مقالاتمقالات المنتدى

جواهر التدبر (٢١٤) .. أطيارُ الناس

جواهر التدبر (٢١٤)

أطيارُ الناس

بقلم أ. د. فؤاد البنا

– طائر الشؤم:
ابتدع الإنسان طرقاً كثيرة للفرار من عالم الشهادة إلى عالم الغيب وللتنصل من المسؤولية الذاتية، ومن تلك الطرق اعتناق فكرة التطيّر، حيث يرمي بعض الناس أوزارهم على الآخرين وكأنها تطير في الأجواء من شدة القذف والتعجل في اتهام الآخرين، ولهؤلاء قال تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيره} [القيامة: ١٤، ١٥].
وعن طائر الشؤم وردت آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة يطّيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون}، وعن قوم صالح قال تعالى: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تُفتنون}، ونجد موسى وصالح عليهما السلام يعيدان الأمر إلى الله الذي خلق الأفعال، من خلال النتيجة التي أوجدها وفق السبب الذي اجترحه الناس، ولذلك عندما قال أصحاب القرية لرسلهم: {إنا تطيرنا بكم…} ردوا عليهم: {طائركم معكم…}.
ولأن التطير صورة من صور التحلل أو التخفف من المسؤولية، بجانب أضراره الأخرى فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل صور التشاؤم والتطير ونهى عن مقارفتها بل وحذر من مقاربتها، رابطا الأسباب بالناس والنتائج بالله!

– جهل التطيّر:
لا يلجأ إلى المنهج التبريري عموماً والتطير بشكل خاص إلا الجاهل وفاقد الوعي ولو حفظ الآلاف من مسائل العلم، ومن هنا فقد قرأنا قول الله تعالى عن المتطيرين من قوم موسى: {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون}، أي لا يعلمون ما يمتلك الإنسان من طاقات مذخورة وقوى كامنة، ولا يعلمون النواميس التي يسير عليها الكون، ولا السنن التي تنضبط بها حركة الحياة، ولذلك فإنهم يتحللون من المسؤولية ويرمون بالتبعة على غيرهم!

– طيور الأعمال:
اهتم القرآن بتقرير الحقائق التي تجعل الإنسان فاعلاً في هذه الحياة، ومن تلك الحقائق قانون السببية، حيث أنه أساس لعمارة الحياة أو دمارها،  وكل إنسان يمتلك طائر العمل الصالح الذي ينشر الفرح ويبث البهجة في الأرجاء، أو طائر العمل الطالح الذي يشيع الخراب ويعيث في الأرض الفساد.
ولهذا قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزرَ أخرى..} [الإسراء: ١٣ – ١٥]، وبتحمل كل فرد للمسؤولية الملقاة على عاتقه فإن الناس يكونون قد امتلكوا واحدا من أبرز العوامل التي تجعلهم أرقاماً صحيحة في عملية عمارة الأرض وصناعة الحياة، وبدونه يصيرون غثاء لا إرادة لهم ولا فائدة ترجى منهم!

– درع الإيمان:
إن الإيمان بالله هو الدرع الواقي من الوقوع في مهاوي الأهواء والشبهات ومن التعرض لطيور التشاؤم والعطالة والسلبية والضعف والانحراف.
وربما كان هذا المعنى من بعض ما يشير إليه قوله تعالى: {ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: ٣١]، وكأن الطير هنا يرمز للتطير والخرافات والأوهام التي تنال من فاعلية الإنسان، والريح ترمز إلى الفهم الجبري للقدر؛ ذلك أن الفرقة الجبرية تنظر إلى أن الإنسان أمام الأقدار مثل الريشة الواقعة في مهب الريح، لا تملك من أمرها شيئا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى