جواهر التدبر (٢٤٠)
صفات القرآن تبرز قوته الذاتية
بقلم أ.د.فؤاد البنا
يمتلك القرآن قوة ذاتية هائلة نتيجة جمعه بين الهداية والإعجاز في آن واحد، ولأنه كتاب لعامة البشر في كل زمان، ويشتمل على شؤون الدنيا والآخرة دون أن ينسى الله فيه شيئا أو يفرط فيه من شيء.
وتتضح قوته الذاتية من زوايا كثيرة، ومنها صفاته التي تشير لمن يتأملها إلى أبعاد القوة القرآنية الخارقة وجاذبيته المبهرة للناس. ومن أهم هذه الصفات:
– العزيز: فقد وصفه الله بأنه عزيز فقال تعالى: {..وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: ١]، فكفران من يكفر به لا ينال من عزته شيئا، بل إن كفرهم به يحرمهم من ثماره الملموسة ومنها غرس قيمة العزة في النفوس، وهي الفضيلة التي تقع بين رذيلتي الكبر والهوان، وقد جعلها الله لصيقة بذاته وبرسوله والمؤمنين.
– العظيم: قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧]، والعظيم لا يمكن أن ينال منه من هم دونه، ثم إنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ..} [فصلت: ٤٢]؛ فقد أحكم الله آياته في مبناها ومعناها، ولا يستطيع أن يجد فيه أي عظيم نقصا أو عيبا أو ثغرة، كما يوجد في كلام البشر، وهذا عامل من عوامل جاذبيته لدى الناس.
– التنزيل وكلام الله: قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: ١٩٢]، ولكونه منزلا من الله فإنه يتصف بالكمال والعدل والتوازن وعدم الانحياز لأحد من الناس، فكلهم خلقه وعبيده، وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ..} [التوبة: ٦]، وبلا شك فإن الثقة بجاذبية القرآن بادية من الأمر للرسول عليه السلام ومن يقوم مقامه بإجارة من يستجير بهم من المشركين حتى يسمعوا كلام الله، وكلام الله إكسير يستطيع إزالة الغشاوة عن أعين من يبحث عن الحقيقة من هؤلاء!
– النّور: قال تعالى: {..وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}[النساء: ١٤٢]، فهو ليس نورا بيّنا في ذاته فقط بل هو نور مبين أي يملك القدرة على إبانة طريق الرشد وسط حوالك الفتن كاشفا سبل الإغراء والإغواء!
ولأن مصدر هذا النور هو الله فإن من المحال إطفاءه، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة مرات عديدة، مثل قوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}[الصف: ٨]، ومن ثم فإن القرآن قادر على تنوير العقل والقلب بعيدا عن الخرافات والمخاوف المنبعثة من تصور مغلوط لعالم الغيب، وقادر على إضاءة مجاهل الحياة بتعاليمه الفرقانية التي تنحاز بشكل مطلق لقيم الحق والعدل والحرية والكرامة، وهذا يمنح القرآن قوة إضافية.
– المبارك والكريم: قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٩]، هذا بالنسبة لصفة (مبارك) أما (كريم) فيقول تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: ٧٦، ٧٧]، ولأنه مبارك وكريم فإن عطاءه للعقول والقلوب والأرواح والأجسام والجوارح، وفي سائر الأوقات والظروف، وفي شتى ميادين الحياة، مما يحتاجه البشر في معاشهم ومعادهم، لا منتهى له، مما يدفع بكثيرين للنهل من منابعه الصافية، هذا بجانب أنه يعطي للعقل مساحة واسعة للتدبر والتأمل وتجسيد صفتي الكرم والبركة في استنباط معاني جديدة تلبي حاجات الناس باختلاف الزمان والمكان، ولا يجيز لرجل دين أن يكون وسيطا بين المرء وكلام ربه، كما في التعبد والدعاء، وغاية ما يفعله أنه حينما يعجز المرء عن الفهم يلجأ إلى أصحاب العلم لسؤالهم: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
– الرحمة والهدى: قال تعالى: {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: ١- ٣]. وعن الهدى قال تعالى: {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١، ٢]؛ ولما كان القرآن كتاب تتجسد فيه رحمة الله بالناس وحرصه على هداهم بعيدا عن الظنون والضلالات وعن الأحكام الشديدة التي تحمّلهم ما لا طاقة لهم به؛ فإنه يجد إقبالا كبيرا من كل من يعرفه عن قرب!
وللعلم فقد استنبط العلماء قرابة ١٠٠ صفة للقرآن الكريم من كلام الله عز وجل، وما ذكرناه هنا مجرد نماذج وأمثلة، وكل هذه الصفات تُبرز أبعاد العظمة القرآنية وأسباب جاذبية النص القرآني وقدرته على التأثير.
ويستطيع كل امرئ من البشر أن يلج إلى الإسلام من أحد أبواب القرآن المذكورة في صفاته والتي سأضعها بين قوسين هنا؛ فعاشق الفصاحة سيدخل من باب (المُبين)، ومحب الحكمة سيدخل من باب (الحكيم)، وصاحب القلب الطيب سيدخل من أبواب (الموعظة) و(البشير) و(النذير) و(التذكرة)، وسيدخل الطموح من باب (المجيد)!
ويمكن للمريض أن يجد فيه (الشفاء)، ويجد فيه الجاهل (العلم) ويجد فيه الباحث عن الحقيقة (الحق) و(الصدق) ويجد فيه الحائر (الفرقان) و(البصائر)!