مقالاتمقالات المنتدى

(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (12) عالم البحار.. والإعجاز العلمي في القرآن الكريم

(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (12)

عالم البحار.. والإعجاز العلمي في القرآن الكريم

 

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى) 

قال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (الرحمن ، آية : 19 ـ 22).

وقال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النمل ، آية : 61).

في كل من الآيتين رقم (19 ـ 22) من الرحمن والآية رقم (6) من النمل تفسر لفظة (البحرين) التي جاءت مطلقة في الحالتين بالبحرين الملحين، وذلك للمبررات التالية:

أ ـ أن لفظة (البحر) في اللغة تطلق على كل من البحر المالح والبحر العذب “أي النهر”، ولكنها إذا أطلقت دون تقييد فإنها تدل على البحر المالح فقط، وإذا قيدت فإنها تدل ما قيدت به، وقد جاءت لفظة “البحرين في مطلقة في الحالتين المذكورتين”.

ب ـ أورد القرآن الكريم لفظة “البحر” بالإطلاق (39) موضعاً، منها (33) بالأفراد و(3) بالتثنية و(3) أخرى بصيغة الجمع، ومن ذلك قوله تعالى : وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ” (إبراهيم ، آية : 32).

وفي المقابل نلاحظ أن القرآن الكريم أورد لفظة “البحر” بالتقييد المحدد مرتين فقط بصيغة التثنية:

ــ يقول فيها ربنا: ” وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا” (الفرقان ، آية : 53).

والآية الكريمة تشير إلى ثلاثة أنواع من المياه:

ــ مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.

ــ مياه البحار وهي شديدة الملوحة.

ــ مياه في منطقة المصب وهي مزيج من الملوحة والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين البحر والنهر.

لا تختلط الكتل المائية الثلاثة (ماء النهر وماء البحر وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية بأن معظم الكائنات التي تعيش في البحر أو النهر أو المصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها وتموت إذا خرجت منها.

ومنطقة المصب منطقة محجوزة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر أو النهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الأسموزي، وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية قد زودتنا بصورة باهرة تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، ولقد وصف القرآن الكريم منطقة اللقاء بين الكتل المائية الثلاثة بأدق وصف وأدل لفظ وأوجز عبارة تضمنت تحديد العلاقة بين الكتل المائية الثلاثة وكائناتها الحية التي تعيش فيها. [بينات الرسول ، ص: 146 ـ 155].

ــ وقال تعالى: “وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (فاطر ، آية : 12).

جـ ـ في وصف لفظة “البحرين” المطلقة جاء في سورة الرحمن قول الحق تبارك وتعالى: ” مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ” (الرحمن ، آية : 19 ـ 22).

وكل من اللؤلؤ والمرجان لا يحيا إلا في الماء المالح، وإن كانت بعض أصداف اللؤلؤ قد استزرعت صناعياً في الماء العذاب، وعلى ذلك فإن جمع اللؤلؤ والمرجان معاً في الآية رقم (22) من سورة الرحمن يؤكد على أن المقصود بالبحرين هنا هما البحر الملح، والبحر الملح، وهو أمر أكبر إعجازاً من التقاء النهر العذب بالبحر المالح، على أهمية ذلك العظمى، وضرورته القصوى لاستقامة الحياة على سطح الأرض، وعلى ما فيه من إعجاز في الخلق يعجز البيان عن تصويره.

س ـ الإشارة القرآنية الكريمة إلى تعظيم الفاصل بين البحرين العذب والملح بكل من البرزخ والحجر المحجور، وذلك لوجود الدلتا ومقدماتها وما حولها من حواجز ترسبية بالإضافة إلى الماء الوسطي بين العذب والملح “الماء المويلح أي قليل الملوحة” على حواف الماء العذب عند التقاء المائين ووجود الشحنات الكهربية المتشابهة والمتنافرة في أيونات الأملاح المذابة في الماء وفي المقابل فإن الإشارة القرآنية إلى الفاصل بين البحرين ـ بغير تخصيص ـ بتعبير البرزخ فقط أو الحاجز فقط، وهو الحاجز بين الماء الوسطي بين مائين مختلفين في صفاتهما الطبيعية والكيميائية، كالبحرين الملحين المختلفين أفقياً أو رأسياً وذلك لأن مثل هذا الحاجز يمنع تحرك الكائنات البحرية من كتلة مائية إلى كتلة مائية أخرى مجاورة إلا إذا تباينت الصفات بينهما تبايناً صارخاً، فهو لا يحجز الكائنات البحرية حجراً كاملاً، كما أنه يصعب إدراكه على غير المتخصصين حتى في زمن التقدم العلمي الذي نعيشه.

ر ـ ثبت أن التنوع بين كتل الماء المتجاورة أفقياً ورأسياً بين البحار المتجاورة، وفي داخل البحر الواحد من البحار العميقة والمحيطات ضرورة من ضروروات التنوع البيئي في البحار الذي لولاه لتقلصت الحياة البحرية تقلصاً شديداً. [مدخل إلأى دراسة الإعجاز العلمي، النجار ، ص: 206].

  • التحقيق العلمي:

لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف في الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخاً يفصل بين كل بحرين، ويتحرك بينهما ويسميه علماء البحار “الجبهة” تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين جيشين، وبوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على الخصائص التي قدرها الله له ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.

وقد تدرج العلم البشري لمعرفة حقائق اختلاف مياه البحار وما بينهما من حواجز، فقد استقرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار ـ والتي أعلنت في عام 1361هـ/1942م عن اكتشاف حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، وبعد عام 1962م عُرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة، مع محافظة كل بحر على خصائصة وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز. [بيانات الرسول ومعجزاته ، ص: 72 ـ 73].

وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسماً واحداً، إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة، وتظهر بألوان مختلفة منعاً لاختلافها في درجة الحرارة.

وفي دراسة ميدانية للمقارنة بين مياه خليج عمان والخليج العربي بالأرقام والحسابات والتحليل الكيميائي، تبين اختلاف كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما، ووجود البرزخ الحاجز بينهما، وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة، اشترك فيها المئات من الباحثين واستخدم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة. [بينات الرسول ومعجزاته ، ص: 74 ـ 75].

إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمن وصفاً لأدق الأسرار في زمن يستحيل على البشر فيه معرفتها ليدل على مصدره الإلهي، كما قال تعالى: ” قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الفرقان ، آية : 6).

كما يدل على أن الذي أنزل عليه الكتاب رسول يوحي إليه وصدق الله القائل: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (فصلت ، آية : 53).

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “المعجزة الخالدة”، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد أكثر مادته من كتاب: ” بينات الرسول ومعجزاته”، للشيخ الدكتور عبد المجيد الزنداني.

المراجع:

  • بينات الرسول ومعجزاته، د. عبد المجيد الزنداني.
  • مدخل إلى دراسة الإعجاز العلمي، د. زغلول النجار.
  • المعجزة الخالدة: الإعجاز العلمي في القرآن، د. علي محمد محمد الصلابي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى