودرجات أعضاء الدعوة النزارية الباطنية:

منذُ البدايةِ حاول الحسن بن الصباح أن يحصن نفسه وأتباعهُ في قلاع متناثرة في أقاليم وعرة مثل أقاليم بحر قزوين، وثبت مركزه في قلعة آلموت بنواحي قزوين سنة (483 هـ)، كما اعتمد أسلوبهُ على العنف والاغتيال، وبث الرعب في نفوس الناس، وكان أول ضحاياه الوزير السلجوقي نظام الملك الذي شدد على الدعوة النزارية وحاربها، كما شارك الحشاشون فيما بعد في قتل الخلفاء العباسيين: المسترشد، والراشد، وهددوا ملكشاه السلجوقي وصلاح الدين الأيوبي وأمراء المسلمين، وروَّج الحسن بن الصباح إلى نظرية الإمام المستور، وألقى على نفسه مهمةَ الدعوة له معتبراً نفسهُ رئيس الدعوة ونائب الإمام، أما الإمام المستور فهو نزار بن المستنصر ومن بعد مقتله أبناؤه، كما ادعى الحسن الصباح بأنهُ مصدر المعرفة؛ لأنهُ نائب الإمام المستور، وأنه تعلم معرفته من الإمام المعصوم مباشرة، وزعم وأخذ يبشِّر بالعقيدة الباطنية التي تقول: إن لكل ظاهر باطن، ولكل تنزيل تأويل، وإن الباطن هو المهم؛ لأنه اللب، وكانت تأويلاته تتفق مع نزعته السياسية وأهدافهِ التي يريد تحقيقها، وكانت الدعوة النزارية دعوة منظمة بدقة، وأعضاؤها منقسمون إلى مراتب ودرجات:

المرتبة الأولى: مرتبة رئيس الدعوة، أو داعي الدعاة، وكان أيضاً يسمى نائب الإمام المستور في بلاد الشام، وسمي (شيخ الجبل).

المرتبة الثانية: كبار الدعاة.

المرتبة الثالثة: الدعاة.

المرتبة الرابعة: الرفاق.

المرتبة الخامسة: الضراوية، وهم الفئة المسلَّحة في الدعوة التي يشترط فيها التفاني، والتضحية في خدمةِ الدعوة، حتى ولو أدى ذلكَ إلى الموت الذي اعتبروه أشرف نهاية؛ لأنه يضمن لهم السعادة في جنة الإمام.

المرتبة السادسة: اللاصقون.

المرتبة السابعة: المستجيبون، وهم عامة الناس المؤيدون للدعوة، وإليكَ تفصيل مهام دعاة الباطنية.

مهام الدعاة:

لقد أنيطت بالدعاة مهامٌ يجبُ عليهم العمل بموجبها وتحقيقها، وتتمثَّل تلكَ المهام في الآتي:

أ ـ أن يبدأ الدعاة بمناقشة الطالب في المسائل الدينية وتفاسير القرآن، ويعلمونه أن مسائل الدين أمور شديدة التعقيد، ولا يستطيعُ فهمها إلا رجال كالدعاة الذين تبحروا في درسها، ويأخذون عليهِ العهد بألاَّ يذيعَ شيئاً مما يعلمونهُ من النظريات والشروح.

ب ـ يعلَّم الطالب أن كل التفاسير والأحكام التي قال بها المجتهدون السابقون خاطئة باطلة، وأن الأحكام الصحيحة هي التي يقول بها الأئمة الذين تلقوها من الله.

ج ـ أن هؤلاء أئمة الإسماعيلية، وهم سبعة آخرهم محمد بن إسماعيل.

د ـ أن الأنبياء الذين تقدموا آل البيت سبعة أيضاً هم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، والمسيح، ومحمد (ص)، ومحمد بن إسماعيل.

ه ـ يبدأ الدعاة بتنفيذ مهمتهم الحقيقية، وهي هدم العقيدةِ الدينية، فيعلمون الطالب ألا يؤمن بالسنَّةِ، وأن يرفض تعاليم محمد (ص).

و ـ يسعون إلى إقناع الطالب بأن كل الأديان، وما أمرت به من الفروض كالصوم والصلاة، وغيرها إن هي إلا أكاذيب وحيل ابتكرت لإخضاع المجتمعات البشرية، وأن جميعَ الشرائع لا بدَّ أن تخضع لشريعة العقل والعلم، ويدللون على أقوالهم بنظريات أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس، مما يدلُّ على قوة ارتباطهم وتأثرهم بالفلسفة اليونانية.

ز ـ يلقى الطالب تعاليم الثنوية، وبذلكَ تهدم عقيدة التوحيد الإسلامية وكل صفات الألوهية.

ح ـ يشكك الطالب في حقيقة الرسالة، ويعلم بأن الرسل الحقيقيين هم رسل العمل الذين يعنون بالشؤون الدنيوية كالنظم، وإنشاء الحكومات المثلى.

ط ـ ويدخل الطالب إلى حظيرة الأسوار، ويعلم أن كل التعاليم الدينية أوهام محضة.

وهكذا يبدأ الباطنية مع من يدعونهُ إلى الدخول بمذهبم فيشككونه في مبادئ الدين ونصوصه وتعاليمه، وينتهوا به في النهاية إلى الخروج من الدين بالجملة.

يربط الدكتور الخطيب بين هذه الأساليب والحيل لهذه الفرقة، وبينَ أساليب ومراحل التدرج عند الماسونية في عصرنا الحاضر، فيقول: والمطلع على أساليب الماسونية في العصر الحاضر، وطرق الدخول فيها، والتكريس الذي تمارسه على الدخول في محافلها، يستطيع أن يقارن بين أساليب الباطنية عموماً وبالأخص الإسماعيلية، وأساليب التكريس الماسوني، بحيث لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا: إن هناكَ خيطاً رفيعاً يجمعُ بين الباطنية والماسونية، يمكن أن نردهُ إلى اليهودية العالمية التي استطاعت أن توجد الباطنية وفرقها في القديم، والماسونية العالمية ومؤسساتها في العصر الحديث.

ومن هذا العرض يتضح: أن الغاية القصوى من هذه الأساليب والحيل التي اتخذها دعاة الإسماعيلية إثارة الشكوك، وزعزعة العقيدة الإسلامية، وهدم المبادئ والقيم الاجتماعية والأدبية، ومحاربة النظم السياسية، وقد كان لتلكَ الدعوة وما قامت عليهِ من أسس وتنظيمات سرية دقيقة أثر كبير في نشر المذهب الإسماعيلي، ويعزز أحد دعاة الإسماعيلية المعاصرين هذه الحقيقة، فيقول: إنه بفضل هذا التنظيم الدقيق انتشرت الحركة الإسماعيلية بشكل لم تعهده أية دعوة في العالم، بل إن الحركة في جملتها: مدينةٌ لوجودها حتى اليوم إلى تلك التنظيمات، وتلك المراتب، كما يقولُ عارف تامر.

المراجع:

  1. الخلافة العباسية، فاروق فوزي، (2/189-188).
  2. التاريخ الفاطمي، د. محمد طقوش، ص 392 ـ 393.
  3. تاريخ الحركات السرية، محمد عنان، ص 42.
  4. الإسماعيلية المعاصرة، محمد أحمد الجويري، ص 65-66.
  5. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. الخطيب، ص 129.
  6. تاريخ الدعوة الإسماعيلية، مصطفى غالب، ص 34.
  7. القرامطة، عارف تامر، ص 69.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى