مقالاتمقالات المنتدى

سلسلة انتصارات رمضانية: معركة حطين (2)

الاستعدادات التي سبقت معركة حطِّين والسير نحو المعركة

سلسلة انتصارات رمضانية: معركة حطين (2)

الاستعدادات التي سبقت معركة حطِّين والسير نحو المعركة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

استبشر صلاح الدين ـ الذي كان انذاك يعسكر بالقرب من حصن الكرك ـ بذلك النَّصر الذي حقَّقته تلك السَّريَّة الإسلامية في معركة صفورية، فترك الكرك، والشُّوبك، وسار مسرعاً على رأس جيشه في اتجاه العدو، وعكسر في عشترا، واجتمعت حوله العساكر الإسلامية بإعدادٍ هائلة حتى «غطَّى بها الفضاء» على حدِّ قول ابن واصل وفي عشترا قام بعرض عسكره، فكان في أثني عشر ألف مقاتل.

ثمَّ رتب جيشه طبقاً لنظام المعركة المعتاد، فجعل ابن أخيه تقي الدين عمر في الميمنة، ومظفر الدين كوكبوري في الميسرة، وكان هو في القلب، وبقيَّة الجيش فرَّقه على الجناحين استعداداً للحرب.

أ ـ استعدادات الصليبيين: وردَّاً على ذلك التجمُّع الإسلامي العظيم فإنَّ الصليبيين لمَّا سمعوا باجتماع كلمة الإسلام عليهم، ومسير ذلك الجيش الإسلامي إليهم؛ علموا أنَّه قد جاءهم ما لا عهد لهم بمثله، وأنَّ كيانهم زائلٌ لا محالة، فاجتمعوا، واصطلحوا، وحشدوا، وجمعوا، وانتحوا. فصالح القومص الملك جاي بعد أن دخل عليه، ورمى بنفسه عليه. ومن ثمَّ أصدر الملك جاي الأمر بالتعبئة العامة، ومعنى ذلك: أنه لا بدَّ أن يتقدَّم لحمل السلاح كل الرجال القادرين، ولا يلجأ الملك إلى ذلك إلا عند الضرورة القصوى.(العريني، 1967، ص84)

وحشد الصَّليبيون حشوداً كبيرة، ورفعوا صليب الصلبوت، لتجتمع الناس حوله، وقد اكتملت عدَّة ذلك الجيش بعد أن تمَّ توزيع الأموال التي بعثها ملك انجلترا هنري إلى الملك جاي، والتي أمر بإنفاقها على الرِّجال. وأما بالنسبة لتقدير عدد الجيش الصليبي؛ الذي ظلَّ معسكراً في صفورية بعد هزيمته من تلك السرية الإسلامية؛ فإن المؤرخين المعاصرين ذكروا: أنَّ عدده بلغ زهاء خمسين ألفا، أو يزيدون، وبعضهم رجَّح: أنه يبلغ عشرين ألفاً.(العريني، 1967، ص84)

ب ـ اختيار صلاح الدين لخطَّة المعركة الفاصلة: لمَّا علم صلاح الدين باجتماع الصليبيين في صفورية عقب هزيمتهم من السَّرية الإسلامية في هـذا المكان؛ استشار قواده فيما يفعل، فأشار أكثرهم بترك اللقاء، واتباع الطَّريقة السابقة من إغارات متكرِّرة، وتكبيد العدو خسائر حتى تضعف مقاومته، ثم إنزال الضربة القاضية بالصَّليبيين، وأشار الفريق الاخر بالتوغُّل في بلاد الصَّليبيين، والاشتباك معم في معركةٍ فاصلة.(الشامي، 1991، ص181)

وهنا تبدو لنا حنكةُ صلاح الدين العسكرية؛ إذ اختار الخطة الثانية القائمة على الاشتباك مع العدوِّ في معركةٍ فاصلة؛ إذ يظهر: أنَّ صلاح الدين أدرك أنَّ معظم القوات؛ التي تجمَّعت عنده في ذلك الوقت جاءت من أماكن بعيدة من مصر، ودمشق، وحلب، والجزيرة، والموصل، وديار بكر، وغيرها، وأنَّ هـذه العساكر القائمة على نظام الاقطاع الحربي ـ كما سبق أن رأينا ـ لها التزامات في إقطاعاتها الأمر الذي قد يدفعها بعض الأحيان إلى طلب الاستئذان منه، والعودة لقضاء حوائجها. هـذا بالإضافة إلى أنَّ صلاح الدين ربما قصد باتِّباع تلك الخطة استغلال ذلك الانشقاق الذي حدث في صفوف الصليبيين نتيجة وفاة الملك بلدوين الخامس، وتتويج الملك جاي لوزجنان، والذي عدَّه أحد الباحثين سبباً حُرِمت من أجله مملكة بيت المقدس من معونة أقوى إمارتين صليبيتين بالشَّام، هما: إمارة طرابلس، وإمارة أنطاكية.(الشامي، 1991، ص182)

وهكـذا أصبح الموقف بين صلاح الدين، والصليبيين على أشدِّه، وبات الطرفان كلٌّ منهما يتوق إلى الاشتباك مع الآخر في معركةٍ فاصلة، وكان صلاح الدين يدرك أن تمركزهم في صفورية يعطيهم مكانةً عظيمةً في القتال، وذلك أنَّ صفورية تعتبر في أحسن المواقع الملائمة لإقامة المعسكرات، وذلك لما يتوافر فيها من المراعي، والمياه، وغيرها من الموارد الطبيعية اللازمة لذلك؛(عاشور، 1986، 2/804) لهـذا عمد إلى استدراج الصليبيين إلى المكان المناسب؛ الذي يستطيع فيه إنزال الهزيمة بهم. هـذا بالإضافة إلى أنَّه على الرغم من ذلك كان يريد أن يجبرهم على المسير إليه حتى يصلوا متعبين، ويكون هو مدَّخراً جهده، وجهد رجاله. لذلك أخذ صلاح الدين يعدُّ عدَّته للقيام بعمل يستطيع اجتذاب الصَّليبيين من معسكرهم في صفورية، والنزول إلى المكان الذي يختاره، فأخذ كلَّ يوم يرسل جماعةً من رجاله، لمباغتة الصليبيين، والنكاية بهم، محاولاً بذلك استدراجهم إليه، غير أن تلك الغارات المتكرِّرة لم تؤثر على الصَّليبيين، فلم يتركوا مركزهم في صفورية، فرأى صلاح الدين الهجوم على طبرية ذاتها؛ لأنَّ الصليبيين متى رأوا هجومه ذلك؛ بادروا بالوصول إليه، وبذلك يكون قد تحقَّق له ما قصد.(المقدسي، 1997، 2/76)

ج ـ توجُّه صلاح الدين إلى طبرية: أدرك صلاح الدين بهجومه على طبرية بأنَّه يمكنه إثارة ريموند أمير طرابلس المشهور بشدَّة الغيرة، بالإضافة إلى أنَّ صلاح الدين كان يعلم: أن نزوله في ذلك الموضع يستطيع أن يوصد الطريق المؤدي إلى طبرية، ويسيطرفي الوقت ذاته على الدروب التي تجتاز الحافة الشرقية إلى طبرية، وتنتهي إلى الماء. في حين يبقى الصَّليبيون عند خروجهم من صفورية، وتقدُّمهم إليه في منطقةٍ وعرةٍ، لا تتوفر فيها المياه.(الشامي، 1991، ص182)

 

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس، دار المعرفة، بيروت، 1429ه-2008صص 404-408.

شهاب الدين المقدسي، عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: ابراهيم الزيبق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ،1418-1997.

سعيد عاشور، الحركة الصليبية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1406ه 1986.

أحمد الشامي، صلاح الدين والصليبيون تاريخ الدولة الأيوبية، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1411ه1991م.

سيد الباز العريني، الشرق الأدنى في العصور الوسطى الأيوبيون، ، دار النهضة العربية.لبنان، 1383ه 1967م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى