مقالاتمقالات المنتدى

(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (8) الفرقان والبرهان والحق.. أسماء عظيمة للقرآن الكريم

(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (8)

الفرقان والبرهان والحق.. أسماء عظيمة للقرآن الكريم

 

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

من خصائص القرآن الكريم أن له أسماء عدة وهذا يدل على شرفه وعلو منزلته، فكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى وعلو قدره. ولقد اختار الله لوحيه أسماء عظيمة أهمها:

1 ـ الفرقان:

سمّى الله تعالى القرآن فرقاناً في أربع آيات في كتابه المبارك، وهي:

قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾[الفرقان: 1].

وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمران: 4].

وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة 185].

وقال تعالى: ﴿وَقرآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾ [الإسراء: 106].

وذكر المفسّرون في سببِ تسمية القرآن بالفرقان أقوالاً، منها:

  • سُمي بذلك، لأنّ نزوله كان متفرّقاً، أنزله تعالى في نيف وعشرين سنة، في حين أنَّ سائرَ الكتبِ نزلت جملةً واحدةً.(الدوسري، 2005، ص152)
  • سُمي بذلك، لأنه يفرّق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والخير والشر، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والسعادة والشقاوة، والمؤمنين والكافرين، والصادقين والكاذبين، والعادلين والظالمين، وبه سُمي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفاروق.

وقد بيّن ابنُ عاشور رحمه الله سببَ تسمية القرآن بالفرقان بقوله: ووجه تسميته الفرقان أنّه امتازَ عن بقية الكتب السماوية بكثرةِ ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإنّ القرآن يَعْضُدُ هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وحسبُك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجدُ مثله في التوراة والإنجيل، كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11].(الدوسري،2005، ص153)

  • وقيل: الفرقانُ: هو النجاةُ، سُمي بذلك لأنَّ الخلقَ في ظلمات الضلالات، وبالقرآن وجدوا النجاة، وعليه حمل المفسرون قوله تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 53].

وسواء كانت تسميةُ القرآن العظيم بالفرقان؛ لأنّ نزوله كان متفرّقاً في نيف وعشرين سنة، بينما سائر كتب الله تعالى نزلت جملةً واحدةً، أو سُمي بذلك لأنّه يفرّق بين الحق والباطل، أو لأنّ فيه نجاة من ظلمات الضلالات، فهذا الاختلافُ في التنوع يدلُّ دلالةً صريحةً على عظمة القرآن، ورِفْعةِ منزلته عند الله تعالى، وعلوِّ شأنه.

2 ـ البرهان:

سمّى الله القرآن برهاناً في اية واحدة في كتابه العزيز، وهي قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء: 174]. فهذا خطابٌ لكلّ أصحاب المللِ، اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم، أنَّ الله تعالى أقامَ بهذا القرآن الحجة عليهم، تُبرهن لهم بطلانَ ما هم عليه من الدين المنسوخ، وهذه الحجةُ تشمل الأدلة العقلية والنقلية والآيات الافاقية، كما قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].

بل كفى بالقرآن العظيم وحده برهاناً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة.

فالقرآن برهانٌ من الله لعباده، أقام به الحجةَ عليهم، وأظهر من خلاله أوضحَ الدلالات، وأقواها على موضوعاته ومعانيه وحقائقه في العقيدة والحياة، وكلُّ من تعامل مع أدلة القرآن في يُسرها ووضوحها، وتأثر قلبه وعقله بها، وقارنها بالأدلة والبراهين والأقيسة التي أوجدتها العقول البشرية، وقررتها وبينتها، كل من فعل ذلك يُدركُ طرفاً من البرهان القرآني، ويسره، ووضوحه.(الخالدي،2005، ص34)

وتتجلّى عظمة القرآن الكريم ومنزلتُه العالية من خلال تسميته بالبرهان، ذلك لأن الله تعالى أقامَ به الحُجة على عباده، تُبرهن لهم بطلان ما هم فيه من الدين المنسوخ، وهي حُجة متنوعة في الاستدلال لتستوعبها عقولُ البشرِ على اختلاف فهومهم وثقافاتهم، وهذا من رحمة الله تعالى وحكمته.(الدوسري،2005، ص156)

3 ـ الحق:

سمّى الله تعالى القرآن حقاً في مواضعَ عِدّة من كتابه، نأخذُ منها ما له صلة بموضوعنا، وهي: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ [الحاقة: 51]. أي: وإنّ القرآن لكونه من عند الله حقٌّ لا ريبَ فيه، ولا يتطرّقُ إليه شك.

وقال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18]. والقذف: الرّمي، أي: نرمي بالحقِّ على الباطل أي: يقهره ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾

وأصلُ الدمغ: شجُّ الرأس حتى يبلغَ الدماغ، ومنه الدّامغة، والحق هنا: القرآن، والباطل: الشيطان في قول مجاهد.(القرطبي،1965،11/295)

وقال تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَومُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]. والضمير في قوله عائدٌ على القرآن؛ الذي فيه تصريفُ الآيات

وقوله تعالى: جملةٌ ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾،  جملة اعتراضية، تتضمّن شهادةَ الله بأنّ هذا القرآن المنزَّل على هذا النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ من اللهِ، والمعنى ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَومُكَ﴾، أي بالقرآن الذي جئتم به، والهدى، والبيان، ﴿قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾، يعني: قريشاً، ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾، أي: الذي ليس وراءه حق،   ﴿قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾،  أي: لستُ عليكم بحفيظ، ولستُ بموكل بكم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ﴾ أي بالقرآن، ولم يُصدق بتلك الشواهد الحقة. وقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ في شك من أمر القرآن، وكونه من عند الله عز وجل، وفيه تعريضٌ بغيره صلى الله عليه وسلم، لأنّه معصومٌ عن الشك في القرآن.

وقوله تعالى ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ : أي: القرآن حق من الله تعالى لا مرية ولا شك فيه. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾، أي: إمّا جهلاً منهم وإمّا ظلماً وعناداً وبغياً، وإلا فمن قصده حسناً، وفهمه مستقيماً، فلابدّ أن يؤمن به، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كلِّ وجهٍ.

وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ۝ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 48 ـ 49]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ جَاء الْحَقُّ ﴾ أي: وهو الإسلام والقرآن، فهذا القرآن العظيم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق: الحق القوي الذي يقذف به الله تعالى، فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله تعالى؟

وكأنَّما الحق قذيفةٌ تصدعُ وتخرقُ وتنفذ، ولا يقفُ لها أحدٌ في طريق، يقذف بها الله تعالى علاّم الغيوب، فهو يقذف بها عن علم، ويوجهها على علم، ولا يخفى عليه هدفٌ، ولا تغيب عنه غايـة، فالطريقُ أمـامه تعالى مكشوف ليس فيه ستور.(قطب،2003، 5/2915)

ومن خلال تسمية القرآن الكريم باسم الحق تبرزُ عظمتهُ ومنزلتُه العالية، فلا بدّ أن يؤمنَ الناسُ بهذا الحق الأوحد، ويستجيبوا له؛ لأنّ مصدره هو الإله الأوحد جلّ جلاله.(الدوسري، 2005، ص161)

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية، المكتبة العصرية للطباعة والنشر،1432ه-2011م ص 22-26

محمَّد بن أحمد الأنصاريِّ القرطبيِّ، تفسير القرطبيِّ  دار إحياء التُّراث العربيِّ، بيروت – لبنان، 1965 م.

محمد بن أحمد صالح الدوسري، عظمة القرآن الكريم، دار ابن الجوزي، السعودية، 1426ه-2005م

سيد إبراهيم قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه- 2003م.

صلاح عبد الفتاح الخالدي، مفاتيح للتعامل مع القران، دار القلم، دمشق، 1426-2005

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى