مقالاتمقالات المنتدى

منهج السنة النبوية المشرفة في مكافحة الفساد | الجزء الثالث “مرتكزات وأسس منهج السنة النبوية المشرفة في مكافحة الفساد”

منهج السنة النبوية المشرفة في مكافحة الفساد | الجزء الثالث “مرتكزات وأسس منهج السنة النبوية المشرفة في مكافحة الفساد”

 

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

 

المبحث الأول

كيف تنشأ شبكة الفساد؟

 

كيف تنشأ شبكة الفساد:

الحياة، في منهج السنة النبوية المشرفة، هي شبكة علاقات بين (الرب الإله/الإنسان المستخلف/الشيطان المفسد/الأرض محل الاستخلاف).يتفاعل فيها الإنسان المستخلف المؤتمن مع ما في الأرض جميعاً، ليحقق عبوديته لله، عبر عمران الأرض وإصلاحها، واجتناب عبادة الشيطان وإتباع الهوى.فإذا فسدت العلاقة مع الله، عبر عبادة الشيطان واتخاذه ولياً، وتخلي الإنسان عن أمانة استخلافه، يبدأ الفساد في الأرض، ويتخذ أشكاله المختلفة.

خريطة الفساد في منهج السنة النبوية المشرفة[1]:

رسم منهج السنة النبوية المشرفة، عبر نصوصه وتطبيقاته، الخريطة المعرفية لظاهرة الفساد، من خلال بيان العلاقة بين هذه العناصر الأربعة السابقة، مؤكداً على ضرورة فهم وإدراك شبكة العلاقات فيما بينها، والتي: تنتج الصلاح؛ في حالة بنائها وحفظها بالشكل الصحيح القائم على الإيمان بالله، أو تنتج الفساد: في حالة بنائها أو التهاون في حفظها بشكل خاطىء، حتى ينسج الفساد خيوطه على قلوب أفراد ومؤسسات المجتمع، ويصير صناعة تغزو كل جوانب المجتمع، فتنشر فيه الآفات القاتلة، والسلوكيات المدمرة، والقيم الهادمة لكل اجتماع إنساني.

فخريطة الفساد في منهج السنة النبوية المشرفة، تبدأ من المعتقد لتنتهي عند السلوك، عبر تلبيس إبليس وإتباع هوى النفس، حيث يقع بعض البشر في عبادة للشيطان إتباعاً لهواهم في الخروج عن أوامر الله، فتفسد قلوبهم، ويستخلصهم الشيطان لنفسه، عبر سلخهم من إنسانيتهم المؤمنة، وإغراقهم في الترف، ليكونوا طليعة الإفساد وصناعه في المجتمع.

الكائن النموذجي للإفساد:

ينطلق منهج السنة النبوية المشرفة لمكافحة الفساد، من مسلمة أن: إبليس، هو نموذج الشر والإفساد، الذي حذر الله منه آدم وذريته، وهو أصل الفساد والهوى.وأن مدخله لهذا الفساد والإفساد، مرتبط بفكرتي:الخلود، والملك الذي لا يبلى، مما تحبه النفس وتتوق إليه، وتستعجله في الحياة الدنيا الفانية، فيقع الإنسان في الفساد نسياناً، كما حدث لأبينا آدم وزوجه وكثير من أبنائه من بعده، أو إصراراً  كما هو حال طبقة المترفين المفسدين صناع الفساد من أبناء آدم على مر التاريخ.

اللحظة النموذجية للفساد:

يعد منهج السنة النبوية المشرفة، لحظات انحراف العقيدة الثلاث: الكفر أو الشرك بالله أو النفاق، هي اللحظات النماذجية للفساد، حيث تنفتح من خلالها كل السبل أمام الهوى والشيطان لصناعة الفساد.ولهذا، كان تركيزه الأول في مكافحة الفساد منصباً على القضاء على هذه الحالات الثلاث، وترسيخ العقيدة الصحيحة في قلوب أفراد المجتمع، وفي أجواء مؤسساته، لكونها المرتكز الرئيسي في مكافحة أي نوع من أنواعه.

الشروط اللازمة لنجاح منهج السنة النبوية المشرفة في مكافحة الفساد تتمثل في:

1-التصديق به، والتسليم المطلق بقدرته على مكافحة الفساد، وإتباع مسلماته وقيمه وتوجيهاته من ناحية، وقدرة القائم عليه، أو الداعي له، على تحقيقه في حياته وحياة مجتمعه عملياً من ناحية ثانية، وقدرة هذا المنهج على هزيمة ادعاءات أي منهج آخر يزاحمه في قلوب المؤمنين من ناحية ثالثة.

2-قدرة هذا المنهج، على التوصيف الصحيح لأنواع شجرة الفساد في المجتمع: بذورها وجذورها وثمارها الخبيثة، على الهيئة التي تقنع أتباعه بمدى إحاطته بدواخل نفوسهم، وعيوب مؤسسات مجتمعهم التي يعرفونها ويعانون منها، وطرح الحلول العملية التي تقدم البدائل الآمنة لعيوب المنهج السائد.

3- الالتزام بكل ما يشير به النموذج في معالجة أنواع الفساد من وسائل وأدوات، دون زيادة أو نقصان يخل بجوهر رؤيته.

 

المبحث الثاني

مرتكزات وأسس منهج السنة النبوية المشرفة لمكافحة الفساد

المنهج، أي منهج، الذي يطمح في تحقيق تغيير أي مجتمع، ليتوافق مع نظرته للحياة ورؤيته للكون، لابد له من عدة مرتكزات تتمثل في: النصوص التي تشكل معالم منهجه، والأفراد الذين يطبقون هذا المنهج، والمؤسسات التي تحمل قيم المنهج، وتنزلها واقعاً يعيشه أبناء المجتمع المؤمن، والتي يرتكز عليها جميعاً، ويؤسس عليها بنيانه الاجتماعي السياسي، حتى يحقق صلاحه المنشود.

أولا: النصوص الملزمة والقوانين التي تمثل عقيدة المجتمع وتشكل رؤيته للكون ومكونه

  1-نص، يعيد ترتيب مفاهيم الإنسان عن: الله والكون والشيطان والأرض بشكل سليم، يركز على البعد العقيدي المعرفي المغروس في فطرته، ودوره في تأكيد وعي الإنسان بالفساد، وكيفية استخدام الأدوات التي زوده الله بها، وعلى رأسها الوحي والقلب والعقل، والتي تحمي الإنسان فرداً ومجتمعاً من الوقوع في الفساد، وتجعل لديه حساسية شديدة تجاه أي نوع من أنواعه مهما خفي.

2-نص، يكشف ويعري، أسباب وأنواع ومظاهر وآثار الفساد الواقع فعلاً في المجتمع، عبر مواكبة حركة حياة هذا المجتمع، يوماً بعد الآخر، وشهراً تلو الآخر، عاماً إثر عام، حتى تتكشف شبكة الفساد وعلاقاته وطبقته المترفة.

3-نص، يعالج قضية الفساد عبر التجربة التاريخية، والتي تقص تاريخ البشرية ومحصلة تجربتها مع هذا المنهج إتباعاً أو عصياناً، وعواقب ذلك إصلاحاً أو فساداً، واستخلاص العبرة منها في جدارة هذا المنهج في مكافحة الفساد.

4-نص، يوضح شروط تحقيق ضمانات المجتمع العالمي الصالح الآمن من الفساد، باعتبار أن الفساد سلسلة مترابطة من الشرور، التي تنتقل من مجتمع لآخر إن تركت لحالها دون علاج، وذلك عبر التوكيد على التزام مجموعة من: القيم، والعهود، والروابط والممارسات بين المجتمعات بعضها البعض، تحقيقاً للأمن العالمي، حتى لا تجور أمة فاسدة على أمة أخرى، أو باقي الأمم أو أن تطغى، فتكثر في الأرض الفساد.

وأن تجتمع في هذه النصوص، جميعها، صلاحيتها الدائمة، ومرونتها في التعامل مع مشكلات الإنسان في أي مكان، وعلى مدار الزمان.

ثانيا: الإنسان المؤمن المؤتمن على الاستخلاف في الأرض

وهو الإنسان، المؤمن بهذه العقيدة، ورؤيتها للكون ومكونه، في علاقته مع: بني مجتمعه الذي يعيش فيه، وبني جنسه الواجب عليه التعارف معهم، وباقي مكونات الحياة على الأرض من مخلوقات؛ سخرت من أجل قيامه بمهام استخلافه وائتمانه على الأرض، والقادر على تطبيق هذا المنهج، وجعله واقعاً صالحاً ينتح حياة طيبة لا فساد فيها.

ثالثا: الهياكل والمؤسسات الحاملة للمنهج

وهي، الهياكل والمؤسسات الحافظة للاجتماع الإنساني من الفساد، المرتكزة على رؤية المنهج، والتي يمارس الفرد فيها ومن خلالها، معتقداته وقيمه بحرية، والتي تحقق ضمانات الأمن العقيدي الخلقي، والمعيشي الاجتماعي الاقتصادي السياسي، الذي يأمن فيه الفرد على معتقده ومعيشته في:حاضره ومستقبله.وتتمثل في: المؤسسات التربوية والاجتماعية، التي تهييء المجتمع للصلاح والإصلاح، وتحصنه ضد الفساد والمفسدين، وتسد كل المنافذ التي يدخل منها الفساد.

فهذه المؤسسات والهياكل، تمثل الحاضنات التي تربي أجيال الأمة، وترسخ فيها عقائدها وقيمها؛ علماً وعملاً، لتخرج لنا الإنسان الصالح المصلح, وتنشأ مجتمع التراحم الإيماني, مجتمع الصلاح والمصلحين.بالإضافة إلى مهمتها الكبيرة والدائمة المتمثلة في: إنذار المجتمع من أي فساد يصيبه من ممارسات خاطئة، وتنذره من أي موجات إفساد تستهدف أفراده وباقي مؤسساته.

رابعاً: الإجراءات والوسائل والأدوات:

وهي، الإجراءات والوسائل والأدوات، النابعة من جوهر هذه العقيدة، والمتجددة بتجدد الزمان والمكان، وتغير أحوال الإنسان.وهي المعينات التي يستعين بها المجتمع ويستمدها من: تجربته التاريخية، أو تجارب المجتمعات المحيطة به، أو يبتكرها ابتكاراً لتكون آلياته التي يستخدمها في تنزيل نصوصه وتطبيقها عبر مؤسساته، وتحويلها سلوكاً وممارسات وأفعال، تحقق الصلاح للأفراد والمجتمع، وتنفي عنهما الفساد والمفسدين.

[1] استفدنا هذه الفكرة عن خريطة الفساد واللحظات والكائنات  النماذجية للفساد من كتابات الدكتور المسيري عن النماذج التفسيرية، راجع

المسيري، عبد الوهاب، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، القاهرة، دار الشروق، 1999م، ط1، المجلد الأول:الإطار النظري، ص115 وما بعدها

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى