د. محمد الصغير: شد الرحال إلى المسجد الأقصى.. واجب الأمة
حالة خاصة تحياها الأمة الإسلامية جراء ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد استطاعت القوى الشعبية المقاومة كسر الكيان الصهيوني والتوغل في أعماقه، وما بين الانتصار المبدئي واكتماله إلا عزيمة صادقة ودعاء مخلص.
للحديث حول ما يحدث في أرض المسرى ورحاب المسجد الأقصى، نشرف بهذا الحوار مع فضيلة د. محمد الصغير، رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فضيلته قد دعا من شهور عديدة لشد الرحال إلى المسجد الأقصى ومساندة المقدسيين في دفاعهم عن المقدسات، وألا نتركهم وحدهم في هذه المعركة الأممية.
بداية، ونحن نعيش الآن الحالة الفلسطينية، ما شعور فضيلتكم تجاه الأحداث في هذه البقعة المباركة؟
– «طوفان الأقصى» في الأرض المباركة مع بدايتها وفي أقل من 6 ساعات من انطلاقتها الأولى تكبد جيش الاحتلال ما لم يتكبده في الحروب والمواجهات السابقة، وشعرت أن هذه النقطة هي بداية معركة التحرير، وصدقت عندي ما قاله أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في لقاءات خاصة جمعتنا في عيد الأضحى المبارك، حيث قال: إننا وصلنا إلى مرحلة «اليوم نغزوهم ولا يغزوننا»، وهذه المرحلة في الإسلام تبين أنهم على بداية مرحلة التمكين بإذن الله تعالى، وأن ما قالوه من اليوم نغزوهم ولا يغزوننا لم يكن شعاراً لرفع المعنويات، وإنما كان خطة من الخطط التي تجري على قدم وساق ويعد لها إعداداً جيداً، شعرت ببركة الإعداد والاستعداد، ورفع راية الجهاد والاستشهاد في هذه البقعة المباركة، ودائماً الحروب مع قوى الاحتلال لا تكون بالضربة القاضية.
كنتم قد دعوتم للنفير العام لنصرة «الأقصى» قبل دعوة أبي عبيدة لها بشهور، كيف استشرفتم المستقبل بهذه الدقة؟ وما الإرهاصات التي بنيتم عليها ذلك؟
– قضية الدعوة إلى النفير العام ونصرة «الأقصى» قد دعوت لها في عيد الفطر مباشرة في وجود قادة الحركة وقادة الجهاد في فلسطين، ويوجد المقطع مصور أثناء (وجود القائد المجاهد أبي العبد وأخيه القائد المجاهد خالد مشعل)، وكنت أرى أن فتوى عدم زيارة الأرض المقدسة تحت ظل الاحتلال أنها كانت اجتهاداً في وقته، والفتوى تتغير بتغير الحال والمآل والمصالح والمفاسد، ومع انتشار رقعة التطبيع فأصبحنا وكأنه لا يذهب إلى «الأقصى» إلا المطبعون.
فقلنا: لا بد أن ندافع الشر، وإزالة النجاسة شرعاً بتكثير أهل الطهارة، فكنت أرى أن هذه الفتوى لا بد أن يكون فيها تغيير بما يتناسب مع مصلحة الشعب الفلسطيني، وألا نركز المعنى المغلوط أو المفهوم الخطأ أن فلسطين للفلسطينيين، وإنما هي لكل المسلمين، ومن يذهب بنية الرباط والاعتكاف ومؤازرة الإخوان؛ فهو في جهاد في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة واعتمر فيها وكانت تحت حكم المشركين.
دعوتم أيضاً لشد الرحال إلى المسجد الأقصى وضرورة الرباط هناك كتفاً إلى كتف مع المقدسيين واختلاط دماء الأمة بدماء الفلسطينيين في الدفاع عن مسرى نبيهم، هل ما تزال ترى فضيلتكم نفس الرأي بعد الأحداث الأخيرة؟
– مع أن الدعوة إلى زيارة المسجد المبارك في القدس الشريف والرباط فيه قارنتها بإحياء عادة إسلامية كانت موجودة في كثير من الدول الإسلامية في مصر وفي تركيا، فيقولون: حجة وتقديسة؛ يعني بعد ما يحج يذهب لزيارة القدس، فيقال: حج وقدس، وأنا من الجيل الذي أدرك هذه الجملة وسمعتها على ألسنة الآباء الكبار.
وما زال بعض الإخوة في تركيا يفعلون هذا الأمر ويعتكفون في رمضان بعد عمرة رمضان، فطلبنا أن شد الرحال وهو لا يكون في الإسلام إلا للمساجد الثلاثة؛ الحرم المكي والمسجد النبوي والقدس الشريف، أن نحيي هذه الفضيلة، وأن تشد الرحال في رحلة واحدة وتجمع بين المساجد الثلاثة، والأحداث الأخيرة تجعلني أؤكد ذلك، بل وبدل أن كان من الزيارات التي ترفع بها الدرجات أو تزيد بها الحسنات، التي أراها الآن من الواجبات الضروريات.
ما واجب الأمة الإسلامية تجاه ما يحدث في فلسطين الآن؟
– واجب الأمة تجاه فلسطين وما يحدث في غزة الآن؛ أما المقاومة وقوى الجهاد قامت بما عليها من الإعداد ومن المباغتة ومن الإثخان في العدو، وأثبتت جاهزية كبيرة وشيئاً يرفع الرأس؛ فينبغي للأمة أن تؤازر بكل بما تستطيع، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، حتى يستمر تدفق هذا الطوفان، هذا الطوفان بإذن الله عز وجل هو بداية غسل أدران علقت بالمسجد المبارك، وإزالة أوساخ تعلقت بالقدس الشريف.
ما الدور الذي يقع على عاتق العلماء والدعاء في نصرة إخوانهم في فلسطين؟
– دور العلماء والدعاة في نصرة الإخوة في فلسطين الجهاد باللسان، فإنه لا يقل عن الجهاد بالسنان، ووصف بـ«الكبير» لما تحدث القرآن عن الجهاد بالكلمة وبالقرآن الكريم: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان: 52)، وحتى يكون هذا الجهاد على بصيرة لا بد أن تحرسك فتاوى العلماء وتزكية دعاة، وأن يكونوا هم الصف الأول.
فقد أكرمت بزيارة غزة العزة في رفقة سماحة مولانا الشيخ القرضاوي، رحمه الله، فرأيت كبار المجاهدين يقولون له: يا فضيلة الشيخ لقد تربينا على كتبك كانت معنا في الميادين وفي حلقات التدريب، ونحسب أن ما كتبته في الكتب هو الذي نطبقه نحن على الأرض، ولا توجد لحظة أسعد ولا أكبر للداعية والكاتب والمعلم من سماع هذه الكلمات.
ما دور الهيئات والمؤسسات العلمائية تجاه ما يحدث في فلسطين؟
– إذا كان الواجب حتمياً على العلماء بأعيانهم وبشخوصهم، فإن الفرضية آكد والعيني أشد على الهيئات العلمية والمؤسسات الإفتائية، إنما يصدر من الهيئات من تعضيد ومن إثناء ومن فتاوى؛ لأن هذه المعركة لسنا نحن من يقاتل فيها تديناً فقط، وهو في سبيل الله، وإنما أيضًا العدو، معركة دينية من المقام الأول، فأطلق على الكيان والدولة المزعومة اسم نبي الله عز وجل «إسرائيل»، ويسمون الأرض أرض الميعاد؛ يعني أنهم وُعدوا بها دينياً، فلا بد أن يكون أمام ما يفعله حاخامات الكيان المغتصب تعضيدات الهيئات الدينية الموجودة، لا بد أن يقابَل بمثله وزيادة من المواقف المشرفة، ويكفي أن حركة المقاومة منسوبة إلى رمز علمي كبير وهو فضيلة الشيخ السوري الأزهري مولانا الشيخ عز الدين القسام، رحمه الله.
من الناس من يتعلل بالمآلات، فهل ما فعلته المقاومة الفلسطينية يستتبع اللوم فيما يتعلق بتوقع الانتقام «الإسرائيلي»؟
– أما الذين يخذلون المقاومة، وأن الجهاد يقود إلى الانتقام من العدو الصهيوني، فالعدو الصهيوني ينتقم في كل يوم، ومسلسل الشهداء من أبناء فلسطين في الأيام الماضية يرى أنه لا يخلو يوم من شهيد أو أكثر في سبيل نصرة هذا الدين.
أما الذين علت أصواتهم بهذه النعرات فلو رجعت إلى صفحاتهم وإلى منشوراتهم قبل ذلك وإلى آرائهم ستعرف أنهم رفعوا شعار فلسطين ليست قضيتي، إذا كانت فلسطين ليست قضيتك فلماذا انشغلت بها الآن؟! ولماذا تخاف على أهلها؟!
ثم إن الأمة الفلسطينية عندها ثقة كبيرة في قادتها وفي قيادتها وفي مجاهديها؛ لأنها حركة تحرر شعبي تقوم به الأمة المسلمة في فلسطين بكل مكوناتها، من قال: إن الأوطان تتحرر بالاستكانة أو الكمون؟! (إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ) (الأنفال: 16)، فهو مجاهد على كل حال، ولو طبقت هذه الأقوال المثبطة فلما انتصر أهل فيتنام على الأمريكان، ولما انتصر أهل «طالبان» على أقوى أربعين جيشًا على مستوى العالم، هذه أصوات مخذلة؛ (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (محمد: 30).
من المنتصر في هذه المعركة من وجهة نظر فضيلتكم؟
– أما عن المنتصر في هذه المعركة فليس هذا رأيي، وإنما ما جاء في وسائل إعلام عبرية ووسائل إعلام عالمية من محللين من المحتلين أو من المحايدين أو المتعاطفين مع الاحتلال قالوا: إن الحرب كسبتها المقاومة وانتصرت فيها «حماس»، وأول عوامل النصر كان في المباغتة والمفاجأة، يعني لا «الشاباك» ولا «الموساد» ولا ما يتغنى به من الأجهزة العالمية وبعض الأجهزة الإقليمية المتعاونة مع الاحتلال، كل هذا لم يصل إليهم خطوة واحدة، وهذا الإعداد تم على مدار شهور، فهذا كان أول أسباب النصر.
ثم إن حركة المقاومة أسرت أسيرًا واحدًا هو شاليط ففاوضت به عن أكثر من ألف مجاهد من الأسرى فيما عرف بصفقة «وفاء الأحرار»، الآن عندهم حظيرة من الشلاليط يبيضون بها إن شاء الله السجون! السجون مظلمة على المجاهدين المأسورين، أن تكون ضربة البداية من المقاومة أن يكون الهجوم من كل جهة حتى رأينا المظلات، وإن كانت ليست في قوة الجيش الذي لا يقهر، وبريًا وعبر الأنفاق ومن البحر جاؤوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت أبصار العدو وبلغت قلوبهم الحناجر.
حصيلة القتلى أكثر من ألف، وحصيلة الأسرى مئات لم يعلن عنها تحديداً حتى الآن، الجهاد الإسلامي فقط أعلن عن 30 أسيراً لديه، فما بالكم بمن لدى حركة «حماس» الحركة الكبرى؟!
تم النصر وحدث الزلزال في الكيان، وما يحدث الآن هو توابع الزلزال، واستطاع المجاهدون أن يجعلوا من يوم السابع من أكتوبر هو إكمال ليوم السادس من أكتوبر، السادس من أكتوبر 1973م، أكملوه بالعبور الثاني في السابع من أكتوبر 2023م، وكأنه اليوم التالي مباشرة، وكان هذا أعظم احتفال بمرور خمسين سنة على نصر أكتوبر على يوم العبور، وهذه الأيام يكمل بعضها بعضًا، والمستقبل لهذا الدين، والنصر للمجاهدين والمقاومين بإذن الله وجل.
المصدر: مجلة المجتمع