مقالاتمقالات المنتدى

تطبيقات الشورى (3) الشورى في عهد ذي النوريين عثمان بن عفّان رضي الله عنه

تطبيقات الشورى (3)

الشورى في عهد ذي النورين عثمان بن عفّان رضي الله عنه

 

بقلم د. محمد علي الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

عثمان بن عفان أحد السابقين إلى الإسلام، وثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بويع عثمان رضي الله عنه خلافة للمسلمين بالشورى التي تمّت بعدما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سنة 23ه، واستمرت خلافته نحواً من اثني عشر عاماً، كانت مليئة بالقضايا الكبيرة، والنوازل الجديدة التي استعمل فيها عثمان رضي الله عنه مبدأ الشورى في الحكم فيها، ومن هذه القضايا:

1 ـ أول قضية واجهت عثمان قضية قتل الهُرْمُزان:

أول قضية حكم فيها عثمانُ هي قضيةُ عبيد الله بن عمر، وذلك أنّه عدا على ابنة أبي لؤلؤة قاتلِ عمر فقتلها، وضربَ رجلاً نصرانياً يقال له جُفينة بالسيف فقتله، وضرب الهرمزان الذي كان صاحب تُسْتُر فقتله، وكان قد قيل: إنّهما مالا أبا لؤلؤة على قتل عمر فالله أعلم، وكان عمر قد أمر بسجنه ليحكمَ فيه الخليفةُ من بعده، فلمّا ولي عثمان، وجلس للناس، كان أوّل ما تحوكم إليه في شأن عبيد الله.

فقال علي: ما من العدل تركُه، وأمر بقتله.

وقال بعض المهاجرين: أيقتلُ أبوه بالأمس ويقتلُ هو اليوم؟.

فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين قد برَّأك الله مِنْ ذلك، قضيةٌ لم تكن في أيامِكَ فدعها عنك.

فودى عثمان أولئك القتلى من ماله، لأنَّ أمرَهم إليه، إذ لا وارث لهم إلا بيتَ المال، والإمامُ يرى الأصلح

في ذلك، وخلّى سبيل عبيد الله، وقد جاءت رواية في الطبري تفيد بأنَّ الهاذبان بن الهرمزان قد عفا عن عبيد الله. [البداية والنهاية، 7/154].

2 ـ الشورى في فتح إفريقية:

ولمّا استأذنَ عبد الله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان في غزو إفريقية جمع الصحابة واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بفتحها، إلاّ أبو الأعور سعيد بن زيد، الذي خالفه متمسكاً برأي عمر بن الخطاب في ألاّ يغزو إفريقية أحدٌ من المسلمين، ولمّا أجمع الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد، واستعدّتِ المدينة عاصمةُ الخلافة الإسلامية لجمع المتطوعين وتجهيزهم، وترحيلهم إلى مصر، لغزو إفريقية تحت قيادة عبد الله بن سعد، وقد ظهر الاهتمام بأمر تلك الغزوة جلياً، فهذا يتّضِحُ من الذين خرجوا إليها من كبار الصحابة، ومن خيار شباب ال البيت وأبناء المهاجرين الأوائل، وكذلك الأنصار، فقد خرج في تلك الغزوة، الحسن والحسين وابن عباس وابن جعفر وغيرهم. [ليبية من الفتح العربي د. صالح المزيني ص، 49].

3 ـ الشورى في جمع القرآن :

إنَّ السببَ الحامل لعثمان على جمع القرآن مع أنَّه كان مجموعاً مرتّباً في صحف أبي بكر الصديق، إنّما هو اختلافُ قرّاء المسلمين في القراءة اختلافاً أوشك أن يؤدي بهم إلى أخطر فتنةٍ في كتاب الله تعالى، وهو أصل الشريعة، ودعامة الدين، وأساس بناء الأمة الاجتماعي والسياسي والخلقي، حتى إنَّ بعضهم كان يقول لبعض: إن قراءتي خيرٌ من قراءتك، فأفزع ذلك حذيفة فطلب من خليفة المسلمين وإمامهم، أن يدرِكَ الأمةَ قبل أن تختلف، فيستشري بينهم الاختلافُ، ويتفاقمَ أمره، ويعظمَ خطبه، فيُمَسَّ نصُّ القرآن وتحرَّفَ عن مواضعها كلماتُه وآياته.

فجمع عثمان المهاجرين والأنصار، وشاورهم في الأمر، وفيهم أعيان الأمة، وأعلام الأئمة، وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعرض عثمانُ هذه المعضلة على صفوة الأمة وقادتها الهادين المهديين ودارسهم ودارسوه، وناقشهم فيها وناقشوه، حتى عرف رأيهم، وعرفوا رأيه، فأجابوه إلى رأيه في صراحةٍ لا تجعل للريب إلى قلوب المؤمنين سبيلاً، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعُهم، فلم يُعْرَفْ قط يومئذ لهم مخالف، ولا عرف عند أحد نكير، وليس شأنُ القرآن الذي يخفى على احاد الأمة فضلاً عن علمائها وأئمتها البارزين. [عثمان بن عفان، صادق عرجون ص، 171].

لقد اتفق الصحابةُ على جمعه بما صحَّ وثبتَ من القراءة المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم واطّراح ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأياً سديداً موفقاً.

وقال علي رضي الله عنه: لو ولّيت لعملتُ بالمصاحف التي عمل بها عثمان. [عثمان بن عفان صادق عرجون ص 178]

لقد ظلّت الصحفُ في رعاية الخليفة الأول أبي بكر الصديق، ثم انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم لمّا عرف عمرُ حضورَ أجله، ولم يولِّ عهده أحداً معيناً في خلافة المسلمين، وإنما جعل الشورى في الستة أوصى بحفظ الصحف عند حفصة أم المؤمنين، وعنها نقل عثمان مصحفه (الرسمي) وأنّه أمرَ أربعةً من أشهر قراء الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن ووعياً لحروفه وأداءً لقراءته، وفهماً لإعرابه ولغته، وهم زيد بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهؤلاء من قريش.

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيدُ بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنّما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمانُ الصحف إلى حفصة أم المؤمنين، فأرسل إلى كلّ أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَّق والفرقُ بينَ جَمْعِ أبي بكر وعثمان أنَّ جمعَ أبي بكر كان لخشيته أن يذهبَ شيءٌ من القرآن بذهاب حَمَلتِهِ، لأنَّه لم يكن مجموعاً في موضع واحد، فجمعه في صحائِفَ مرتّباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وجمعُ عثمانَ كان لمّا كثرُ الاختلاف في وجوه القراءة، حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدّى ذلك إلى تخطئة بعضهم بعضاً، فخشي مِنْ تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتباً لسوره، واقتصر من سائر اللغات

على لغة قريش محتجاً بأنّه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسّع في قراءته بلغة غيرهم دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أنَّ الحاجة قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة. [عثمان بن عفان للمؤلف ص، 231].

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” الشورى فريضة إسلامية”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من مادته على كتاب: “عثمان بن عفان”، للدكتور صادق عرجون.

المراجع:

  • البداية والنهاية، ابن كثير.
  • ليبية من الفتح العربي د. صالح المزيني.
  • عثمان بن عفان، صادق عرجون.
  • الشورى فريضة إسلامية، علي محمد الصلابي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى